بعد أقل من عام من موجة غضب واحتجاجات المزارعين الفرنسيين فى يناير الماضى، والتى أدت إلى إغلاق وتعطيل العديد من الطرق الرئيسية فى البلاد، خرج المزارعون من جديد إلى الشوارع الفرنسية بجراراتهم بدعوة من النقابات الزراعية، فى تحرك يهدف إلى الضغط على الحكومة لتلبية مطالبهم ورفض اتفاقية التجارة الحرة المرتقبة بين الاتحاد الأوروبى والتكتل الاقتصادى لدول أمريكا الجنوبية "ميركوسور".
ويأسف المزارعون من أن الالتزامات التي تعهدت بها الحكومة الفرنسية السابقة، برئاسة جابرييل أتال، قد تباطأ تنفيذها بسبب حل البرلمان والانتخابات التشريعية الأخيرة التي شهدتها البلاد.
كما يحتج المزارعون ضد الاتفاقية المرتقبة للتجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبى ودول أمريكا الجنوبية "ميركوسور"، معتبرين أن هذا الاتفاق المقترح سيسبب مشكلات اقتصادية وبيئية، وكذا من شأنه أن يؤدي إلى منافسة غير عادلة.
وفي محاولة لطمأنة المزارعين، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن فرنسا لن توقع على اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ودول "ميركوسور" في أمريكا الجنوبية، بصيغتها الحالية.
وقبل أن يتوجه إلى البرازيل حيث من المقرر أن يعقد مؤتمر مجموعة العشرين، قال ماكرون، في تصريحات على هامش زيارته إلى الأرجنتين، "إن فرنسا ستواصل معارضة اتفاقية "ميركوسور".. وأخبرت الرئيس الأرجنتيني أن فرنسا لن توقع على اتفاقية ميركوسور هذه بشكلها الحالي"، معتبرا أن ذلك سيكون "سيئا للغاية بالنسبة لزراعتنا".
وبدأت بالفعل المظاهرات الغاضبة للمزارعين منذ مساء أمس الأحد، احتجاجا على هذه الاتفاقية المقترحة، والتي تتيح فتح السوق الأوروبية أكثر أمام منتجات أمريكا اللاتينية، وهو توجه يثير قلق القطاع الزراعي، بينما تأمل المفوضية الأوروبية، بدعم من عدة دول مثل ألمانيا وإسبانيا، في التوقيع على هذه الإتفاقية بحلول نهاية العام الجاري.
وكان الاتحاد الوطني لنقابات المزارعين، وهي النقابة التي تمثل أغلبية المزارعين والمتحالفة مع المزارعين الشباب، قد دعا إلى تنظيم مظاهرات بداية من اليوم 18 نوفمبر تزامنا مع انطلاق قمة مجموعة العشرين في البرازيل.. وتوعدت "التنسيقية الريفية"، وهي ثاني نقابة زراعية في فرنسا، بثورة زراعية اعتبارا من غد /الثلاثاء/ مع وقف لشحن المواد الغذائية إذا لم تلب الحكومة الفرنسية مطالب المزارعين، أما "اتحاد المزارعين"، القوة النقابية الثالثة والمناهضة للعولمة، فيخطط لاتخاذ إجراءات ضد اتفاقيات التجارة الحرة.
وتبدو الأجواء شديدة التوتر مع تزايد المخاوف من التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة للاتحاد الأوروبي مع دول "ميركوسور" في أمريكا الجنوبية، والتي تضم الأرجنتين والبرازيل وأوروجواي وباراجواي وبوليفيا.. وكانت الاتفاقية قيد المناقشة منذ أكثر من 20 عاما، ولكن يبدو أن إبرامها أصبح وشيكا بالنسبة للدول التي تدافع عنها، بينما يحذر المزارعون الفرنسيون من أن يتسبب الاتفاق الذي يهدف إلى خفض الرسوم الجمركية على الواردات من السلع الصناعية والصيدلانية الأوروبية وعلى المنتجات الزراعية في إغراق الأسواق الأوروبية بمنتجات أقل تكلفة، ما قد يهدد الأمن الغذائي لدول التكتل الأوروبي.
وبدأت الاحتجاجات بالفعل في العديد من المناطق الفرنسية مع تحركات منظمة بمئات من الجرارات منذ أمس وحتى اللحظة في مناطق مختلفة، منها منطقة "إيفلين" الواقعة غرب العاصمة الفرنسية باريس، مع تعطيل العديد من الطرق السريعة بين المدن الفرنسية.. كما تحرك مئات من المزارعين مع نحو 30 جرارا نحو جسر "أوروبا" لتعطيل الطرق المتجه نحو مدينة "أفينيون" بجنوب شرق البلاد، حسبما أكد رئيس نقابة شباب المزارعين في المنطقة، موضحا أنه تم اختيار هذا المكان للتنديد بالاتفاق المقترح بين الاتحاد الأوروبي و"ميركوسور"، والذي اعتبره "كارثة" على الزراعة الفرنسية.
وفي شمال فرنسا، احتشد المزارعون في مدينة "ليل" وتم تعليق لافتة مكتوب عليها "لا للميركوسور" وأعلام البرازيل والأرجنتين على أبواب مقر المحافظة، بالإضافة إلى تعطيل العديد من الطرق السريعة التي تربط بين المدن الفرنسية في مختلف أنحاء البلاد.
وفي غرب فرنسا، أوضح نائب رئيس نقابة "المزارعين الشباب" في منطقة "شارونت" أنه سيتم توعية المواطنين بشأن كيفية استهلاك المنتجات الفرنسية المحلية، قائلا: "فاليوم، اتفاقية الميركوسور سيتم إبرامها، وتتيح استيراد منتجات غير متوافقة مع القواعد الفرنسية".
ومن جهتها، دعت وزيرة الزراعة الفرنسية آني جنيفار إلى ضبط النفس وتجنب العنف، مشددة على ضرورة استمرار إمدادات الغذاء للمواطنين وعدم تعرض الأمن الغذائي للخطر، إلا أن رئيس الاتحاد الوطني لنقابات المزارعين الفرنسيين أرنو روسو، والذي أعلن عن تنظيم حركة احتجاجية شاملة في جميع المدن الفرنسية، قال "إن هذه التحركات ستكون خالية من العنف، لكنها ستكون حاسمة في توصيل رسالة قوية إلى السلطات الفرنسية والأوروبية، حيث تتزامن الاحتجاجات مع انعقاد قمة مجموعة العشرين في البرازيل، في رسالة تعكس رفض المزارعين لهذه الاتفاقية للتجارة الحرة مع دول أمريكا اللاتينية".
وكانت الاحتجاجات، التي اندلعت في يناير الماضي وشملت إغلاق الطرق الرئيسية في البلاد، قد نجحت في الحصول على وعد من الحكومة بزيادة دعم المزارعين.. ورغم ذلك، أشار روسو إلى إن الحكومة لم تنفذ إلا جزءا بسيطا من الوعود، وهو ما أثار غضب المزارعين مرة أخرى ودفعهم إلى تصعيد تحركاتهم الاحتجاجية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة