تنعقد القمة الـ19 لمجموعة العشرين G20 فى ريو دى جانيرو، بالبرازيل تحت شعار «بناء عالم عادل وكوكب مستدام» بمشاركة الدول الأعضاء، بالإضافة إلى الاتحاد الأفريقى والاتحاد الأوروبى، وفى العام الماضى كانت القمة الـ18 تنعقد تحت شعار «أرض واحدة، وعائلة واحدة، ومستقبل واحد»، وهى شعارات تدفع دائما إلى التساؤل عن مدى إمكانية مواجهة التحديات والتحولات بل والتهديدات التى تواجه الكرة الأرضية، ومسؤولية الدول الصناعية الكبرى الأعضاء فى العشرين عما يواجهه العالم، ومدى العجز الذى يحاصر النظام العالمى، ويكشف عن المزيد من المخاوف حول المستقبل.
وقد تصاعدت خلال السنوات الأخيرة المخاوف من استمرار تصاعد المشكلات والأزمات، مع استمرار عجز النظام الدولى سياسيا واقتصاديا عن تلبية مطالب واحتياجات الدول، بينما تكتفى القمة بإطلاق بيانات أو تحذيرات من دون أن تكون قادرة على التعامل معها أو معالجتها أو حتى الاستجابة لمطالب تتزايد، خلال السنوات الأخيرة، عن ضرورة إصلاح النظام الدولى بشكل يعيد له القدرة على ممارسة وظائفه الطبيعية، حيث لم يسكن العالم بهذا الاختلال مثلما هو الآن.
فى القمة الـ18 العام الماضى بالهند، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، زعماء مجموعة العشرين من أن العالم يواجه مخاطر النزاع، مع اتساع الانقسامات بين الدول، وقال عشية انعقاد القمة: «إذا كنا بالفعل أسرة عالمية واحدة، فإننا نشبه اليوم أسرة تعجز عن أداء وظيفتها على النحو الصحيح»، مشيرا إلى أن «الانقسامات تتزايد، والتوترات تشتعل، والثقة تتآكل، وكل هذا يهدد بالتشرذم، ومن ثم المواجهة فى نهاية المطاف»، وأضاف: «عالمنا يمر بلحظة انتقالية صعبة، فالمستقبل متعدد الأقطاب، ولكن مؤسساتنا متعددة الأطراف تعكس عصرا مضى».
لقد قدم الأمين العام تشخيصا لا يزال قائما وصحيحا، ولم يتم التعامل معه أو مواجهة ما يواجهه العالم من تهديدات وانقسامات وصراعات، بينما اكتفى زعماء مجموعة العشرين بإصدار بيان مشترك يسلط الضوء على المعاناة الناجمة عن الصراعات فى غزة وأوكرانيا، فى حين دعوا إلى التعاون بشأن تغير المناخ والحد من الفقر والسياسات الضريبية.
تمكن الزعماء فى القمة من التوصل إلى إجماع توافق بقدر ما حول تصعيد الحرب فى أوكرانيا، وركزوا بإيجاز على «المعاناة الإنسانية» والتداعيات الاقتصادية للصراع، وعبر بيان مشترك للزعماء عن «القلق البالغ بشأن الوضع الإنسانى الكارثى فى قطاع غزة»، ودعوا بشكل عاجل إلى إرسال المزيد من المساعدات وتوفير الحماية للمدنيين إلى جانب وقف إطلاق النار الشامل فى غزة ولبنان.
خلال قمة العشرين جرت مناقشات عما يمكن أن يواجه العالم من تغييرات فى السياسات الأمريكية مع تولى الرئيس الأمريكى المنتخب، دونالد ترامب، بجانب أهمية البحث عما أسموه مسارات تفاوضية لإنهاء الحرب فى أوكرانيا، فى وقت لم يشارك الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى القمة، ومثل موسكو وزير الخارجية سيرجى لافروف، فى ظل تصعيد للحرب فى أوكرانيا، حيث وافق الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، على وثيقة أسس سياسة الدولة الروسية فى مجال الردع النووى، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمترى بيسكوف: إن استخدام القوات المسلحة الأوكرانية للأسلحة الغربية غير النووية ضد الاتحاد الروسى يمكن أن يؤدى، بموجب العقيدة النووية الروسية الجديدة، إلى رد نووى، مشيرا إلى أنه فى سياق حرب أطلها الغرب ضد الاتحاد الروسى، وأن الجيش الروسى يراقب عن كثب التقارير التى تتحدث عن خطط استخدام صواريخ طويلة المدى فى منطقة كورسك الروسية، وبالتالى فإن المخاوف من صدام نووى تتجدد بعد أن تراجعت وعادت بعد ألف يوم من بدء الحرب، لتجدد من احتمالات الصدام ومخاوف الانقسام العالمى.
ومثلما كانت التحذيرات من الانقسامات والصراعات، فقد أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أنه لا يمكن أن نتحدث عن عدم المساواة دون التطرق للأوضاع المأساوية فى فلسطين ولبنان، جراء الحرب الإسرائيلية التى تجرى، بسبب افتقاد العالم الفعل المؤثر لوقفها، مشددا على ضرورة الوقف الفورى لتلك المأساة اللاإنسانية، وإنقاذ المدنيين ممن يعانون أوضاعا معيشية كارثية، بالإضافة إلى وقف التصعيد وتوسع رقعة الصراع، وأكد الرئيس أن مواجهة التحديات الراهنة، وعلى رأسها تفاقم الصراعات وتزايد الفجوة التنموية والرقمية والمعرفية ونقص التمويل ومعضلة الديون فى الدول النامية، فضلا عن عدم الوفاء بمساعدات التنمية الرسمية وتمويل المناخ إنما يتطلب حشد الإرادة السياسية لإعادة النظر فى النهج الدولى الحالى وتجديد الالتزام بأهداف التنمية المستدامة.
الرئيس البرازيلى، لولا دا سيلفا، فى كلمته بافتتاح أعمال قمة العشرين قال: إننا سنعمل على تعزيز التحالف الدولى لمكافحة الجوع والفقر، وفى نفس الوقت أشار الرئيس السيسى إلى أن مصر تؤمن بأنه لا سبيل لمكافحة الجوع والفقر وتحقيق أهداف التنمية المستدامة إلا بإقامة شراكات دولية متوازنة مع الدول النامية تتضمن توفير التمويل الميسر للتنمية، ونقل وتوطين التكنولوجيا والأدوات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعى، بالإضافة إلى دعم جهود تحقيق الأمن الغذائى.
المفارقة أن الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته، جو بايدن، لا يزال يرى أن تعطيل إبرام واتفاقات لوقف الحرب فى غزة على عاتق حماس، وليس نتنياهو والمتطرفين فى حكومته، كل هذه المعطيات تضاعف من خطر الانقسامات، وتجدد المخاوف من أن داخل الدول الكبرى أطراف تضاعف من العجز عن مواجهة التحديات.