على مدى عقود يواجه العالم تحديات وأزمات تتوالد وتتفاعل، وتبدو كأنها بلا آفاق للحل، فقد دخل العالم منذ عام 2020 فى دوامة من الأزمات العالمية المركبة، بدأت مع فيروس كورونا الذى فرض على العالم طوال عامين إجراءات وشللا فى الحركة والاقتصاد، مخلفا تداعيات اقتصادية وتجارية من أثار الفيروس انعكست فى صورة ارتفاع فى سلاسل النقل وأسعار الطاقة والسلع.
لم تكد كورونا تنتهى حتى بدأت حرب أوكرانيا، بين روسيا والغرب، وأثرت فى كل الاتجاهات، لأنها تجاوزت كونها حربا تتعلق بروسيا وأوكرانيا، إلى أنها حرب تعيد إحياء الحروب الباردة وسباق التسلح، دخلت الولايات المتحدة طرفا فى الحرب ومعها الغرب وأوروبا، حيث أعلنت روسيا أنها تواجه حربا عدائية من الغرب، مع محاولة إدخال أوكرانيا إلى حلف الناتو، وهو حلف من بقايا الحرب الباردة، حيث ظل ونشأ فى مواجهة حلف وارسو إلى أن انتهى مع نهاية خروج الاتحاد السوفيتى من الحرب الباردة وتبقى حلف شمال الأطلنطى يمثل مواجهة روسيا.
كل هذه الصراعات أنتجت تأثيرات كبيرة على أسواق وإمدادات الغاز والطاقة عموما، وبجانب ارتفاعات أسعار الغذاء والنقل، ارتفعت أسعار الكهرباء فى أوروبا إلى مستويات قياسية فى ظل نقص الإمدادات كل هذا اثر على الأسعار والتضخم فى العالم، والطبقات الوسطى، لم تواجهه الدول الكبرى منذ الحرب العالمية الثانية.
هذه الأزمات لا تزال مستمرة وأضيف إليها الحرب فى غزة التى تجاوزت العام وألقت بظلالها على المنطقة كلها وساهمت فى التأثير على حركة النقل عبر قناة السويس.
بعد اندلاع الحرب فى أوكرانيا أطلق الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون تعبير «عدم اليقين»، مشيرا إلى أن «الحرب عادت إلى الأرض الأوروبية، وعلى مسافة بضع ساعات فقط من الحدود الفرنسية، فى إشارة إلى حرب أوكرانيا»، وتجاهل الرئيس الفرنسى أن الحرب اشتعلت بسبب دعوات لدخول أوكرانيا فى حلف شمال الأطلنطى، وهو ما تراه روسيا حربا عليها.
وبالتالى فإن هذه الحروب والأزمات، فى الأصل من صناعة الدول الكبرى، والتى تحتل مكانا فى قمة العشرين الكبار، ومعها الحروب الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة والصين، أو الإجراءات الحمائية والمواجهات فى التكنولوجيا والتجارة.
من هنا يبدو البيان الختامى لقمة العشرين التى عقدت فى ريو دى جانيرو بالبرازيل، مثيرا للتساؤلات، حول إمكانية تنفيذ التعهدات بتعزيز جهود مكافحة تغير المناخ والدفع نحو إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وإطلاق تحالف عالمى لمكافحة الجوع والفقر، والدعوة لوقف الحرب فى الشرق الأوسط وأوكرانيا.
البرازيل، نجحت بصفتها الدولة المضيفة، فى تشكيل جدول الأعمال وإدراج أولويات رئيسية، خاصة مبادرة الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا لإطلاق تحالف عالمى لمكافحة الفقر والجوع، والتى حظيت بدعم أكثر من 80 دولة ومؤسسات متعددة الأطراف، باعتبار الجوع لا ينجم عن نقص الموارد أو المعرفة، بل عن نقص الإرادة السياسية لضمان وصول الغذاء للجميع.
تعهّد قادة العشرين فى البيان الختامى بالتعاون لفرض «ضريبة فعّالة على أثرى أثرياء العالم»، وإصلاح الحوكمة العالمية والمؤسسات المالية المتعددة الأطراف، وأيضا تضمن البيان الدعوة إلى «مجلس أمن دولى أكثر تمثيلا وشمولا وكفاءة وفعالية وديمقراطية وخضوعا للمساءلة»، وأيضا الحاجة إلى تعزيز تمثيل وصوت الدول النامية فى صنع القرار داخل بنوك التنمية المتعددة الأطراف، وغيرها من المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، وما يتعلق بمعالجة الديون، هذه التعهدات تعكس مطالب دول الجنوب، ومنها مصر ودول أفريقيا وتجد تأييدا من الهند والبرازيل ودول بريكس، وكانت سببا فى ظهور تجمعات مثل بريكس، أو الدعوة لإصلاح يحمى هذه المنظمات من التفكك.
وفيما يتعلق بالحروب فى الشرق الأوسط، أعرب الإعلان الختامى للعشرين عن «قلقه العميق» بشأن الوضع الإنسانى الكارثى فى قطاع غزة والتصعيد فى لبنان، داعيا إلى ضرورة وقف إطلاق النار فى كل من غزة ولبنان، وضرورة توسيع المساعدات الإنسانية وتعزيز حماية المدنيين، فى رسالة واضحة لإسرائيل، كما أكدت «حق الفلسطينيين فى تقرير المصير» و«التزاما لا يتزعزع برؤية حل الدولتين، بما يتماشى مع القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وهى تعهدات تتطلب إرادة دولية لتنفيذها، مع وجود انحياز أمريكى للاحتلال».
وعلى الرغم من غياب الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عن القمة وحضور وزير خارجيته سيرجى لافروف ممثلا عن موسكو، أظهر زعماء العشرين إجماعا نادرا على ضرورة معالجة النزاع فى أوكرانيا بطرق سلمية، ورحّبوا بكلّ «مبادرة بنّاءة» ترمى لتحقيق «سلام شامل وعادل ودائم» فى أوكرانيا.
ويبقى التساؤل هل يمكن لقمة العشرين إصلاح ما أفسده أعضاء بها، وما أطلقوه من حروب وصراعات؟