الفرق بين محمد صلاح وكثير من لاعبينا الذين احترفوا فى الخارج، أو حتى نالوا شهرة محلية، هو أن صلاح يحرص دائما على تقديم نفسه كلاعب موهوب يبذل جهدا، وليس فقط موهبة، وهو ما يجعله قدوة لكثير من الشباب، فهو لم يصل للنجومية والعالمية فقط بموهبته، لكنه يبذل جهدا مضاعفا ويحرص على لياقته البدنية، ويلتزم بتعليمات مدربيه وكل المختصين والفنيين فى نظام طعامه وشرابه وتدربيه.
ولعل هذا هو ما يجعل محمد صلاح نموذجا قريبا من التحقق، بالرغم مما يحيط بهذه النقطة من ظروف ومصادفات وجزء كبير من التوفيق ولا نقول الحظ، لكن أن يكون اللاعب فى مرمى المصادفات جاهزا، وهو ما يفعله صلاح، بجانب أنه لا يقدم نفسه بصفته فيلسوف عصره وأوانه، ولا يتحدث فى ما لا يعرف، وحتى عندما يتحدث عن مصادر ثقافته وقراءاته يذكر ما يفعله فى الواقع، وليس ما يريده الآخرون أن يقوله، ولهذا مهما كانت بساطة ما يقرأه فهو كافٍ ليضاعف من إقبال الناس عليه، حتى لو كان مجرد نصائح فى التنمية البشرية، محمد صلاح نجح ثم بدأ يبحث عن تفسير، وأصدق ما قاله هو أنه أراد أن يعرف نفسه أولا، فإذا عرف المرء نفسه يمكنه التعرف على ما حوله، وربما لا يعرف صلاح أن هذه هى أولى حكم سقراط.
الشاهد أن أى لاعب كرة قدم ليس فيلسوفا، ولا أى شىء آخر غير كونه يجب أن يركز فى عمله وتدريبه، ويحتفظ بالجمهور على مسافة قريبة، فهو يعمل للجمهور بجانب أنه فى عالم الاحتراف الذى لا يرحم، نحن هنا نتحدث عن نجم كرة محترف، نجح فى صناعة صورة رائعة لنفسه وبلده، مع الأخذ فى الاعتبار طبيعة عالم النجومية فى ظل عولمة كروية تضع النجم فى دوائر معقدة، وتجعل كل حركة وكلمة منه محسوبة، وعليه أن يعرف مكانه بالضبط، ويلتزم بما تحتمه عليه مكانته كلاعب ونجم دولى، وهى صيغة نجح صلاح فى بنائها، خلال سنوات، وتخطى كثيرا من النماذج المصطنعة التى تعمل لصالح المال أو التنظيم، وتعمل دعاية لصالح دول أخرى أو أنظمة مرتبكة، بينما بقى صلاح قادرا على إدارة موهبته، وأيضا تأكيد انتمائه لمصر وثقافتها، فتحول الى نموذج.
قلت من قبل إن «محمد لاعب عصامى احترف وعبَر على ظروف صعبة، وساهم فى رفع اسم مصر فى بريطانيا وأوروبا بشكل غير مسبوق، وجذب حبا فطريا ساعدت فيه طبيعته البسيطة وتصرفاته الفطرية الذكية التى جعلته واحدا من أكثر اللاعبين جاذبية للأطفال، واجتماعيا قدم صلاح الكثير لأهل قريته وبلدته وفى حالات كثيرة لم يتحدث أو يعلن عما فعله من مجهودات خيرية، وتطور وعيه بدرجة لافتة تجاه قضايا مختلفة، وأصبح قادرا على مخاطبة المجتمع الأوروبى بشكل متوازن».
ولهذا يتعرض لحملات تريد هدمه لكنه يبقى رمزا، بينما يتراجع من يحتفظون بانتمائهم المتخلف او المتعصب، وهنا عندما يتحدث عن قراءته وأهمية القراءة، فهو يتوجه لهؤلاء الذين يتخذونه قدوة ويدفعهم ويشجعهم على القراءة، مثلما شارك فى حملة ضد المخدرات نجحت بشكل كبير.
وأيضا حياته بحيث لا يجعلها عرضا أمام العالم، ولا «جيتو» يعزل نفسه فيه، وهنا نجح صلاح إلى حد كبير، بجانب أنه نجح فى أن يندمج فى مجتمع لندن وأوروبا، من دون أن ينسى نفسه وينخرط فى أوساط تضيعه مثلما جرى مع مواهب أخرى ضيعت نفسها شكلا ومضمونا وسلوكا، وانبهرت بعالم السهر ونسيوا أنفسهم، صلاح اندمج وتعلم الإنجليزية ولغات أخرى، هو وزوجته ويعيشان مع الاحتفاظ بمسافات خصوصية دقيقة، وكل هذا يبدو أن صلاح عرفه من وسط تربى فيه بشكل معتدل.
من هنا، يمكن تفهم شكل وتوجُّه بعض الحملات التى تستهدف صلاح، حتى لو تحدث فى القراءة، وهى حملات بعضها تلقائى، وأكثرها مُوجّه، من قبل هؤلاء الذين نسف صلاح أصنامهم وتصوراتهم المتخلفة، ونجح فى أن يقدم نموذجا يعيش ويمثل أحد أهم نجوم الكرة، مكررا نماذج عاشت بشكل إنسانى وليس فقط من زاوية كرة القدم.
مقال أكرم القصاص