مبادرة هامة أطلقتها الحكومة البرازيلية، إبان استضافتها لقمة مجموعة العشرين، بتشكيل التحالف العالمي لمكافحة الجوع والفقر، والتي تتماهى بصورة كبيرة مع الحالة الدولية الراهنة، والتي لم تعد التحديات التي تواجهها مقتصرة على الصراعات الدولية، والمساعي لإيجاد حلول سياسية لها، وإنما فيما آل إليه العالم، من أزمات أخرى، ساهمت بصورة كبيرة في زيادة رقعة الفقر والجوع في العالم، وأبرزها ظاهرة التغيرات المناخية، ناهيك عن التداعيات المترتبة على الصراعات القائمة وما يترتب عليها هذا الإطار، وهو ما خلق قدرا كبيرا من التماهي بين المبادرة البرازيلية والنداءات التي طالما أطلقتها شعوب العالم النامي، والتي تعد الأكثر تضررا جراء ما أصاب العالم من أزمات.
ولعل الظروف المكانية والزمنية، لإطلاق المبادرة، من البرازيل، وبالتزامن مع قمة العشرين، تمثل أهمية كبيرة، ليس فقط في إطار ما تتمتع بها ريو دي جانيرو، كقوى اقتصادية صاعدة، وإنما كأحد الأعضاء المشتركين بين تكتل البريكس، ومجموعة العشرين، بينما يبدو إطلاقها أثناء قمة العشرين، هو الأخر، بمثابة صرخة من قبل أحد أعضاء المجموعة التي تضم أكبر اقتصادات العالم، تحمل في طياتها دعوة صريحة للخروج من حالة الانعزال عن العالم، والانكفاء على تحقيق المصالح الضيقة لدول المجموعة، والعمل على حماية الكوكب بأثره مما يحيط به من أزمات، وصراعات، في ضوء معطيات مهمة، أبرزها اتساع النطاق الجغرافي للأزمات، وهو ما يبدو مثلا في الأزمة الأوكرانية، والتي خرجت عن إطار الشرق الأوسط، وتحولت نحو حدود المعسكر الغربي، بينما تبقى تداعيات الأزمات الأخرى، خاصة في الشرق الأوسط ممتدة إلى شعوب أوروبا الغربية.
والبرازيل ليست العضو الوحيد في المجموعة التي تحمل عضوية البريكس، فهناك الصين وجنوب أفريقيا، والهند وهي دول مؤسسة للتكتل، بينما نلحظ في الوقت نفسه أن ثمة دعوات قدمتها الحكومة البرازيلية لدول أخرى من أعضاء البريكس وعلى رأسها مصر، وهو ما يمثل تكرارا لما شهدته قمة العام الماضي، والتي انعقدت في الهند، وهو ما يعكس حالة من التداخل بين مصالح المجموعة والتكتل، سوف تساهم في خلق قدر كبير من الزخم لدائرة أوسع من القضايا التي تتجاوز في جوهرها المصالح الضيقة للقوى المسيطرة على الاقتصاد العالمي.
الملاحظة سالفة الذكر مرشحة للتكرار خلال قمة العام المقبل للمجموعة، والتي ستعقد في دولة أخرى، من دول البريكس، وهي جنوب أفريقيا، وهو ما يعني تسليط المزيد من الضوء على القضايا التي تشغل دول العالم النامي، خاصة فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية، والأوضاع المناخية، وكذلك ما يرتبط بالصراعات، وما تحمله من تأثير مباشر على حياة ملايين البشر، حتى وإن كانت بعيدة جغرافيا عن القوى الدولية الكبرى، في ضوء حقيقة تتجسد في انعدام ما يمكننا تسميته بـ"مناطق الأمان النسبي"، والتي حظت لسنوات بميزة الابتعاد عن دائرة الصراعات الدولية، بفضل موقعها الجغرافي، خاصة مع اندلاع الأزمة الأوكرانية التي اقتحمت العمق الاستراتيجي للغرب الأوروبي من ناحية، أو التداعيات المترتبة على الأزمات الأخرى التي باتت تمس حياة مواطني العالم أيا كان موقهم.
الحديث عن التداخل بين تكتل بريكس ومجموعة العشرين، يمكننا ترجمته، في لغة السياسة التقليدية، باعتباره تناميا في نفوذ التكتل حديث العهد نسبيا، إلى حد اختراق المجموعة الاقتصادية الكبرى، وإنما في واقع الأمر يحمل في طياته ترجمة أخرى، تبدو أكثر دقة، تتجسد في أن قضايا العالم لم تعد مرتبطة بالجغرافيا، في ضوء امتداداها الواسع، وقدرتها على اختراق مناطق بعيدة عن منطقة اندلاعها، بالإضافة إلى ارتباط التنمية في العالم، في اللحظة الراهنة، بالحالة الجماعية، حيث تبقى الحاجة الملحة إلى استبدال العديد من السياسات التي تعتمد التنافسية كأساس للعلاقات الاقتصادية، بالتكامل، وهو الأمر الذي يمكن أن ينطبق على العلاقة بين المجموعة والتكتل، بعيدا عن لغة النفوذ والصراع، والتي يمكن أن تتنامى في ظل وجود موسكو، والصين كمؤسسين للتكتل.
وهنا يمكننا القول بأن إدارة العلاقة بين مجموعة العشرين وتكتل البريكس، يبدو أمرا مهما للغاية، عبر الابتعاد بها عن صراعات السياسة، ونظريات النفوذ التقليدية، نحو تعزيز ما يمكن تسميته بـ"الجماعية الدولية"، بينما يبقى الأعضاء المشتركين بينهما بمثابة حجر الأساس لتعزيز العلاقة على أساس تعزيز القضايا المشتركة، وتسليط الضوء على الأزمات، التي يمكن المساهمة في حلها عبر تحقيق الشراكة بين دول العالم، بعيدا عن مبدأ المصالح الضيقة.