على مدى يومين شاركت مع عدد كبير من الأصدقاء الكتاب والمفكرين فى مؤتمر «الإنسان فى الدولة المدنية الحديثة»، والذى ينظمه منتدى حوار الثقافات فى الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، برئاسة الدكتور القس أندريه زكى، والذى عقد بحضور عدد من رجال الدين الإسلامى والمسيحى والواعظات والراهبات والمفكرين والإعلاميين وأعضاء البرلمان وممثلين عن الأحزاب السياسية، بجانب المحاور الرئيسية كانت هناك جلسات مفتوحة حول دور مؤسسات التنشئة والمؤسسات الدينية فى بناء الإنسان والمسؤولية الاجتماعية لمؤسسات الإعلام والثقافة.
وقد واظبت على مدى سنوات طويلة على حضور هذه المنتديات، التى تتعامل مع القضايا الاجتماعية والثقافية، وخلال الجلسة الافتتاحية تحدث وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهرى، حول اتجاه عام لدى مؤسسات الدولة بهدف إحياء وبناء الإنسان فى كل أمور حياته، فى ظل الفلسفات والكتابات التى ولدت فى الخارج، التى تعلن نهايات الإنسان أو الأيديولوجيا والتى أماتت كل شىء، وأن كتاب الله يقول «من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا».
وفى الجلسة التى أدارها الكاتب الصحفى حمدى رزق، عضو الهيئة الوطنية للصحافة، قال الأزهرى إن مصر بكل التعريفات التى قيلت على مدى العصور تلخص الإنسان، فمن قام بالحضارة هو الإنسان، والجيش المصرى والانتصار فى أكتوبر المجيد، والأزهر الشريف والكنيسة، كلها قائمة على الإنسان المصرى القوى، فمعنى مصر هو إنسان مصرى قوى.
وتابع قائلا إن مصر هى الإنسان المسلم والمسيحى معا، وهى أبناء الوادى وكل المحافظات معا، لافتا إلى أن المجتمع المصرى اليوم يجتمع معا لبناء الإنسان ونعيد تشغيل كل المؤسسات بكامل طاقتها، بناءً يراعى الوعى الصحيح الذى يحتاجه المجتمع المصرى، مشيرا إلى الاهتمام من قبل الحكومة ببناء الإنسان، والذى يرتكز على التعليم والصحة والعمل وجودة الحياة، وأن التعليم هو أساس بناء الإنسان، وأن الأسرة هى الأساس أيضا فى بناء الإنسان إلى جانب المؤسسة الدينية والإعلام، والشارع.
وفى نفس الجلسة أكد الدكتور أندريه زكى، أن بناء التنمية والحضارة يأتى من بناء الإنسان أولا، فكل النظريات منذ القدم ترتبط بتطوير وتنمية الإنسان، وفكرة رأس المال البشرى التى تقوم عليها الأمم، وأن ذلك الأمر يعد أمرا يحتاج للإعداد والبناء لخلق أجيال تشكل شخصية الإنسان، موضحا أن عملية بناء الإنسان متشعبة وتراكمية تقوم على خطة مركبة نبنى محاورها على استيعاب الأفراد لها، وهى عملية متغيرة وتختلف باختلاف ظروف كل مجتمع، وهى ليست مسؤولية الدولة فقط، بل مشاركة بين الدولة والمجتمع، داعيا إلى ضرورة التفرقة بين الدين والخطاب الدينى، فالدين نصوص مقدسة وردت فى الكتب المقدسة وترسم علاقة الإنسان مع الله، فى حين أن الخطاب الدينى هو رؤى وتفاسير بشرية، وبناء عليه لا بد من التركيز على قيم الرحمة والعدالة، مع قبول التفاسير المختلفة للنص، فضلا عن التعامل باحترام مع المختلفين فى الرأى مع التمسك بالقيم الأخلاقية التى ترسخ للسلام مع تعزيز التفكير النقدى، وربط النص الدينى بسياقه التاريخى والعودة به لعصرنا الحالى، مع تعزيز لغة الحوار والتأكيد عليها، وأن يكون الخطاب الدينى محفزا على السلوك القويم من خلال الأمانة فى العمل والحفاظ على البيئة.
وتناول الحضور وطرحوا الآراء المتنوعة، وركزوا إلى أهمية التنوع والتعدد فى الآراء، ودور الإعلام فى إدارة الحوار، مع أهمية إتاحة المعلومات من المؤسسات والجهات المختلفة بالدولة حتى يمكن توضيح الصورة وإقامة حوار ناجح، وتحدث بعض الحضور عن أن بناء الإنسان يبدأ من التعليم والثقافة مع التركيز على الاهتمام بالصحة، ولفت البعض النظر إلى مبادرات اتبعتها الدولة خلال سنوات منها ما يتعلق بالتعليم والثقافة والصحة، ودعوا للتوسع فى الدعم الاجتماعى للأسر حتى يمكنها الالتزام بتعليم أبنائها.
بعض الزملاء ركزوا على أهمية الحوار، ولفت الصديق حمدى رزق، النظر إلى أن العالم فى حالة حوار مستمر ودائم فى مصر والخارج، مشيرا إلى أن الخطاب الدينى يواجه عثرات ومقاومة، وذلك بسبب الخلط بين الدين والخطاب الدينى، وأن هذا الأمر مهمة كبرى أمام وزارة الأوقاف، لافتا إلى أن لغة الحوار من أهم الآليات التى تسهم فى تحقيق الغرض والهدف من تجديد الحوار الدينى.
بينما قالت سميرة لوقا، رئيس قطاع أول الحوار بالهيئة القبطية الإنجيلية، إن تنوع المشاركة فى المؤتمر يمثل مصر الحقيقية، وأن ما تقدمه الهيئة يتماشى مع دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى، الخاصة بمبادرة بناء الإنسان.
الصديق حلمى النمنم، وزير الثقافة الأسبق، دعا إلى ضرورة التعامل مع الواقع وليس فقط النظريات، وأن تحقيق مطلب بناء 40 ألف فصل يتطلب عشرات المليارات سنويا، وأن الثقافة تتطلب أيضا إنفاقا ضخما، وهى أمور تحتاج الموازنة بين المطالب والإمكانات والأولويات.
واستعرضت الصديقة علا الشافعى، خلال مشاركتها، أهمية النظر إلى علاقة الإعلام والثقافة المطروحة بأجيال حديثة قد نجد صعوبة فى الوصول إليها، وهى أجيال ولدت مع البقية ولها اتجاهاتها وتفضيلاتها.
بالطبع كان هناك الكثير من المداخلات والآراء من المشاركين، ركزت حول أهمية تنوع الآراء وإقامة حوار يتضمن كل الاتجاهات من دون استبعاد، حيث يعتبر غياب الحوار أخطر ما يمكن أن يواجهه المجتمع.
والواقع أن الحوار دائما هو عماد المناقشات والمؤتمرات التى يعقدها منتدى حوار الثقافات، والهيئة القبطية الإنجيلية، وتتم بترتيبات وإشراف من فريق عمل متسع ومتعاون من الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، والتى تقوم بدور مهم لدعم الحوار والتسامح فى المجتمع.