الزيارة التى تقوم بها مدير صندوق النقد الدولى كريستالينا چورچييفا، ووفد الصندوق لمصر، تأتى فى وقت حساس، وتحمل الكثير من المخاوف والأمل أيضا، خاصة أنها تأتى بعد تصريحات وتوجيهات من الرئيس السيسى قبل أيام تطالب المؤسسات الدولية بمراعاة التحديات، التى تواجهها مصر جراء التوترات والصراعات والأزمات العالمية والإقليمية.
هناك الكثير من الترقب لدى المواطنين فى مصر، لأن الصندوق دائما ارتبط بصورة إجراءات وصعوبات تضاعف من معاناة المواطنين مع الأسعار، وأيضا مع تفاصيل الحياة للطبقات الوسطى التى تحملت الكثير من الإجراءات، لإدراكها أن الظروف العالمية والإقليمية وتوالى الأزمات تسببت فى انعكاسات غير مرغوبة على حياة الناس، والترقب يأتى من تفاعلات وبعض الأخبار التى تضاعف من القلق.
والواقع أن الدولة تنتبه إلى هذا، وقد أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته بافتتاح مؤتمر السكان والصحة والتنمية البشرية، أن مصر تنفذ برنامج الإصلاح الاقتصادى الحالى فى ظل ظروف إقليمية ودولية شديدة الصعوبة لها تأثيرات سلبية، وحذر من أن مصر قد تضطر إلى إعادة تقييم برنامجها مع الصندوق إذا لم تأخذ المؤسسات الدولية فى اعتبارها التحديات الإقليمية غير العادية التى تواجهها البلاد، ووجه الرئيس رسالة إلى المؤسسات الدولية، وأيضا إلى الحكومة بعدم تكرار أى إجراءات تمثل ضغطا على حياة المواطنين ومعيشتهم.
الواقع أن الرئيس يؤكد دائما أهمية وجود توازن بين إجراءات الإصلاح وقدرة الناس على التحمل، وإذا كانت الإجراءات تهدد الاستقرار يجب وقفها، وهو ما جرى خلال سنوات كورونا، لكن مؤخرا كانت هناك تداعيات للحرب فى أوكرانيا ضاعفت الأسعار، ثم تراجع ما يقرب من نصف دخل قناة السويس، مما خلق نقصا فى العملات والتدفقات، وقبلها خروج أموال ساخنة، وهى تداعيات تمثل تحديا، ومن هنا فقد كان رفع أسعار الوقود أو الكهرباء، بالرغم من كونه جاء فى أعقاب موجات ارتفاع أسعار بسبب حرب أوكرانيا أو غزة.
من هنا تأتى أهمية الزيارة التى تقوم بها مدير صندوق النقد، حيث أعرب الرئيس السيسى عن تطلع مصر لاستكمال التعاون مع الصندوق خلال الفترة المقبلة، مع ضرورة مراعاة المتغيرات وحجم التحديات التى تعرضت لها مصر فى الفترة الأخيرة بسبب الأزمات الإقليمية والدولية، التى كان لها بالغ الأثر على الموارد الدولارية وإيرادات الموازنة، وشدد الرئيس ـ حسب تقرير محمد الجالى محرر الرئاسة بـ«اليوم السابع»ـ على أن أولوية الدولة هى تخفيف الضغوط والأعباء عن كاهل المواطنين، لا سيما من خلال مكافحة التضخم وارتفاع الأسعار مع استمرار جهود جذب الاستثمارات، وتمكين القطاع الخاص لزيادة معدلات التشغيل والنمو.
من جانبها، أعربت «چورچييفا» عن تقديرها البالغ لجهود مصر خلال المرحلة الأخيرة، والبرنامج الإصلاحى الذى يتم تنفيذه بعناية مع وضع الفئات الأكثر احتياجا فى مقدمة الأولويات، مؤكدة تفهمها لحجم التحديات التى تواجهها مصر فى ضوء المستجدات الإقليمية والدولية، منوهة إلى سعى الصندوق - بالشراكة مع الحكومة المصرية- للتوصل لأفضل مسارات الإصلاح التى تراعى جميع الأبعاد ذات الصلة.
وتقريبا نفس المعنى هو ما طرحته «جورجيفا» فى المؤتمر الصحفى مع رئيس الوزراءـ حسب التقرير الذى كتبته الزميلة هند مختار فى «اليوم السابع»ـ أعلن رئيس الوزراء أن المراجعة الرابعة لبرنامج الحكومة مع صندوق النقد الدولى ستبدأ غدا الثلاثاء، وتوقع أن يكون هناك مزيد من الشراكة الناجحة، مشيرا إلى أن رسالة مديرة صندوق النقد الدولى واضحة بأننا نتعامل مع عالم يشهد حالة من عدم اليقين والسرعة الشديدة فى وتيرة التغير.
قالت مدير صندوق النقد: إن مصر «التزمت بالإجراءات التى اتخذتها لنمو اقتصادها، ونظام مرن لسعر الصرف والتخلص من التراكمات، والتزمت بزيادة فرص العمل، خاصة للشباب، وزيادة دور القطاع الخاص»، وأشارت إلى أن مصر عززت من برامج الحماية الاجتماعية، وارتفع معدل النمو وانخفض التضخم، وأن مصر أصبحت أكثر أمانا فى عالم يتسم بالصدمات.
زيارة وتصريحات مديرة صندوق النقد تحمل بعض التفهم لظروف مصر وتحديات إقليمية ودولية كبيرة، لكن هذا الكلام يتنظر أن يتحول إلى سياق للتعامل حتى لا يضغط على معيشة المواطنين، خاصة الأغلبية التى تنظر بشك إلى الصندوق، ولا تتوقع قدرتها على تحمل المزيد من الإجراءات، وهو نفس ما يوجه به الرئيس، ووعدت بهد الحكومة خلال إعلان برنامجها بالسيطرة على التضخم والأسعار والبطالة.
مقال أكرم القصاص