منذ عام 2015 عندما اقترحت مصر على لسان رئيسها عبدالفتاح السيسى، ضرورة تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة، تكون درعا وسيفا، وتحفظ وتصون الأمن القومى العربى، وأن الأحداث على مدار عشر سنوات تثبت أن مصر كان لها بُعد نظر، وقدرة على قراءة الخرائط وتقديرات الموقف فيما يتعلق بالأوضاع فى المنطقة والمخاطر المحدقة بالوطن العربى من المحيط إلى الخليج.
الحقيقة، وعلى مدار السنوات العشر الماضية، أتذكر اقتراح مصر وأشاهد وأعايش الواقع، أتألم وأتحسر كمواطن مصرى عربى، وأنا أرى الوضع الإقليمى المشتعل، وتهديدات حقيقية تنال من الأمن القومى العربى برمته، ولا يوجد وطن عربى واحد بمنأى عن هذه المخاطر، ويزداد الألم والوجع إن الاقتراح لاقى قبولا واستحسانا كبيرا واتخذت حينها خطوات جدية لتشكيل هذه القوة من الدول العربية الفاعلة، ومن يختار الانضمام إليها طواعية. وفى 29 مارس 2015 قرر مجلس جامعة الدول العربية، الموافقة رسميا على الفكرة، وصدر قرار الموافقة رقم 628 وتقرر إعداد بروتوكول مكتوب، يتضمن 12 مادة، يحدد تعريفا كاملا لمهام القوة، وجاء فى المادة الثانية ما يلى:
- التدخل العسكرى السريع لمواجهة التحديات والتهديدات الإرهابية التى تشكل تهديدا مباشرا للأمن القومى العربى.
- المشاركة فى عمليات حفظ السلم والأمن فى الدول الأطراف، سواء لمنع نشوب النزاعات المسلحة، أو لتثبيت سريان وقف إطلاق النار واتفاقيات السلام، أو لمساعدة هذه الدول على استعادة وبناء وتجهيز قدراتها العسكرية والأمنية.
- المشاركة فى تأمين عمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين فى حالات الطوارئ الناجمة عن اندلاع نزاعات مسلحة، أو فى حالة وقوع كوارث طبيعية تستدعى ذلك، وحماية وتأمين خطوط المواصلات البحرية والبرية والجوية بغرض صيانة الأمن القومى العربى ومكافحة أعمال القرصنة والإرهاب، وعمليات البحث والإنقاذ، بجانب أية مهام أخرى يقررها مجلس الدفاع.
لكن ووفق كتالوج التاريخ، فإن الحلم العربى دائما ما يتحطم على صخرة الخلافات الصغيرة قبل الكبيرة، فى قراءة واستشراف المستقبل، فماتت الفكرة، ودُفنت تحت الثرى.
الرئيس عبدالفتاح السيسى - حينها - حذر من أن الجميع فى قلب دائرة الخطر، ولا توجد دولة واحدة بمنأى عن الوقوع فريسة فى دوامته، لذلك يستوجب أن تكون للعرب قوة عسكرية قادرة على الدفاع والردع، وتصون الأمن القومى العربى من مخاطر الأطماع، لكن للأسف ماتت الفكرة رغم جدية خطوات التنفيذ، وصدقت تحذيرات مصر، كالعادة، ورأينا ما نراه الآن، مخاطر تنذر بحرب إقليمية، قد يمتد سعيرها لحرب عالمية.
وربما يسأل سائل، ماذا كانت ستفعل القوة العربية المشتركة فى ظل النيران المشتعلة فى المنطقة الآن؟ والإجابة واضحة وسهلة، على الأقل ستكون رقما فاعلا وقويا فى معادلة القوة، وثقلا يعدل ميزان القوة فى المنطقة، إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن كل المقومات البشرية والاقتصادية والجيوسياسية، قادرة على نجاحها وتطوير قدراتها.
وأمام ما يحدث فى فلسطين وجنوب لبنان، وامتداد النيران حتى إيران، كان يُمكن للقوة العربية المشتركة، أن تلعب دورا بارزا فى الردع والقدرة والتأثير المباشر على صنع القرار، فهناك فارق بين جيش عربى موحد، ورمز إرادة أمة بأكملها، وبين جيش معبر عن إرادة دولة منفردة!
الحقيقة الواضحة دون لبس، أن مصر دائما المبادرة بالأفكار والأطروحات المتماهية مع الواقع، لتصب فى صالح الأمة، وتعظيم قدراتها وحفظ مقدراتها، وصيانة أمنها القومى ضد كل عابث أو طامع.
وفى النهاية ومن خلال الأحداث والوقائع الدامغة، فإننى أتذكر هذا الاقتراح، وأكتب عنه سنويا، دون كلل أو ملل، لإعلاء شأن الحقيقة، والتأكيد على أن التاريخ دائما ينحاز للحق والعدل، وينصف مصر، ويُعلى من شأن مواقفها، وصدق نصائحها، وقدرات قيادتها على استشراف المستقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة