كان فوز «دونالد ترامب» برئاسة جديدة للولايات المتحدة متوقعا، بالرغم من أن استطلاعات الرأى كالعادة لم تتوقع، وجاءت للمرة الثانية عكس ما تم بالفعل، فوز ترامب تحول كبير، وقصة تستحق التحليل، بل إنه ينسف الكثير من نظريات التوقع والتحليل للواقع الأمريكى وإن كان يسير مع تصور العقل والمنطق وينافى الكثير من الثوابت، سواء فى المرة الأولى أو الحالية.
وتذكر أننى فى مثل هذه الأيام قبل أربع سنوات، بعد إعلان فوز جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة، تحدثت يومها عن «سيناريوهات «كحيت ومنص» لأمريكا ومستقبل الكرة الأرضية»، وأشرت إلى قصة صديقى المصرى الأمريكى الذى صوّت لبايدن مبكرا وعاد فى إجازة، وبعد الانتخابات أراد التعبير مبكرا عن فرحته بفوز جو بايدن، فصرخ على فيسبوكه «مبروك لأحرار العالم تسقط العنصرية والصهيونية»، وبالرغم من أنه قال لى إنه صوت ضد ترامب بسبب ما اعتبره فشلا فى مواجهة كورونا، لكن هتافه لفت نظرى، وخلال الحرب على غزة، كنت أستعيد هتاف صديقى المصرى الأمريكى، بينما بايدن والولايات المتحدة يدعمان الإبادة والصهيونية والعنصرية وكل القيم المضادة لما يتم إعلانه فى «هوليوود».
يومها استدعيت ظاهرة «كحيت وابنه منص» اللذين كانا من ابتكار العبقرى الساخر الراحل أحمد رجب، وكان يقصد بكحيت هذا المواطن الذى ينشغل بأسعار البورصات العالمية، والبترول والماس والذهب، ويرفض طلب زوجته «أم منص» ليوفر لبيته كيلو سكر أو دجاجة، أو حتى يحاول القيام بعمله.
فى الانتخابات الأمريكية السابقة والأسبق تناولت أننا «أمام «كحيت» الديمقراطى، وزميله الجمهورى، ينخرطان فى عراك «فيسبوكى تويترى» حول الانتخابات، ويرسم كل منهما بعين خبير، وقلب ناشط، سيناريوهات المستقبل، لا فرق كبيرا بين ناشط درس وتعلم فى صفوف العلوم السياسية، وآخر بالكاد يمتلك عدة حسابات على مواقع التواصل، التى تساوى بين «خبراء كل حاجة» وزملائهم فى «الولا حاجة»، كلاهما يتحصن بحساب فيس بوك يمنحه عمقا ويقينا، مثلما فعل صديقى هاتفا مرة جمهورى وأخرى ديمقراطي، ناسيا ما سبق وأعلنه على صفحته بالفيس بوك، بل إن « الصديق» المصرى الأمريكى نفسه أعلن بعد شهور من اختياره بايدن أن مرشحه المفضل قبل شهور، فاشل فى الاقتصاد وأنه ربط أمريكا بحروب ودعم للفوضى.
وبالرغم من أن الصديق المصرى الأمريكى سبق له أن مارس السياسة فى مصر وخارجها وترشح فى انتخابات، ويمتلك خلفية سياسية وليس ساذجا، ويعرف طبعا أن إسرائيل من ثوابت الديمقراطيين والجمهوريين، وأن الاختلافات فى الدرجة وليس فى النوع، ومع هذا اعتبر فوز بايدن سقوطا للصهيونية والعنصرية، مثله «كحيت» هنا وهناك كانوا يريدون فوز هيلارى قبل 8 سنوات ولما خسرت وفاز ترامب أعلنوا حدادا وحزنا، ثم عادوا ليحتفلوا بفوز «جو بايدن»، قبل أن ينقلبوا ضده.
بالطبع هم يعرفون أن السياسة تقوم على المصالح، وأن المعلن منها أقل من الباطن، ومع هذا فقد خضع لتأثيرات المجموع، فى الانتخابات السابقة، حيث كان ترامب يخوض الانتخابات متضادا مع الكثير من عناصر القوة والنفوذ بالولايات المتحدة الإعلام ومواقع التواصل، والأجهزة «العميقة»، لدرجة أنه تم منعه من استخدام حسابات على فيس بوك وتويتر وباقى مواقع التواصل، فى أعقاب الانتخابات، وخاض الانتخابات متهما بالعديد من التهم.
والواقع أن فوز دونالد ترامب هو أحد العناصر التى تجعل التجربة الأمريكية تحمل الكثير من عناصر التشويق، بجانب تأثير الولايات المتحدة فى سياسات العالم شرقا وغربا، وأيضا لحجم الخيال الذى تثيره أفلام هوليوود حول القيم الأمريكية، التى لا يمكن التعرف عليها فى كل الأحوال، وتنهار فى غزو العراق أو إنتاج إرهاب ضمن صناعة غامضة، ومع هذا أرى ان « الانتخابات الأمريكية» مثل كرة القدم، مجال يحق لكل واحد على الكوكب أن يدلى برأيه فيه، ولهذا فإن عدد محللى السياسات الأمريكية أضعاف عدد سكان الاستديوهات التحليلية.
لقد كان «دونالد ترامب»، رئيسا من خارج الصندوق، يصعب توقعه، فهو الأكثر إثارة وتصادما وإطاحة بمساعديه، خلال رئاسته الأولى، فضلا عن أنه كان يقول علنا ما يفعله كل رئيس أمريكى من دون إعلان، فيما يتعلق بوجوه السياسة الأمريكية، فهو الذى تقارب مع كيم جونج اون رئيس كوريا الشمالية، وسهل عقد لقاء بين الكوريتين، كما أنه قدم خلال السباق الانتخابى وعودا بإنهاء الحرب فى غزة، أو أوكرانيا مثلما انتقد غزو العراق، واتهم أوباما وهيلارى بصناعة داعش.
كشفت الانتخابات عن انحيازات واضحة للصحف والمحطات، لم تنجح أغلب المنصات فى إخفائها، وكان واضحا أن أغلب وسائل الإعلام تقف فى صف الديمقراطيين وجو بايدن، فى مواجهة دونالد ترامب، الذى اعتمد على أدوات التواصل، وواجه الاتهامات باتهامات والوعود بوعود، وإن كان خسر قبل أربع سنوات، فقد عاد رئيسا للولايات المتحدة بوعود لإيقاف الحروب وإحلال السلام لا أحد يعرف حدود قدراته على تنفيذها، وبصرف النظر عن تأييد أو رفض، فإن السياسة الأمريكية يحكمها مدى القدرة على خفض الضرائب وتوفير فرص عمل ونمو اقتصادى، بينما تأتى السياسة الخارجية لتدور فى إطار المصالح والتوازنات والنفوذ.