رأى الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسى (الناتو)، ينس شتولتنبرج - فى مقال رأى نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، اليوم /السبت/، أن المخاوف التى تنتاب أوروبا تجاه الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، العائد إلى البيت الأبيض فى ولاية ثانية، تعتمد على قادتها أكثر مما تعتمد عليه.
وقال شتولتنبرج - الذى غادر منصبه مطلع أكتوبر الماضى بعد 10 سنوات قضاها أميناً عاماً للحلف، وسيُصبح رئيساً جديداً لمؤتمر ميونخ للأمن فى فبراير 2025 - إن قادة أوروبا إذا التزموا بما عليهم فى صفقة الناتو فستفعل الإدارة الأمريكية الشيء نفسه.
وبدأ شتولتنبرج مقاله قائلاً "إن الشعب الأمريكى قال كلمته ومن المقرر أن يعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض .. وأضاف أن عودته دفعت بالكثيرين إلى اليأس إزاء احتمال أن يتصرف بناءً على تهديدات سابقة بخفض الدعم الأمريكي، تاركاً أوروبا وحدها فى التصدى لتحدياتها الأمنية، وهذه ليست مخاوف لا أساس لها - فقد أثار خطاب حملة ترامب مخاوف مشروعة بشأن التزامه بالأمن الأوروبي، ولكن فى النهاية، ما إن كانت هذه المخاوف ستصبح حقيقة أم لا هو أمر "يعتمد علينا أكثر من ترامب نفسه".
وأضاف أنه حين تولى ترامب منصبه فى عام 2017، كان العديد من الساسة الأوروبيين قلقين أيضًا بشأن ما قد يعنيه انتخابه لمستقبل الشراكة عبر الأطلسي، وشعر ترامب أن الولايات المتحدة حصلت على صفقة سيئة، إذ كان يعتقد أن الحلفاء لا يبذلون قصارى جهدهم ونظر إلى الحلف فى البداية باعتباره عبئًا وليس ذخرًا، ورغم أنه قبِل فى النهاية المزايا التى لا يمكن إنكارها لوجود حلفاء، فقد كان محقًا: لقد سمحت أوروبا حقًا لقواتها بالضمور، وأصبحت العديد من الدول تعتمد اعتمادًا خطيرًا على الغاز الروسي، وستكلف هذه الهفوات الأوروبيين غاليًا فى وقت لاحق، على حد قول شتولتنبرج.
ولفت أمين عام الناتو السابق إلى أنه خلال فترة وجود ترامب فى البيت الأبيض، أقام الحلف معه علاقة عمل جيدة وموثوقة، مضيفاً "فى بعض الأحيان كانت لدينا اجتماعات عاصفة فى الناتو، لكننا أنجزنا الأمور"، "وعندما ترك ترامب منصبه، كان الناتو قد أصبح الناتو - وهو أقوى اليوم، وكما أظهرت استجابتنا الجماعية لحرب روسيا ضد أوكرانيا، فالناتو اليوم ليس شيئًا عفا عليه الزمن ولا ميتًا دماغيًا، وهذا جيد - لكنه ليس جيدًا بما فيه الكفاية".
وأشار إلى أنه فى حين أصبح الأوروبيون حلفاء أفضل، فقد تدهورت البيئة الأمنية بشكل كبير، ونتيجة لذلك، طرأ تغير آخر على خط الأساس المحدد لما يجب على الحليف الجيد فعله، ففى عام 2014، وافق حلفاء حلف الناتو على هدف تخصيص 2% من الناتج المحلى الإجمالى للإنفاق الدفاعى بحلول عام 2024، وقد حقق معظمهم هذا الهدف، لكن هدف عام 2014 ببساطة ليس كافيًا فى البيئة الأمنية لعام 2024 "فهو حدًا أدنى، وليس سقفًا".
واعتبر أن القادة الأوروبيين يعرفون أنهم بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد، وعودة ترامب إلى البيت الأبيض تعزز هذه الرسالة ليس إلا، وقال إن "أوروبا إذا أوفت بحصتها من الصفقة، فأنا على ثقة من أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستفى بحصتها".
وأشار إلى أن تشكك ترامب فى استراتيجية الناتو الحالية لدعم أوكرانيا قد ينطوى على شيء من الحقيقة أيضًا، فقد قدمت الولايات المتحدة وأوروبا لأوكرانيا دعمًا عسكريًا كبيرًا، لكنه فى نهاية المطاف غير كاف ــ يكفى للبقاء لكنه ليس كافيًا لإنهاء الحرب بشروط مواتية.
ورأى شتولتنبرج أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لا يزال يعتقد على ما يبدو أنه "يستطيع تحقيق أهدافه فى ساحة المعركة وينتظرنا فقط، معتمدًا على افتراض أن مجتمعاتنا سوف تتوانى"، مضيفًا أن "الاستسلام للمعتدى سيكون أسرع وسيلة لإنهاء الحرب، لكن هذا لن يعنى السلام ولن يوفر التكاليف".
وتابع "هذه هى المفارقة الأساسية: كلما زادت الأسلحة التى نقدمها، زادت احتمالات تحقيق السلام، وكلما كان دعمنا الطويل الأجل أكثر مصداقية، انتهت الحرب فى وقت أقرب، وكلما فعلنا أكثر الآن، قل ما سيكون علينا إنفاقه فى وقت لاحق".
ووفقاً له فقد لا يبدو هذا النهج متماشيًا مع تفكير ترامب، لكن الرئيس الأمريكى المنتخب دعا فى ولايته الأولى بالفعل إلى سياسة القوة، وهو الذى قرر أولاً تسليم الأسلحة الفتاكة إلى أوكرانيا، بما فى ذلك صواريخ جافلين المضادة للدبابات "التى أثبتت أنها حاسمة للغاية عندما غزت روسيا أوكرانيا".
وتابع "إذا كان ترامب يريد إنهاء هذه الحرب، كما وعد، فيجب أن يثبت لبوتين أن العدوان المستمر لا معنى له، وبوتين يدرك الضعف لكنه يحترم القوة، ويجب أن يكون الحلفاء الأوروبيون مستعدين لدعم استراتيجية كهذه، والعمل مع ترامب للتوصل إلى تسوية تفاوضية مقبولة لأوكرانيا ولا تكافئ العدوان".
وقال إنه بينما يجب أن يفهم ترامب أن استمرار التزام الولايات المتحدة بأوروبا للردع عن حرب مكلفة أخرى هو فى مصلحة أمريكا، يمكن لأوروبا أن تفعل المزيد لدعم الولايات المتحدة فى أماكن أخرى، وأوضح أن ترامب زعم على غرار الرؤساء السابقين بأن الولايات المتحدة يجب أن تركز على التحديات فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ، ويمكن للحلفاء الأوروبيين إثبات جدارتهم من خلال مساعدته فى القيام بذلك، على سبيل المثالبأن يعرضوا تعويض قدرات محددة قد تحتاجها الولايات المتحدة هناك.
ولفت شتولتنبرج إلى أن معظم الأمريكيين يقدرون الناتو، ورغم أنهم قد يختلفون حاليًا حول العديد من القضايا الأساسية، فإن التعاون عبر الأطلسى ليس واحدًا منها، ولا يزال الدعم والفخر بأقوى تحالف عسكرى شهده العالم على الإطلاق قويًا فى الطيف السياسي، مشددا على ضرورة أن "نؤدى دورنا لضمان عدم تغير هذا، لهذا نحتاج إلى الاستثمار أكثر فى الدفاع وتحمل المزيد من المسئولية".
وتابع قائلاً "بهذه الطريقة يمكننا تذكير الإدارة القادمة بأن العلاقة عبر الأطلسي، البعيدة عن أن تكون عبئًا، هى ذخر استراتيجى رئيسى فى عصر المنافسة بين القوى العظمى".
واختتم الأمين العام السابق لحلف الناتو مقاله قائلاً "لذلك لا ينبغى لنا أن نيأس بل أن نعمل. إن عودة ترامب تتحدانا لكى نتقدم ونثبت أننا شركاء حقيقيون لا منتفعون بالمجان".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة