بيشوى رمزى

وقف إطلاق النار فى لبنان.. نتنياهو والبحث عن معركة بديلة

الأحد، 01 ديسمبر 2024 11:36 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مما لا شك فيه أن وقف إطلاق النار في لبنان، خطوة إيجابية، قد تساهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي، إلا أن ثمة مخاوف حقيقية نوايا اليمين الإسرائيلي، والذي لا يرغب بأي حال من الأحوال في وضع الأمور على طريق الاستقرار، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والتي تسعى الدولة العبرية إلى تصفيتها منذ بداية العدوان على غزة، عندما استغلت الزخم الناجم عن طوفان الأقصى، لترتكب أحد أبشع الجرائم في تاريخها، ثم امتدت المعركة تدريجيا، نحو سوريا ولبنان، واليمن، مع حالة من الشد والجذب بين الحين والآخر مع إيران، مما وضع الإقليم على شفا حرب شاملة، قد تأكل الأخضر واليابس حال عدم قدرة المجتمع الدولي على احتوائها.

والملفت في هذا الإطار، هو ارتباط النهج الإسرائيلي القائم على تنويع جبهات الصراع، بفشل بنيامين نتنياهو وحكومته في تحقيق أهداف العدوان على غزة، تزامنا مع ارتفاع وتيرة الجرائم المرتكبة بالقطاع، من قتل تشريد وتجويع، مما أفقد الاحتلال التعاطف الدولي، فكان الخيار أمام اليمين المتطرف في تل أبيب هو توسيع نطاق العداء تدريجيا، حتى تظهر بصورة المدافع الوحيد عن العالم أمام من أسماهم رئيس وزراءها في العديد من خطاباته بـ"قوى الشر" المتعددة، بينما كان ظهور إيران القوي في المشهد من أجل إضفاء المزيد من التعقيدات وربما التبريرات للانتهاكات، من خلال تغيير الصورة النمطية للمواجهة، من مجرد معركة بين جيش نظامي يبدو متطورا من جانب، ومجموعة من الميليشيات، من جانب آخر، إلى حرب بين قوتين إقليميتين متصارعتين، بهدف إضفاء الشرعية على الانتهاكات في غزة، سواء الميدانية، من خلال الجرائم المذكورة سلفا، أو السياسية، عبر تقويض الشرعية الدولية وتصفية القضية.


ولعل المواجهة مع حزب الله في لبنان، كانت المسار الأنسب في رؤية الدولة العبرية، وذلك بالنظر إلى مواقفه المتماهية مع الفصائل الفلسطينية المتواجدة في غزة، بالإضافة إلى إدارك تل أبيب أن الساحة اللبنانية ستكون أولوية دولية على حساب غزة، مما يسمح لها بممارسة وحشيتها بقدر من الحرية في القطاع لتنفيذ خطتها، إلا أن امتداد نطاق المعركة لتتجاوز جنوب لبنان، بالإضافة إلى أمدها الزمني الطويل نسبيا، ساهم في تهديد نفوذ الغرب، وبالتالي تشكلت ضغوطا دولية كبيرة على نتنياهو وحكومته، للرضوخ إلى اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وهو ما سبق وأن تناولته في مقالي السابق، إلا أن ثمة خطوة ملفتة تثير القلق اتخذتها حكومة الاحتلال، قبل وقف إطلاق النار، ربما للتمهيد له، تتجسد في رسالة إلى مجلس الأمن حول ما تمثله ميليشيات في العراق من تهديد لها، وما قد يترتب على ذلك مما تعتبره "دفاعا عن النفس."


الاستباق الإسرائيلي لاتفاق وقف إطلاق النار، ربما يعكس محاولة، نحو إيجاد بديل، عبر فتح جبهة جديدة للمعركة، خاصة قبل تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، وهو ما يمثل محاولة جديدة لتسخين المنطقة مجددا، مع الاقتراب أكثر نحو الحدود مع إيران، وما قد يترتب عليه من استقطاب المزيد من التعاطف الدولي، خاصة بعد الاستجابة لمطالب الغرب بوقف إطلاق النار في لبنان، والتي تمثل أولوية للغرب، خاصة في أوروبا.


الخطاب الإسرائيلي لمجلس الأمن الدولي، يحمل في ذاته دلالات عدة، تحمل، في جزء منها، تعارضا ذاتيا بين تل أبيب ونفسها، في ظل موقفها المناوئ للأمم المتحدة ومؤسساتها، إلى حد استهداف أمينها العام أنطونيو جوتيريش باعتباره شخصا غير مرغوب فيه، بينما هاجمت المنظومة الأممية عدة مرات، وضربت بقراراتها عرض الحائط في مرات أخرى، ربما أبرزها قرار وقف إطلاق النار في غزة، والذي اتخذه مجلس الأمن خلال شهر رمضان الماضي، بينما يبقى توقيته متماهيا مع خطة لخلق معركة جديدة، بديلا للجبهة التي اضطرت الدولة العبرية إلى إغلاقها في لبنان تحت الضغوط الغربية، وبالأخص من دول الاتحاد الأوروبى.


بينما يحمل في الوقت نفسه محاولة لاستقطاب الرأي العام الدولي، خاصة بعد قرار وقف إطلاق النار في لبنان، لمباركة الضربة الموجهة للعراق، وبالتالي محاولة إعادة الأوضاع إلى نقطتها الساخنة مجددا، في إطار خلق أولويات دولية جديدة بعيدا عن غزة، حتى يتسنى لها مزيدا من الوقت لتحقيق أهدافها المرتبطة بالقضية الفلسطينية، وهو ما يمثل قدرا كبيرا من الخطورة على مستقبل المنطقة بأسرها.


الأمر نفسه ينطبق على الساحة السورية، والتي شهدت مستجدات متسارعة خلال الساعات الماضية، تساهم بصورة كبيرة في مزيد من الخلل للحالة الإقليمية، لا تخدم سوى مصالح إسرائيل وحكومتها المتطرف، من حيث تشتيت الانتباه عما تشهده غزة من انتهاكات، بينما تساهم في لحظة ما في اتخاذ إجراءات تحت ذريعة "الدفاع عن النفس"، وهو ما من شأنه فتح جبهة صراع جديدة، في إطار سياسة تنويع الخصوم، من أجل تقسيم الأولويات الدولية، والابتعاد عن التركيز على التطورات في القطاع المحاصر.


وهنا يمكننا القول بأن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، يحمل قدرا كبيرا من الإيجابية، ولكنه في اللحظة ذاتها ينم عن خطورة تكتيكية، عبر خلق ساحة جديدة للمعركة الإقليمية، قد تفتح الباب أمام حرب شاملة، وهو ما يحمل انعكاسات خطيرة، على القضية الفلسطينية، بينما يعكس في اللحظة نفسها رضوخا دوليا لرغبات تل أبيب، على حساب الاستقرار الإقليمي والدولي، في ضوء غياب إرادة دولية واضحة للانتصار إلى الشرعية الدولية.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة