- وزير الصحة الفلسطيني لـ"اليوم السابع": 90% من أطفال غزة يحرمون من الطعام والمياه الصالحة للشرب
ـ يعانون الصدمات النفسية وتوقف عنهم التطعيم
ويؤكد: "ينامون على انفجارات ويستيقظون على أشلاء أقاربهم"
- أطباء ومنظمات دولية: أطفال غزة يخضعون للبتر دون تخدير ويعانون المجاعة
عبر لوحاتهم الملونة، يصرخ الأطفال في مناطق الصراع صرخات مكتومة، تحكى لنا قصصًا مؤلمة عن حرب تواجهها البراءة دون حول ولا قوة منهم، بدلا من رسم بيت صغير وأشجار خضراء وأب وأم يمسكون بيد ابنهم الصغير، أصبح الطفل يرسم أشلاء وقذائف ودمار، لا أحد يعانى مثل جيل من أطفال شهدوا الحرب، لذلك يكشف اليوم السابع في سلسلة "لوحات الألم.. الحرب في عيون الأطفال" هذه المعاناة التي يعيشها ملايين الأطفال حول العالم بفلسطين والسودان وبلدان أخرى، حيث ترصد الحلقة الأولى معاناة كل طفل في غزة يحمل في عينيه قصة حرب، وفي يده فرشاة ترسم مأساة، قصصهم بمثابة صرخة مدوية تهز العالم، صرخة تفضح الظلم وتكشف عن وحشية الحرب التي لا تميز بين كبير وصغير، هؤلاء الأطفال ليسوا مجرد أرقامًا في إحصائية، بل هم قصص إنسانية يجب أن تكتب فى قلب التاريخ ولا يمكن تجاهلها أبدا.
لوحة "الناجى الوحيد"
طفل صغير بالكاد انتهى من مرحلته الابتدائية، طلبوا منه أن يرسم لوحة، فرسم عائلته، لم يرسم أشخاصا، بل رسم قبورا ثلاثة، حولها دماء اللون الأحمر يطغى على كل شىء اللطخات فى كل مكان، يمتلىء رأسه بالأفكار يتساءل "كيف سأعيش وحيدا"، أبيه وأمه ماتوا حتى أخيه غادر، كلهم تحت الانقاض، وهو مازال يقف هنا ولكنه خائف وحزين، وجملة واحدة تتردد فى رأسه "أنا الناجى الوحيد"، لا يعلم كيف يحمى نفسه، من سيطعمه وأين سيعيش، شملت رسمته على كل ذلك واعتلى المشهد بغزة يتساقط منها قطرات الدماء، هذا الطفل هو عمر الحصري طفل فى الثانية عشر، مأساة الحرب قتلت براءته حولته لكهل قبل الأوان.
غزة تنزف
بين الأشلاء.. قلب يدعو
ليس هو الوحيد بل هو واحد بين آخرين، مات ثلاثة من أسرته بينما مات 70 شخص من عائلة دارين .. دارين البياع عندما طلبوا منها أن ترسم أقوى ذكرى لديها رسمت طائرة تقصف وأشلاء فى كل مكان وأشخاص يصرخون ويرفعون أيديهم بالدعاء بينما يحاول المسعفون تقديم المساعدة.
تبلغ دارين 13 عاما، تعرض منزل عائلتها للقذف وتم نقلها لمستشفى شهداء الأقصى فاقدة للوعى، حيث عادت لوعيها بعد 15 يوما وأول ما سمعته هو حديث الممرضات عنها وهم يأسفون لموت عائلتها، وعندما سألت "هل تتحدثون عنى انكروا في البداية ثم واجهوها بالحقيقة التي لم استطع استيعابها وقالت لهم: "أريد أن أكون معهم".
تقول دارين بالنص الملحق بلوحتها: "هذه اللوحة ترسم مشهدًا من المشاهد التي لا تزال حية في ذاكرتي عندما كنت مصابة في غزة كنت أجلس في ساحة المستشفى اشاهد سيارة الإسعاف والمسعفين وهم يحملون جثامين الشهداء والمصابين. . كنت أبكي وأحزن كثيرا عندما أرى الدماء والشهداء وأحباءهم من حولهم وهم يصرخون من الألم ويرفعون أصواتهم بالدعاء."
بين الأشلاء قلب يدعو
وجوه بريئة تحت سماء قاسية
تعددت القصص والألم واحد الألم الذى جعل ألما عز الدين ابنة الـ10 سنوات من مخيم النصيرات في غزة، ترسم لحظة قصف الاحتلال لمنزلها الذى أودى بحياة 18 شخص من عائلتها، بالطبع لم ترسم كل هؤلاء القتلى.. رسمت نفسها واختها واخيها والمنزل خلفهم تمطر السماء بالصواريخ التى تسقط عليهم، ولكن يتجه الصاروخ فوق رأسها بعيدا حيث قدمها التى بترت.
وجوه بريئة تحت سماء قاسية
نبتة أمل بين الدمار
عبر محمد أبو حامد البالغ من العمر 14 عاما عن وطنه برسمه البسيط لخريطة فلسطين باللون الأسود، الذى يعبر عن واقع الخراب والدمار والبيوت المهدمة التي تروي قصص المعاناة، ومع ذلك، ينبت من بين هذا الدمار غصن زيتون أخضر يرمز للأمل المتجدد، واللوحة ملطخة باللون الأحمر، الذي يرمز إلى دماء الشهداء، التي تروي الأرض.
بنتة أمل وسط الدمار
صلاة طفلة من أجل القدس
أما صبا محمد ابو العلا، فهى أصغر فنانة بين غيرها من الأطفال، تبلغ من العمر 8 سنوات، وهى طفلة من أطفال غزه الذين لطالما حرموا من حقهم في عيش طفولة طبيعية كباقي أطفال العالم.
تصف لوحتها بأنها عن الأمل المتقد في قلبها تجاه وطن ينتشر فيه السلام، يهزم الاحتلال وتصلي في المسجد الأقصى في القدس.
صلاة طفلة من أجل الأقصى
فلسطين.. حلم لا يموت
ومن صبا لديما أحمد حماد، طفلة الـ 9 أعوام، التي قالت في نص ملحق بلوحتها، "أحب الرسم، عشقته منذ نعومة اظافري، وآمل أن أصبح معلمة يوما ما، لقد كنت أرسم على أبواب منزلنا في غزة، تروى هذه اللوحة قصة فلسطين تلك الأرض ذات الجمال الفريد التي تشمل على أديان مختلفة وشجر الزيتون والشعب الجسور يجابه الصعاب بكل ثبات ضد ظلام الاحتلال."
فلسطين لن تموت
تحت سماء القصف
لوحة هدى محمد البحيصي، التي تبلغ 12 عاما، كانت مختلفة تماما، لأنها وصفت المشهد بطريقة مجسدة، لم تكن رسما بريشة أو قلم رصاص ولكنها كانت عمل فنى يعبر عن معاناة العائلات التى اضطرت لترك منازلها فى غزة، ويظهر قوتها فى مواجهة الظروف الصعبة.
ترمز الطائرة الحربية فى هذا العمل لطائرات العدو، لتعكس الخوف المستمر والقلق الدائم الذى يخيم على أهل غزة، نتيجة القصف الذى يهدم بيوتهم ويدفعهم للرحيل عائلات بأكملها، أما الخيام فتتحدث عن الأماكن المؤقتة التى تسعى تلك العائلات للاحتماء بها وهى تبحث عن أمان مفقود بعدما دمرت منازلها، والعربة البسيطة ترمز للطريقة التى ينتقل بها النازحون بسبب نقص الوقود، ما يجسد إصرارهم على المضى قدما رغم كل التحديات.
تحت سماء القصف
الأوضاع الحالية لأطفال فلسطين.. صدمات نفسية ومجاعة وجراحات بدون تخدير
يحدثنا دكتور ماجد أبو رمضان، وزير الصحة الفلسطينى، عن وضع الأطفال في غزة في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، واصفا الوضع بـ"المأساوى"، مستشهدا "معظم الأطفال في غزة، أكثر من 90% يعانون من المجاعة ومشاكل نقص المياه الصالحة للشرب ومن مشاكل توفر الغذاء وهذا ناهيك عن توقف نظام التأمين الصحى".
وعبر عن قلقة بشأن أول ظهور منذ أربعين عام لحالة شلل الأطفال في قطاع غزة، والذى قد يرجع لتوقف التطعيم ووصول الفيروس مع جنود الاحتلال، وهذا بالإضافة إلى الوضع المأساوى للحالة النفسية.
وزير الصحة الفلسطينى
وقال وزير الصحة الفلسطيني متأثرا، "تخيل أن هناك أطفال ينامون ويستيقظون على الانفجارات اليومية، وعلى الأشلاء حولهم، على فقدان آباءهم وأمهاتهم وأقرانهم وفى اللعب أخواتهم وأقاربهم، هذه المناظر يكفى أن تشاهدها مرة واحدة في العمر لتبقى في ذهن الطفل ربما لطوال عمره".
وتابع، "تخيل أن ذلك يحدث يوميا وعدة مرات ويشاهدوه بصورة حية مباشرة وليس فقط عبر شاشات التلفزيون لأن الكهرباء والتلفزيون غير موجود أساسا لمدة سنة، ولكنهم يشاهدونه يوميا بأنفسهم وهذا بالتأكيد يؤثر على حياتهم اليومية والنفسية لسنوات عديدة ولعدة عقود".
اختتم وزير الصحة الفلسطيني كلماته بأنهم يحاولون حماية الأطفال بكل ما لديهم وذلك عبر حملة للتطعيم للوقاية من خطر شلل الأطفال والقضاء عليه مرة ثانية ولكن لازال الطريق طويلا، مشددا أنه يجب أولا وقف العدوان والقتل الممنهج وتدمير المؤسسات الصحية وإعطاء الأطفال الفرصة اللازمة لنيل ما يحتاجون له من غذاء ودواء ورعاية صحية والتطعيم وأيضا التعليم.
لوحات الألم
ومن جانبه قال د. نيل نيجهاوان، استشاريًا مدربًا في المملكة المتحدة في الطب التلطيفي، "واجهت العديد من حالات الأطفال المصابين خلال الحرب ولديهم جروح بالغة بالأذرع أو الأرجل المعرضة، وبالتالي تحتاج إلى بتر بدون وجود تخدير أو عقاقير للتخفيف من الألم".
وأضاف نيجهاوان، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن هذا ينتج عنه إحساس مزمن بالألم، وبالتالي نركز على التخفيف من الألم لهؤلاء الضحايا لأنه في حال خففنا من ذلك على الأطفال، سيتمكنون من الحياة بشكل أفضل.
فيما كشف الدكتور فرانسيسكو برانكا، مدير إدارة التغذية وسلامة الأغذية بمنظمة الصحة العالمية، "أنه فى هذه اللحظة لدينا 190 مليون شخص يعانون من نقص الطعام، خاصة في غزة وجنوب السودان ومالى، وفي غزة بمفردها لدينا 1.8 مليون شخص يواجه انعدام فى الأمن الغذائي وأكثر من 130 ألف شخص في وضع كارثى يصل للمجاعة."
وأضاف برانكا، أن وضع خريطة للأزمة هي الخطوة الأولى لحل المشكلة ولكن الخطوات الأخرى تعتمد على رد الفعل من جانب المنظمات الدولية المعنية مثل صندوق الطعام العالمى ومنظمة الصحة العالمية خاصة للتعامل مع المشكلات المتعلقة بسوء التغذية في الأطفال والحالات الصعبة التي تحتاج لتدخل سريع، على أن يسمح أطراف الصراع بهذه المساعدات وهذا غير متاح في بعض الحالات، وهناك صعوبة للوصول إلى المواطنين في غزة مما ينتج عنه سوء الأوضاع.