كان آخر شعراء الصعاليك، عشق الحرية، نادى من أجلها واعتقل بسببها، عرف بالفاجومى، وعاش حياة البسطاء حد الفوضى والتشرد فيظل مجذوبا، لكنه ثبت على مواقفه المعارضة طوال حياته، هكذا كان الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، والذى تحل اليوم ذكرى رحيله الـ11، حيث رحل عن عالمنا فى 3 ديسمبر عام 2013، عن عمر 84 عاما، تاركاً خلفه إرثًا شعريًا جعله أحد أهم شعراء العامية فى مصر وأحد ثوار الكلمة واسم بارز فى الفن والشعر العربى.
لم يكن لقب شاعر الصعاليك مجرد لقب فعاش "أبو النجوم" حيات الصعاليك منذ البداية، فبحسب كتاب "شخصيات لها العجب.. ذكريات.. تراجم.. دراسات.. ووثائق" للكاتب الصحفى الكبير صلاح عيسى، فؤاد نجم دخل الملجأ يتيما وفقيرا وخرج منه مندفعا إلى الحياة فعاش حياة الصعاليك الذين كانوا يزحمون أرض الوطن، يلتقط رزقه من بين أنياب الوحوش فى بلد محتل ومستذل.
قصيدة تسببت فى عدائه مع أم كلثوم
وفى واقعة شهيرة مع كوكب الشرق أم كلثوم، حيث أشيع عدائه مع السيدة أم كلثوم، بسبب قصيدة "كلب الست"، التى كتبها حسب رواية البعض هجاء فى أم كلثوم بسبب كلبها الذى عض أحد المواطنين ويدعى إسماعيل، فتم القبض على إسماعيل والإفراج عن الكلب، وفقًا لقصيدة نجم.
لكن فى إحدى اللقاءات التليفزيونية، عندما تم سؤاله عن الواقعة فقال الفاجومى "إنه يعشق أم كلثوم ولا يوجد رجل فى مصر لا يحبها، وأنه كان يتمنى أن يكتب لها أغنية، مشيرًا إلى أن ثقافته الموسيقية تلقاها من أم كلثوم نفسها، وأحب وكرّه على أغانيها، ككل المصريين، وأن ما أغضبه فى قصة "كلب الست"، هو قرار الإفرج عن الكلب، مشيرًا إلى أنه كان يعرف المحقق بشكل شخصى حيث حقق معه سابقًا فى قضايا سياسية، فكتب نجم قصيدته "كلب الست" بعد أن جلس مع إسماعيل الذى وصفه بـ"أغلب خلق الله"، عقب أن زاره فى بيته".
العندليب عرفه فى الملجأ ورفض الغناء من كلماته
إقامة أحمد فؤاد نجم فى ملجأ عبد العزيز رضوان كانت سببًا فى أن يلتقى بعبد الحليم شبانة ويكبرا سويًا، وهو الذى أصبح مع مرور الزمن عبد الحليم حافظ، واحد من أشهر المطربين فى تاريخ الوطن العربي، وكان العندليب يذهب إلى ملجأ عبد العزيز رضوان، بسبب أنه كان المكان الوحيد فى الزقازيق حينها الذى يعلم الغناء ويضم آلات موسيقية، إذ هوى عبد الحليم حافظ الغناء منذ صغره، ليتردد على الملجأ الذى كان محل إقامة "الفاجومي" أحمد فؤاد نجم.
ويروى نجم تفاصيل نشأته مع عبد الحليم حافظ فى حوار قديم أجراه، قائلًا: "بخجل من نفسى جدًا لما بتذكر إنى كنت برتكب حماقة شديدة جدًا بإنى بقف أغنى مع عبد الحليم"، وأضاف: "كنت بغنى قصاده، وبنافسه وبنبقى إحنا الاتنين رأس براس، ماتفهمش جرأة الجاهل دى كنت جايبها إزاى"، متابعًا: "خصوصًا وهو صغير كان صوته جميل جدًا وقريب من صوت المطربة فيروز، أجمل حتى من صوته وهو كبير"، وفسر نجم سبب خروج عبد الحليم حافظ من الملجأ قائلًا: "وقع من فوق الملجأ لأنه كان شيطانا وهو صغير، ضهره اتكسر واتنقل للمستشفى، وبعدها انتقل إلى القاهرة ودخله أخوه المعهد الموسيقي".
وبحسب كتاب "عبد الحليم حافظ.. العندليب الأسمر" للكاتب بيجاد سلامة، فإن "حليم" كان يرفض العمل مع اليسار المصرى، وتجلى رفضه لعمل كل من أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، ومزق سيناريو فيلم "وتمضى الأيام" الذى كتب له السيناريو يوسف شاهين، لمجرد أن قام الأخير بإضافة شخصيتين هما أصدقاء البطل ولهما تأثير كبير عليه أحدهما شاعر شعبى اسمه أحمد فؤاد نجم والآخر مغنى أعمى اسمه الشيخ إمام، وانطلق حينها "حليم" يمزق السيناريو قائلا "جايبلى –يقصد يوسف شاهين- اثنين شيوعيين يعلمونى الوطنية".
تعاون مع السندريلا
قدم أحمد فؤاد نجم، أغنية "دولا مين ودولا مين" لحنها كمال الطويل وقدمتها الراحلة سعاد حسنى، حيث ذهبت السندريلا عام 1973 إلى الإذاعي وجدي الحكيم وأسمعته الكلمات التي كتبها الشاعر أحمد فؤاد نجم ولحنها الموسيقار كمال الطويل، وكان السبب في ذهاب سعاد بنفسها هو خوف أحمد نجم من عدم قبول الأغنية في الإذاعة، وقال لوجدي حينها "أنا أرسلت سعاد حسني لأنني لو حضرت سوف ترفض الكلمات، لأنك لا تحبني"، فقال له وجدي الحكيم: "لا أنا بحب الجميع"، وسجلت سعاد حسني الأغنية التي تعتبر من أنجح الأغاني المرتبطة بنصر أكتوبر.
سب وقذف سيد حجاب
أثار حكم المحكمة فى دعوى السب والقذف التى رفعها الشاعر الكبير "سيد حجاب" ضد الشاعر "أحمد فؤاد نجم" وحصول الأول على حكم بحبس الثانى ستة أشهر، مع تغريمه خمسمائة جنيه، وتعويض عشرة آلاف وواحد جنيه، العديد من ردود الفعل الغاضبة من قبل كبار الكتاب والمثقفين الذين عبروا عن أسفهم لوصول الأمر بين شاعرين كبيرين إلى ساحات المحاكم.
الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة عبر عن انزعاجه الشديد وقتها لما يحدث وقال: "مينفعش هما الاتنين يدخلوا محكمة قصاد بعض، دول أهم قامتين شعريتين فى مصر"، ووجه لهما رسالة قائلاً: "لا يصح منا ونحن كبار أن نجرجر بعضنا إلى المحاكم".
الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم قال أثناء جلسات الصلح مع الراحل "حجاب": "يتقطع لسانى لو أهنت سيد، أقدر سيد حجاب وشعره قديم ومعروف، حيث كنت أجلس إلى جوار الشيخ إمام وهو يلحن لسيد حجاب أغنية حطة يا بطة، التى كانت علامة من علامات الغناء السياسى فى السبعينات".. مع هذه الكلمات ذابت الخلافات بين الشاعرين للأبد.
كراهية الأبنودى
قال نجم إنه لا يوجد عداء بينه وبين الشاعر عبد الرحمن الأبنودى، وأن الأبنودى هو الذى يكرهه وهاجمه هو والشيخ إمام بدون سبب، وإنه لا يحقد على الأبنودى لتمكنه من تكوين ثروة، مشيرا إلى أنه إذا كان يرغب فى تكوين ثروة كان سيفعل ذلك، ووصف نجم، النظام السابق بأنه حرامى كان يسرق الناس على العلن ولا يخجل مما يفعله، بينما ذكر المقربون من الأبنودى أنه لا يهوى الحديث عمن يحبهم لذا لا يتحدث عن أحمد فؤاد نجم فى أحاديثه وحواراته، وعن كرهه للشاعر أحمد فؤاد نجم قال: "فؤاد نجم بدأ حياته بالهجوم على، وكل ما أقوله أننى أرجو أن يبقى منه ما سيبقى منى بعد رحيلى".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة