ندرك سويًا أن معرفتنا الصحيحة، والمتعمقة، وتمكننا الرقمي، واتجاهاتنا الإيجابية نحو البيئة الافتراضية، فإن ذلك يعد من العوامل الرئيسة التي تسهم قطعًا في إنجاز ما نؤديه من مهام في أي مجال من المجالات، أو تخصص من التخصصات، وإذا ما فقدنا أحد تلك الأركان فإننا يصعب علينا تحقيق مبتغانا، وهنا ينبغي أن نعي أهمية إتقان ما نعمل كي نصل للهدف المنشود، كما يتوجب علينا أن نفقه ضرورة تجنب العزلة عن عالمنا الافتراضي قاطبة.
إن منظور التربية الرقمية نحو صورة المواطن الصالح، وما ينبغي أن يتحلى به من صفات لا ينفك عن احترامه الكامل للثقافات، والمجتمعات المتباينة عبر البيئة الافتراضية، ومن ثم نجده يحترم الخصوصية، وحرية التعبير عبر العالم الرقمي، وهنا ننوه بأن الحرية يتوجب أن تكون مسئولية، ولا تضير بمصالح الأوطان، ولا تحدث نوعًا في الفرقة، والشقاق ،ولا تؤدي إلى طرائق الفتن، ولا تحض على الهدم، أو العنف، أو الكراهية بأي شكل من الأشكال.
وتؤكد التربية الرقمية على الإيجابية التي ينبغي أن تكون مقوماتها متوافرة لدى المواطن الرقمي، بل وتصبح سمة من سماته؛ حيث إنها تحثه على أن يتواصل بفعالية مع الآخرين عبر الوسائل التكنولوجية المختلفة، سواءً من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، أم المنصات الرقمية، أم المواقع التفاعلية، أم على إحدى أدوات الذكاء الاصطناعي، وتطبيقاته المتعددة، وهنا نشير إلى أنه لابد أن يكون التواصل مرنًا.
ويعد احترام الملكية الفكرية إحدى الصفات المهمة التي يتطلب أن تتوافر في المواطن الرقمي، وهنا يجب أن تحثه التربية الرقمية على أن يتعامل مع المستخدم الآمن، والقانوني، ولا ينبغي أن يحاول بأية طريقة أن يعتدي، أو يأخذ، أو يتناول، أو يوظف، أو يستخدم المحتوى دون تصريح بذلك، وأن يوثق دومًا مصادره، وهذا ما يجعله مسئولاً عما يحتفظ به من معلومات، وما يمارسه من أداءات عبر التقنيات الرقمية، ووسائلها المختلفة.
ومن الصفات الرئيسة التي ينبغي أن يتحلى بها المواطن الرقمي من منظور التربية الرقمية أن يمتلك المقدرة على أن يحمى نفسه، وغيره من المعتقدات التي تتعارض مع قيم مجتمعه، والمنتشرة عبر البيئة الافتراضية؛ حيث إن امتلاكه للوعي الصحيح يساعده في العمل على دحر تلك المعتقدات، وهذا يؤكد دومًا ضرورة التمسك بالنسق القيمي الذي يعزز الوعي بأنماطه، ومستوياته المختلفة.
وتعضد التربية الرقمية ماهية قيم المواطنة الرقمية لدى المواطن؛ لتحدث ما نسميه بالاتصاف القيمي، والذي نرصده من سلوكياته المختلفة على مدار الساعة؛ إذ ندرك أن المواطنة تتطلب في مكنونها المشاركة المجتمعية، سواءً أكانت محلية، أم إقليمية، أم وطنية، أم اجتماعية، أم سياسية، وهنا يتوجب على المواطنة الرقميّة أن تحث المواطن الرقمي على المشاركة في المجتمع؛ لتشكل قيم المجتمع المستهدفة في ذهنه.
وفي السياق ذاته نرى أن من صفات المواطن الرقمي أن يكون قادرا على توظيف التكنولوجيا بغرض المشاركة في الأنشطة المختلفة الحياتية، أو المهنية، أو العلمية منها، وأن يكون لديه الخبرة التي تمكنه من استخدام تكنولوجيا المعلومات، والاتصالات بسهولة، ويسر، ولا ينفك ذلك عن مقدرته على توظيف التكنولوجيا؛ للمشاركة في الأنشطة التعليمية، والثقافية ،والاقتصادية.
وهناك العديد من المواقف التي يُظْهِرُ المواطن الرقمي من خلالها سلوكًا أخلاقيًّا عند استخدامه للتكنولوجيا؛ ومن ثم نلاحظه يقف ضد التنمر، أو التسلط عبر الإنترنت، وفي ظل فلسفة التربية الرقمية يجب أن يمتلك المواطن الرقمي المقدرة على فرز الغث من الثمين؛ حيث يتجنب أخذ كل ما يلقاه في العالم الافتراضي على أنه مسلمات يسلم بها، ويعمل في ضوئها، ولكن بوصفها فروضا قابلة للتفكر، والتدبر، والقبول، والرفض.
ومن ثم تعمل التربية الرقمية من خلال أنشطتها المقصودة، وما تشمله من أطر متابعة، وإرشاد، واستراتيجيات تستهدف إكساب المواطن الرقمي الخبرات التقنية الاحترافية، وتصبغها بمبادئ أخلاقية حميدة تجعل المواطن الرقمي مقبولًا في ميدان عمله، أو تخصصه، أو بين مجتمعه الرقمي، والواقعي.
وبالتالي نجد صفات المواطن الرقمي من منظور التربية الرقمية تشمل في طياتها مقدرة الفرد على امتلاك مهارات إدارة الوقت؛ حيث يدير الوقت الذي يقضيه في استخدام التقنيات الرقميّة بكفاءة، ويحقق النتائج، أو الثمار المنشودة، ويتأتى ذلك من الشعور بالمسؤولية، وأود الإشارة إلى أن المواطن الرقمي يجب أن يعي أسس الحوار، وآدابه؛ ليتمكن من التواصل الفعال، ويؤثر بمكنون ثقافته على الآخرين.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.