أكرم القصاص

داعش ليس مصادفة.. التغيير بالغزو والعربات المفخخة

الخميس، 05 ديسمبر 2024 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

على مدى أربعة عقود، لم تتوقف التفاعلات فى المنطقة والحروب والصراعات وإن توقفت عادت لتشتعل، وظهرت مصطلحات تتضمن ما يسمى بالفوضى الخلاقة، التى أطلقتها كونداليزا رايس مع جورج بوش الابن، وباقى فريق اليمين الأمريكى، بدرجات متنوعة، ولم تكد تنتهى فوضى الغزو، حتى بدأت فوضى من نوع جديد، ظاهرها التغيير ونشر الحرية، وباطنها إنتاج الإرهاب وتفكيك الدول وزراعة الصراعات.

لذلك لم يكن غريبا أن تكون بعض الأصوات المتصدرة للتغيير من المتمولين ورافعى رايات الفوضى والصراع، باعتبارها طريقا للتغيير، بينما الواقع أن كل الدول التى دخلت فى هذا الطريق لم ترجع، وحتى يمكن تفهم بعض الآراء التى تعتبر عودة ظهور القاعدة أو داعش إلى سوريا مجرد مصادفة أو نتائج لتفاعلات، بينما تبدو جزءا من سياقات سابقة تواصلت طوال أكثر من عقد، حيث  شهدت بعض الدول العربية صراعات أخرجتها من الاستقرار، وفتحت الباب لتدخلات انعكست بالسلب على الإقليم بأشكال ودرجات متفاوتة، كان ظهور تنظيم داعش إحدى أخطر نتائج الفوضى، حيث حاول التنظيم انتزاع أجزاء من سوريا والعراق لإقامة خلافة وهمية، مع بؤر داعش فى ليبيا وبعض مناطق أفريقيا، وبالرغم مما واجهه بعد 2016 من هزائم، فقد ظل مع باقى التنظيمات جاهزا للعب أى دور ضمن حروب النفوذ والفوضى بالوكالة.

يرجع بعض المحللين هذا إلى تاريخ 11 سبتمبر 2001، والهجمات التى نفذها تنظيم القاعدة بدأت سلسلة من الغزوات، وبناء عليها أعلن جورج دبليو بوش الحرب على الإرهاب طوال فترتى رئاسة، غزا أفغانستان ثم العراق، وأعلن بوش أن الهدف مطاردة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، ثم أعلن أن الهدف هو نشر الديمقراطية فى أفغانستان والعراق، وللمفارقة أنه بعد 23 عاما على إعلان الحرب، لم تخط أفغانستان والعراق أى خطوة تجاه الديمقراطية، بل واجها ارتدادا إلى الخلف، وظهرت التنظيمات الإرهابية واتسعت وتشعبت، وظهر داعش ومن قبله النصرة والقاعدة وتوالدت عشرات التنظيمات، التى وجدت رعاة وأموالا وسيارات رباعية الدفع ورايات سوداء، وتداخلت حروب الإرهاب لصالح دول وأجهزة، وتجار سلاح ونفط مسروق.


المفارقة أن أكبر تجلٍ لداعش وأخواته كان متزامنا مع إعلانات تغيير وتحركات شعبية، تراجعت وأفسحت المجال للتنظيمات التى بدا أنها الرابح الأول من الدعم الأمريكى، تم إسقاط الدولة فى ليبيا بتدخل مباشر من قوات حلف الناتو، ودعم باراك أوباما حروبا بمزاعم نشر الديمقراطية ومواجهة الطغيان، صبت كلها لصالح ميليشيات وتنظيمات مسلحة اتسعت ووصلت إلى أن أعلنت إقامة خلافة مزعومة فى الشام والعراق ثم لبيبا، وبناء عليه، فقد دخلت الدول فى صراعات وفوضى التهمت ثرواتها وأطاحت بأى استقرار، ووضعت السلطة فى أيدى ميليشيات وتنظيمات لا تزال ترفض أى مسارات سياسية، وتحرص على إبقاء الفوضى كوسط مناسب لنمو الإرهاب والفساد والطغيان.


وحتى 2016 كان داعش يصعد ويمارس تحركاته بدعم من دول إقليمية وممولين، وتضاعف واتخذ أشكالا جديدة، أما الديمقراطية التى بشر بها جورج بوش ومن بعده أوباما، فقد راحت أدراج الرياح، واتضح أن بوش اتخذ قرار احتلال العراق وإسقاط النظام وتفكيك المؤسسات بناء على معلومات قدمتها المعارضة العراقية، خاصة المؤتمر الوطنى المعارض، بقيادة أحمد الجلبى، الذى أقنع بوش والمخابرات الأمريكية بأنه صاحب شعبية كاسحة، وحصل على 100 مليون دولار من «سى آى إيه»، ومليون دولار أخرى من البنتاجون، ومع هذا، فقد وصفت نيويورك تايمز عام 2015 الجلبى بأنه تجسيد لكل الإخفاقات والمصائب والكذب، وأنه وزملاءه كانوا عملاء الـ«سى آى إيه»، يحظون باحتقار بالداخل والخارج، لأنهم ساعدوا فى غزو بلادهم بأدلة مزورة.


بعد غزو العراق، فوجىء بول بريمر، أول حاكم عسكرى للعراق، بالجلبى والمعارضة يطلبون نزول العراق فوق الدبابات الأمريكية، وهو ما بدا صادما، وعندما طلب منهم بريمر أن يقدموا تصورهم للحكم والديمقراطية، طلبوا حل المؤسسات الأمنية والسياسية، وعندما بدأت العملية السياسية حصل الجلبى وحزبه على 3 مقاعد فقط.


تجربة الغزو تكررت مع باراك أوباما فى ليبيا مباشرة، حيث تدخل حلف الناتو لإسقاط القذافى، تاركا ليبيا فى فوضى الميليشيات، واختفت المعارضة المزعومة، وتكرر الأمر جزئيا فى سوريا، حيث تم تقديم السلاح لمعارضة اختفت وحلت مكانها تنظيمات إرهابية مثل داعش والنصرة، وأثبتت التجارب المتكررة أن المنشقين ومعارضى المؤتمرات بالخارج هم مجرد تجار حرب يسهلون الغزو، ويعجزون عن إقامة الديمقراطية التى يبشرون بها أمام الغزاة.


فشلت محاولات «المقرطة» بالغزو فى أفغانستان والعراق وسوريا، وتوسع الإرهاب وتدهورت الأحوال السياسية والاجتماعية، ولم يثبت نجاح أى تجربة ديمقراطية تتم بناء على أنقاض الدولة وبمجهود عملاء ومغتربين ومتمولين، لكنها أسفرت عن مزيد من الإرهاب والتناحر، وأكدت أن وجود أى نوع من الميليشيات خارج الدولة خطر ينتهى بالإرهاب والفوضى، وأن إسقاط النواة الصلبة للدولة يدخلها فى فوضى يصعب إصلاحها أو اتخاذ مسارات سياسية.


ونقول هذا بمناسبة جدل عاد للواجهة من بعض المحللين، الذين يراهنون على نتائج مختلفة، من تكرار لنفس الخطوات بالغزو أو السيارات المفخخة.


 

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة