إن الحوار الوطني يتضمن العديد من الرسائل عميقة المغزى؛ إذ يؤكد في إحداها على الثقة بين القيادة السياسية والشعب العظيم ومؤسسات الوطن الحر، وهذه الثقة متجذرةٌ على أرض الواقع، ولا تقف عند حد الشعارات أو التسليم المطلق، وقد بدت بوادر الثقة تتضح عندما أطلق الرئيس الدعوة للحوار في مرحلته الأولى، ثم أعيدت الدعوة مرةً ثانيةً؛ ليشارك من يمتلك وجهة النظر السديدة والفكر الرشيد والعلم النافع بما يرى؛ لتضع الدولة في حسبانها ما يتمخض عنه الحوار من ثمارٍ فكريةٍ يتم الاستفادة منها على المستوى التنفيذ، والاسترشاد بها عند التعديل على مخططها الاستراتيجي عندما يستدعي الأمر.
ويحمل الحوار الوطني رسالةً واضحة المعني؛ تتجلى في تقدير العلم والعلماء وأصحاب الخبرة في المجالات المختلفة؛ حيث يستهدف الحوار الوطني تلك الفئات التي يكمن في عقولها ملامح المستقبل الذي يليق بهذا الوطن الغالي؛ فقد تمخضت خبراتهم المتعددة والمتنوعة عن تجاربٍ تطبيقيةٍ سبقتها مطالعةٌ عميقةٌ لمعارفٍ ومعلوماتٍ ذات صلةٍ بمجالات تخصصاتهم، ومن ثم فإن ما يقترحونه من رؤى يأتي من بحث واستقصاء ودراسات تتسم بالرصانة والموثوقية، ويبعد كل البعد عن الهوى الشخصي.
ومن رسائل الطمأنة التي نستنبطها من الحوار الوطني تكمن فيما يتم التوصل إليه من دقةٍ وسلامة النتائج التي ترتبط بالقضايا محل الطرح؛ لأن فلسفة هذا الحوار تقوم على التفكير الجمعي للمشاركين، وندرك تمامًا بأن هذا النمط من التفكير يسهم في تقريب وجهات النظر، ويقدم الطرح الذي يقبله الجميع، ويخضع لمراحلٍ من الفحص والتمحيص؛ لينتج حلولًا تتسم بالابتكارية والمنطقية في ذات الوقت؛ لذا فإن قدح الأذهان يثري الوعي في أنماطه المختلفة لدى الجميع، ويصنع أرضيةً مشتركةً تُعد سلم الصعود نحو مستقبلٍ زاهرٍ.
ومواكبة الحوار الوطني لمستجدات الساحة المصرية يؤدي إلى قراءةٍ رشيدةٍ للمشهد المعاش، ومن ثم لا تتوقف لغة الحوار على حد التنظير؛ حيث إن الميدان في احتياج لحلولٍ إجرائيةٍ تساعد في حلحلة الوضع الذي قد يبدو أنه متأزمٌ، ويحتاج لحلولٍ ومقترحاتٍ تدحض كافة التباينات أو التناقضات أو المشكلات أو التحديات والصعوبات التي يمر بها مجالٌ من المجالات الحيوية بالبلاد، وبدون شكٍ يعتبر ذلك رسالة طمأنةٍ تؤكد على أن الدولة المصرية لديها من الثروات البشرية والمقدرات المادية ما تستطيع أن تنهض من خلاله، وأنه لن ينال منها مغرضٌ كائناً من كان، ولن يُملي عليها أحدٌ مخططاً بعينه؛ فهي بلدٌ محفوظٌ بإذن ربها.
وبدت حسن النوايا من الثمار التي تمخض عنها الحوار الوطني، وهذه رسالة تبرهن على أن الدولة المصرية وقيادتها السياسية الحكيمة تمارس الديمقراطية في ثيابها الجديد، والذي يؤكد على شراكة المسئولية؛ لتستطيع الدولة أن تعبر إلى النهضة المستحقة، ويصعب أن يحدث ذلك بعيدًا عن اصطفاف ودعم ومشاركة من جميع المصريين دون استثناءٍ لأحدٍ، وفي ذات الرسالة تؤكد الدولة وقيادتها على أهمية المراجعة والتي تتأتى من تقويم يستهدف التطوير والتحسين، بمعنى أنه يمكن العدول عن أمرٍ أو قرارٍ أو ممارسةٍ ما، إذا ما ارتأت النظرة الجمعية ذلك مراعاةً للصالح العام.
وعبر الحوار الوطني في نسخته الثانية نرسل رسالة طمأنةٍ لشعبنا العظيم، بأن مختلف التيارات والفكر والرأي على كافة المستويات يؤمنون بفكرةٍ رئيسةٍ تتمثل في أن دعم الدولة فرض عينٍ على الجميع؛ فلا مزايدة ولا مصالح تصب في خصوصيات؛ فالدماء المصرية ذكية يملؤها الولاء والانتماء، ويصقلها النسق القيمي المصري الأصيل، ومن ثم تظل الدولة صامدةً وراسخةً ولديها المقدرة على مواجهة كافة التحديات التي قد تصنعها دولٌ بعينها، وأن قوتها مستمدةٌ من قوة شعبها صاحب الوعي الرشيد الذي دومًا ما يدهش العالم بمواقفه المبهرة.
وحري بالذكر أن الحوار الوطني المتجدد يشير إلى أن الدولة المصرية بمؤسساتها الوطنية تدحض فكرة الصراع والمنافسة غير الشريفة، وتأصل للتعددية المحمودة والمسئولة في نفس الوقت؛ حيث إن المعيار الرئيس يدور حول التماسك المجتمعي المدعوم بفلسفة التحول الديمقراطي المنسدل من توسيع قواعد المشاركة التي تساعد في تحقيق غايات المحاور الرئيسة المتضمنة بالحوار الوطني في ضوء أولوية لما يستجد من مجرياتٍ، وهذا يعني أن قيادتنا السياسية الحكيمة تحافظ على هوية الدولة القومية التي أسست على التجانس الثقافي والتباين الفكري الذي يولد الابتكار ويفجر منابع المعرفة.
إن تكرار الحوار الوطني واستمراريته يؤكد على أن نظام الدولة الرشيد ماضٍ في بناء الجمهورية الجديدة وفق مبدأ المرونة والبصرية التي تتأتى من تقبل الرأي السديد والأطروحات المدعومة بشواهدٍ وأدلةٍ بما يخدم مصالح الدولة العليا، وهذا التجمع الفريد والمتميز يعطي آمالًا تجاه مستقبلٍ مشرقٍ، كما أن لغة الحوار تقوم على مسلمة نؤمن بها وتتربع في وجدان كل المصريين، ألا وهي أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية؛ فالوطن يتسع للجميع، وأزيد فأقول إن مصلحة الوطن فوق الجميع.
ورسالتي التي اتبناها في خضم فلسفة الحوار الوطني سالفة الذكر، تتمثل في قناعتي بأن الوصول لدولة الرفاهية يُحتم توافر مُناخاً توافقياً يتوالد منه الشعور بالمسئولية الوطنية وتنامي الوعي الصحيح بأنماطه؛ لنضمن شخصيةً مصريةً تمتلك المقدرة على استكمال مراحل البناء لجمهورية أضحت واقعًا فرض كيانه على الساحة الإقليمية والعالمية.
نثمن الدعوة من رئيس الجمهورية على استكمال المرحلة الثانية من الحوار الوطني، ونتطلع إلى نتائجٍ وأطروحاتٍ سوف تغير من واقعنا الاقتصادي للأفضل؛ فالدولة لديها كافة مقومات ومتطلبات تحقيق النهضة الاقتصادية المنشودة في شتى مجالاتها وتنوعاتها، ونثق بأن القادم أفضل بمشيئة الله تعالى.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.