عاشت مصرُ أوضاعًا اقتصادية صعبة فى تاريخها، القديم والحديث؛ لعلَّ أقربها بين أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وتيسَّر لها أن تنجو وقتها بفضل باقة مزايا وتحفيز بعد حرب تحرير الكويت. اليوم تتكرَّر الحالةُ المُعقّدة، بينما تستعر مقتلةٌ ضارية على الحدود الشرقية، وظلالُ الأزمة الأوكرانية ما زالت تُخيِّم على أسواق العالم، والجميع يقولون إنهم لا يريدون صراعًا إقليميًّا شاملاً، بينما يسيرون إليه بفضل ثُلاثيةٍ حارقة: إجرام الصهيونية، وانتهازية الميليشيات الشيعية، ورعونة البيت الأبيض. وفى هكذا مناخ تُلقَى أعباء إضافيةٌ على الاقتصاد؛ إذ خسرت مصر والأردن ولبنان قرابة 11 مليار دولار من موارد السياحة، وتضرَّرت إيرادات قناة السويس بأثر المُغامرة الحوثية الأنجلوساكسونية عند فَم البحر الأحمر، وما زالت تبعات التشديد النقدى فى الغرب تُرهِق ماليات الشرق ومُوازنات دُولِه. ولأنَّ المحنةَ صُنِعَ أكثرُها فى الخارج؛ فالداخل أضعف من إنتاج حُلولِها مُنفردًا، وفى الوقت نفسه لا تمنع هذه الحقيقةُ القاسية من وُجوب المحاولة؛ إن لم يكن للإفلات الكامل من الفخّ، فعلى الأقلّ لإعانة الفئات الهشَّة والأكثر تضرُّرًا على البقاء فوق حدِّ الخطر، وتعويمهم على سطح الموجة الهائجة؛ انتظارًا لاعتدال الطقس، وأوان الإبحار بعيدًا من آثار الطوفان.
الأيامُ الأخيرة شهدت اهتزازًا لمعمار الأزمة. تواترت الأنباءُ عن قُرب الاتفاق مع صندوق النقد على حزمة تمويلٍ إضافية، بمُوازاة الحديث عن إسنادٍ أوروبى وصفقات استثمارٍ ضخمة مع شُركاء إقليميين. ارتبكت السوق الموازية، وخسر الدولار نحو 30 % من قيمته المنفوخة بأثر المُضاربة؛ لكنَّ التصحيح الجزئى لم ينعكس على السوق تسعيرًا وتجارة. أباطرةُ الذهب استجابوا يومين ثم عادوا لرفع الأسعار، والسلعُ الأساسية لم تنزل من مصعدها المجنون، وبدا أن مافيا ضخمةً تُحكِمُ قبضتَها على رقبة الاقتصاد، وتُناور الدولةَ والمستهلكين. وإن كان الأمر يتطلَّبُ سياساتٍ أكثر صرامة، واشتغالاً دؤوبًا على تعزيز موارد النقد الأجنبى، بالتوازى مع تشديد الرقابة، والتصدِّى لأنشطة الدولرة والمُضاربات، وحصار ظاهرة تحويل العملات والسبائك إلى سلعةٍ وأداة مُرابحة، بدلاً من دورها فى النقد أو التحوُّط وتخزين القيمة؛ فإنّ التوازن المفقود بين العرض والطلب فرضَ اللجوء لإجراءاتٍ أكثر اشتباكًا مع الحالة الاجتماعية، ولو انطوت على مُغامرة، بغرض تمكين الأفراد من امتصاص آثار الفوضى التى يُحدثُها الحيتان وأغنياء الحرب، وفتح المجال للحكومة من أجل التحرُّك بأريحيّةٍ أكبر، وتحييد عبء الالتزام أمام الفئات المُتضرِّرة فى أدنى السلسلة، بينما تتَّخذ قراراتٍ جادةً لإعادة ضبط المُعادلات المُختلّة.. وكان السبيل لذلك بالحزمة الاجتماعية الأخيرة.
أعلن الرئيس السيسى أواخر الأسبوع الماضى عن خطّةٍ تحفيزية شاملة. تضمَّنت رفع الحدِّ الأدنى للأجور 50 % إلى 6 آلاف جنيه، وزيادة المُرتبات بين 1000 و1200 جنيه، ورفع حدِّ الإعفاء الضريبى 33 % من 45 إلى 60 ألفًا، و15 % للمعاشات و«تكافل وكرامة»، ونحو 21 مليارًا لبعض التعيينات والمزايا فى قطاعى التعليم والصحة. الكُلفةُ الإجمالية 180 مليار جنيه، والمستفيدون المُباشرون أكثر من 50 مليون مواطن؛ إنما عمليًّا تمتدُ المنفعة لعموم الشعب تقريبًا، بالنظر لمُعدَّل الإعالة وأثر زيادة الدخول وإعفاءات الضرائب على الأُسَر. والخطوة على ضخامتها ليست سابقةً أُولى؛ إذ تصدَّت الدولة مع بداية جائحة كورونا فى 2020 بخطَّةٍ من مائة مليار جنيه، وفى العام التالى وُجِّهَت أكثر من 50 مليارًا للعلاوات الاستثنائية والعمالة الموسمية وزيادة المعاشات وتأجيل تحريك أسعار الكهرباء، ثم 2022 بحزمة قدرها 67 مليار جنيه، و2023 بنحو 150 مليارًا. والإجمالى يتجاوز نصف تريليون جنيه خلال أربع سنوات. صحيح أنها جميعًا لعبت دورًا تلطيفيًّا ولم تحلّ الأزمة، وهو المُنتظر من الدفعة الأخيرة أيضًا؛ لكنها كانت ضروريةً فى وقتها، ومهمَّةً فى معانيها، وتُترجِمُ استشعارًا عميقا عند رأس السلطة بالمسؤولية والشراكة، كما تستكملُ رُؤيةَ الإصلاح رغم كلِّ الأعباء، وأهم عناصرها تقاسُم المَغنم والمَغرم، وتحرير طاقة العمل بقدر الاهتمام بتحرير السوق.
منذ 2019 لليوم، زاد حدُّ الأُجور الأدنى 400 % من 1200 جنيه، وارتفع الإعفاء الضريبى 750 % من 8 آلاف إلى 60 ألفًا. ربما يزيد ذلك كثيرًا على مستويات نموِّ الاقتصاد وتراكمات الإنتاج، ما يلقى ضغطًا مُركَّبًا على مُعادلة نمو الأسعار. لكن حتى مع مستويات أقلّ لم تكن المداخيل القديمة تكفى أصحابها، ولا تَحقَّقَ مُجتمعُ العدل والكفاية؛ ناهيك عن الترقِّى والرفاه.. وكانت المُشكلة أن السوق ليبرالية فى كلِّ علاقاتها، إلَّا علاقة العمل ظلَّت اشتراكية الطابع. كانت أكبر المعارك العمَّالية قبل يناير 2011 تخصُّ رفع الأُجور، واستهلك الصراع سنواتٍ للانتقال من 700 جنيه فقط إلى 1200، وحصل مُمثّلو العُمَّال على حُكمين قضائيين فى 2010؛ لكنّ حكومة مبارك لم تلتزم بالتنفيذ، وظلَّ الأمرُ مُعلّقًا إلى أواخر 2013 عندما أقرَّه رئيس الوزراء حازم الببلاوى بعد سقوط الإخوان. والواقع أننا كنّا لعُقودٍ إزاء وضعٍ مُختل، نُلصِّم فيه حاضرًا رديئًا على حساب مُستقبل غامض؛ إذ تأكل الدولةُ جهدَ مُوظَّفيها بالبخس، لقاء أن تمنحهم خدماتٍ بأقل من كُلفتها، يستفيد بها آخرون لا يستحقونها من أغنياء وبرجوازيين ومُقيمين أجانب. وكان مطلوبًا علاج الاختلالات الموروثة، وعبور منطق السوق السوداء الذى رعته كلّ الحكومات السابقة، وفيه سعران لكلِّ شىءٍ تقريبًا، وفى الظاهر أنَّ الفارق تُموّله المالية العامة؛ إنما فى الجوهر ظلَّ من جُيوب المواطنين، لأن ما كانت تدفعه الموازنةُ بيمينها، كانت تمنعه عن أبواب الاستثمار والتنمية بشِمالها، حتى تهالك البلدُ وصار أطلالاً يتبادل فيه المسؤولون والمواطنون ابتساماتٍ وقتيةً عابرة، ويسيرون بانحدارٍ مُزعج نحو آتٍ رثٍّ وشديد التداعى.
كان توقيتُ الحزمة الرئاسية مِثاليًّا. ثمّة ضغوط اجتماعية ومعيشية باتت تفوق قدرةَ الأفراد على إدارة إنفاقهم، ونقترب من موسم ذروة الاحتياجات فى رمضان، بينما تُشير المُؤشِّرات إلى نقطةِ توازُنٍ يُمكن أن تُقلِّص مخاطر انفلات المعروض النقدى، حتى مع مستويات نموٍّ عالية للكُتلة النقدية. فقد تباطأ التضخّمُ على أساسٍ سنوى، من 35.2 إلى 31.2 % وفق أرقام جهاز الإحصاء، ومن 34.2 إلى 29% بحسب البنك المركزى، بينما تسمحُ إجراءات التشديد النقدى، وآخرها زيادة الفائدة 200 نقطة أساس، ووعاء الادخار بشهادات 27 % التى اجتذبت أكثر من 600 مليار جنيه للآن، بتخفيض مُستويات الضغط من جانب الطلب، ويُفيد فى ذلك ما تستقطبُه أسواقُ الذهب والعقار والسيارات؛ بعدما صارت ملاذًا تحوُّطيًّا واستثماريًّا لبعض الفئات. وعمليًّا فإن التضخُّم الراهن يُغذّيه العَرض؛ إمَّا بأثر استيراده مع الواردات، أو بانفلات سوق العُملة المُوازية، وشىء من مُمارسات المضاربة والاحتكار وحَجب السلع. والحزمةُ الأخيرة ربما تكون ضخمةً بالنسبة لمداخيل المستفيدين، إذ تفوق 8 % من إيرادات الموازنة العامة؛ لكنها تظلُّ أقلَّ من إحداث تأثيرٍ تضخُّمى ملموسٍ أو فوق الاحتمال، شريطةَ أن تُواكبها سياساتٌ تنفيذية متشابكة: ماليًّا بإعادة ضبط الإنفاق والأولويات وهيكل الدين العام، ونقديًّا بمواصلة التشديد وإدارة التدفُّقات الدولارية بكفاءةٍ وبأولويات إنتاجية، ورقابيًّا بالتصدِّى الحاسم لعصابات التجّار قبل أن يسرقوا المُخصَّصات الجديدة بمناورةٍ بين العرض والطلب، وتعطيش السوق، وابتلاع موجة الإنفاق الاستهلاكى المُتوقّعة.
أهمّ ما فى الخطوة معنى التضامن، واعتراف الدولة باستثنائيّة الظرف وأنها تعمل على التصحيح، وأُولى خطاه تخفيفُ الضرر عن الفئات الأكثر هشاشة. الرسالةُ المعنوية هنا لا تقلُّ أهميّة عن الأثر المادى، وفيها إشارةٌ صريحة لكلِّ لبيبٍ؛ فإذا كانت القيادة تُبادر إلى زيادة أعباء المُوازنة انحيازًا للفقراء؛ فإنها جاهزة للخشونة فى مُواجهة المُتلاعبين ومن يستثمرون فى الأزمات. وفى تلك النقطة تقع المسؤولية على الحكومة وأجنحتها الرقابية، إذ لا يتطلَّب الأمرُ حصافةً وبُعدَ نظرٍ لملاحظة أن بعض الجهات مُقصِّرة فى أدوارها، وربما تتربَّح بعض الفئات الدنيا بين مُوظِّفيها من مناخ السيولة والانفلات، ولو أنها تصدَّت بجدية للمُحتكرين ومصَّاصى الدماء ما تجرأوا على تحويل السوق لحلبة مُلاكمة، يتلقَّون فيها ضربةً فيردّون بثلاثٍ أو أربع. وإذا كُنّا لا ننكر أثرَ الميراث الطويل من الرخاوة وسوء الإدارة، حتى أن ثانى أرفع مسؤولى نظام ما قبل يناير 2011 وقف فى البرلمان مُعلنًا أن «فساد المحلّيات للركب»؛ فقد نجحت خطط الضبط والحوكمة خلال السنوات الأخيرة فى تعديل المسار لقطاعاتٍ عدّة، ولا ضرورةَ اليوم أكبر من نقل حال الشدَّة والحَسم للعاملين على الأرض، والمُتّصلين المُباشرين بالتجارة الداخلية وملف الأسعار. إن كان الرأى الاقتصادى حذرًا إزاء حِزَم الدعم النقدية، وفيها من مخاطر إذكاء التضخم ما لا يُمكن إنكاره تمامًا؛ فإن تمام الفاعلية وتجنُّب الآثار السلبية فى تفعيل عين الرقابة وسيف القانون. الرقمُ مُغرٍ، وعددُ المُستفيدين كبير، وعلى القدر نفسه تزداد أعداد المُتربّصين والطامعين فى شَفط المليارات من أيدى المُستهلكين، وما لم نُظهِر «العينَ الحمراء» لمافيا السوق، من أكبر مُنتجٍ لأصغر تاجر تجزئة، فقد تنتفخ فُقّاعة الأسعار ولا تتحسَّن معيشة الناس.
نقطةٌ أُخرى مهمَّة تخصّ القطاع الخاص، وفيه الحصَّة الأكبر من قوَّة العمل. أجورهم اليوم حدّها الأدنى أكثر من نصف الحكومى بقليل، وأغلبهم لا يتجاوزونه، وكثيرٌ منهم لم يُطبّقوه أصلاً. وكان المجلس القومى للأجور قد أقرّ زيادته من 3000 إلى 3500 جنيه فى أكتوبر الماضى. ومع مُراعاة ضرورات الاستثمار وحاجات الإنتاج؛ فلا يجب أن يظلَّ العُمّال أضعف حلقات مُعادلة التكلفة والربح. يتعيَّن أن يعمل المجلس مع الغرف التجارية واتحاد الصناعات وجمعيات رجال الأعمال على مُساواتهم بالقاعدة العامة للدولة؛ لا سيّما أن كلَّ القطاعات صارت تُسعِّر سِلعَها وخدماتها بدولار السوق السوداء، حتى من يحصلون عليه من البنوك بالسعر الرسمى، وفيهم من تزيد أرباحه على 50 % من تكاليف التشغيل. الفجوة بين أفرادٍ من فئة واحدة ستخلق تفاوتًا اجتماعيًّا لا يحتمله الظرف، وستُضعف القوَّة الشرائية لتيَّارٍ واسع فى سباق الطلب على عرضٍ محدود، كما أنها تُعزِّز مكاسب الحلقة الضيقة عند قمَّة الهرم مُقابل إضعاف قاعدته العريضة. وليس منطقيًّا أن يربح الصانع أو التاجر ضعفَ المعقول فى سلعته، بينما يعجز من ينتجها أو يبيعها لصالحه عن شرائها. المسؤوليةُ الاجتماعية تُوجِب على رؤوس الأموال المُبادرة لإسناد أُصولها البشرية، وإن تقاعست فينبغى أن تتدخَّل الجهاتُ المعنيّة للتصحيح؛ لقاء ما تنتفع به الشركات والمصانع من مزايا وتسهيلات.
ما أُعلِن من زيادات لم يكن رفاهيةً يُمكن ترحيلُها، ولا هى مُجرَّد دَفقةٍ اضطرارية ينتهى مفعولها بزيادة أوراق النقد فى أيدى الناس. جوهرُ الخطوة أنها تقاسُمٌ عادلٌ للأعباء: يُزاح جزءٌ عن كاهل المواطن، وتتحمَّل الدولةُ جزءًا، وتُوضَع السوق أمام حقيقة احتياجها لتصحيح الأوضاع؛ إنْ بالشراكة العاقلة أو الإجبار الصارم أو احتمال مخاطر المغامرة. الأوضاعُ صعبةٌ وتتطلَّب عملاً جماعيًّا، وحتى الذين يتخوَّفون من زحف التضخُّم واختلاف إيقاعه، لم يُقدِّموا بديلاً مُقنعًا عن الاختلال والاستغلال بانتهازيةٍ ووقاحة. ويقضى المنطق بأنه لو كان فريق يتربَّح من المحنة؛ فليس من العدل أن يُسحَق الباقون تحت أثقال الجشع والانحراف.. يحقّ للذين تحمَّلوا فاتورة الإصلاح، وصبروا على عواصف الأزمات العابرة للحدود، وما وقع من أخطاء فى الحساب أو المُمارسة، أن يشعروا بأن مُعاناتهم محلّ اعتبارٍ وتقدير، وأنهم لا يخوضون المعركة بمفردهم. وليقل مُنظّرو الاقتصاد ما يروق لهم، لكنَّ السوق تسير على ساقين، وإذا طالت إحداهما فلن تنضبط الخُطى إلَّا لو واكبتها الأخرى، ولا يغنى ذلك بالطبع عن الجراحة التى يتعيَّن أن تتصدَّى لها الحكومة، بكل ما فى وِسعها من قوانين وتدابير حازمة وأفكار خلّاقة.
نحتاجُ بشكلٍ عاجل لتنمية موارد النقد الأجنبى بكل السُّبل الإيجابية المُمكنة، وإعادة هيكلة محفظة الديون، وحوكمة مدفوعاتنا الدولارية على فقه الضرورة. كما نحتاج يدًا غليظة فى مُواجهة المُحتكرين وحابسى السلع، وأن تُواكبَ الرقابةُ مسائلَ الجودة والأوزان وانضباط التسعير والإتاحة. ولعلَّ الأمر يتطلَّب نظرةً للعقوبات والغرامات، ولإجراءات الضبطية وتسريع قضايا التلاعب والنقد الأجنبى. وفتح ملف الأرباح الرأسمالية؛ لا سيما مع مُضاربات العقار والذهب. إنّ الحزمةَ الأخيرة ستُنعشُ كثيرًا من البيوت والأُسَر المُثقلة بالأعباء؛ لكنها ستُغرى قُطَّاع الطرق ولصوص الأقوات. الدولة عليها مسؤولية العمل لحلحلة الأوضاع، وامتصاص الضربات المُتلاحقة بأثر حربى غزَّة وأوكرانيا وتصدير اقتصادات الشمال لأزماتها نحو الجنوب، وتضاعيف ما تأتّى من اختلالات داخلية، كما عليها ابتكار برامج استثمار وشراكة لتعظيم الموارد، دون الاكتفاء بالتمويل عبر الاستدانة وتوريق الدين والإيرادات المُستقبلية، وقد يفيد فى ذلك مزيدٌ من التشديد النقدى والمالى رغم أعبائهما، ومراجعة سعر الصرف، وإتاحة مُهلة زمنية لإيداع النقد الأجنبى بالبنوك؛ ثم تكثيف المُلاحقة وتغليظ العقوبات، مع بحث إتاحة تسهيلات مُضاعَفة للمستثمرين، وأوعية ادخار دولارية للمُغتربين ترتبط بمزايا عينيّة، وتكون محميَّةً فى أصلها ومُغريةً فى عائدها. ولا أحسب أننى وغيرى سنقولُ ما لا يعلمه الخبراء الرسميّون، ولا أنّ لدينا من الأفكار ما يفوق ما لديهم؛ إنما هى الشراكة ولو بتكرار المعلوم بالضرورة، ربما اقتداءً بالرئيس فى حزمته الاجتماعية الأخيرة، وأهم ما فيها الشراكة والتضامن كما أسلفت. سنعبرُ الأزمةَ؛ طال الوقت أَمْ قَصر، وسنتذكَّر أيامَّنا هذه على إيقاع بيت الشعر الشهير للشافعى: «ضاقت فلمَّا استحكمتْ حلقاتُها؛ فُرِجَت وكنتُ أظنّها لا تُفرج».. وما أكثر الضيق الذى حَوّط مصر فى قرونها الطويلة، وما أعظم الفرج الذى تأتَّى دائمًا بالإرادة والصبر، ورغمًا عن كيد الأعداء، ومَكر الأصدقاء، وانحطاط تُجّار الأزمات وأغنياء الحرب.