مصر، شعبا وجيشا، حملوا لواء الدفاع عن فلسطين بمفردهم، ليس فقط منذ نكبة 1948، ومرورا بالعدوان الثلاثى 56 ونكسة 67 وانتصار 73، كما يظن البعض، وإنما منذ تصديها للاستعمار الغربى، فيما يطلق عليه الحملات الصليبية المتتالية الباحثة عن السيطرة على مقدرات وثروات الشرق تحت شعارات دينية، وهى حماية القدس. مصر دافعت عن فلسطين بالأفعال قبل الأقوال، فى الوقت الذى اكتفى فيه غيرها بترديد الشعارات الصاخبة والخطب الرنانة والملتهبة فى قاعات الفنادق الفارهة، ومن فوق الموائد العامرة بكل ما لذ وطاب من المأكولات، على شرف مقاطعة القاهرة وكيل الاتهامات لمصر بشكل دائم، وأنها مقصرة فى دورها وكأن مصر فقط كُتب عليها أن تحارب وتتهم بالتخوين والتقصير.
ومن غير مصر التى واجهت الصليبيين فى معركة حطين الفاصلة، عام 583 هجرية 1187 ميلادية، وأسفرت عن تحرير مملكة بيت المقدس ومعظم الأراضى التى احتلتها الحملة الأوروبية المكبرة.
ومن غير مصر التى تصدت للحملة البحرية عام 565 هجرية، كما تصدت للحملة الصليبية الثالثة، ومزقت أواصر الحملة الخامسة، عام 618 هجرية.
ومن غير مصر التى قهرت الحملة العسكرية التى قادها الملك لويس التاسع، ملك فرنسا عام 647 هجرية، 1249 ميلادية، والذى جاء على رأس أسطول ضخم يضم ما يزيد على 1800 سفينة تحمل ثمانين ألف مقاتل ومعهم عدتهم وسلاحهم ومئونتهم وخيولهم، وعندما وصلت سفن الفرنسيين إلى الشواطئ المصرية، كان الجيش المصرى فى انتظارهم، فأفزع الفرنسيين وهم لا يزالون فى سفنهم بمجرد رؤية الجيش المصرى، وهنا يصف «جوانفيل» - مؤرخ الحملة وأحد قوادها - الرهبة التى سيطرت على الفرنسيين عند رؤية الجيش المصرى فيقول: «وصل الملك أمام دمياط، ووجدنا هنا كل جيوش السلطان تقف علی الشاطئ، كتائب جميلة تسر الناظرين، ذلك أن أسلحة السلطان قد صُنعت من ذهب، فكانت الشمس تشرق على هذه الأسلحة فتزيدها بريقا ولمعانا، وكانت الجلبة التى يأتون بصنوجهم وأبواقهم الشرقية تُدخل الرعب فى أفئدة السامعين».
وانتهت المعركة بهزيمة ساحقة للفرنسيين وأسر الملك لويس التاسع، ووضعه فى دار ابن لقمان فى مدينة المنصور.
ومن غير جيش مصر بقيادة الظاهر بيبرس، الذى قضى على دولة أنطاكية الصليبية، أغنى دولة أوروبية حينها فى رمضان 666 هجرية.
ومن غير جيش مصر الذى اقتلع جذور الغرب نهائيا من الشرق عندما حرر عكا، أهم معاقل أوروبا للسيطرة على الشرق، وذلك بقيادة خليل بن قلاوون سنة 690 هجرية.
وفى عام 829 هجرية، ورغم متاعب مصر الداخلية، وتحملها تجاوزات المملكة الصليبية فى قبرص، والتحرش بالسفن المصرية، وغاراتها على ميناء الإسكندرية، رغبة فى الانتقام من مصر التى طردت الصليبيين وقضت على معاقلهم، قرر السلطان برسباى، فتح الجزيرة وتأديبها، فأعد حملة كبيرة، وأسطولا يضم مائة وثمانين سفينة أبحرت من رشيد عام 829 هجرية 1426 ميلادية، واتجهت إلى قلعة ليماسول، وبعد حصارها اقتحموها وهدموها، وقاد ملك قبرص يانوس بن جاك بن بيدرو جيشا أكبر من جيش مصر ودارت معركة حاسمة بينهم انتصر فيها الجيش المصرى، وأسروا الملك يانوس وأحضروه إلى القاهرة مكبلا بالأغلال.
وبعد هذا السرد المختصر، من حقنا أن نطرح الأسئلة على كل الكيانات والتنظيمات والجماعات، الذين يهاجمون مصر آناء الليل وأطراف النهار، أين أنتم مما يحدث منذ أربعة أشهر ومستمر حتى الآن فى غزة من مجازر وحشية يرتكبها العدو الصهيونى؟ وأين كنتم طوال القرون والعقود الماضية من تحرير القدس؟ ولماذا الجميع يطالب الزج بجيش مصر فقط فى أتون حرب تستنفد قواتنا البشرية وإمكانياتنا العسكرية وقدراتنا الاقتصادية وإعاقة انطلاقتنا التنموية؟ وأين الصواريخ التى كنتم تهللون بأنكم تمتلكونها، ولديها القدرة على ضرب قلب تل أبيب، وتمزق المستوطنات الإسرائيلية تمزيقا؟ ولماذا تكتفون برفع العلم الفلسطينى فى مظاهراتكم السلمية، وارتداء «الكوفية» الفلسطينية الشهيرة حول أعناقكم أمام كاميرات القنوات الفضائية والصحف والمواقع الإلكترونية، ثم تخلعونها عقب انتهاء الفعاليات؟
مصر ووفق الأدلة التاريخية، هى الوحيدة التى دافعت عن فلسطين والأماكن المقدسة، وأن جماعات المزايدة، وخزعبلات البعض الذين يشككون فى قدرات الجيوش ويُعلون من شأن الميليشيات، ولم يقدموا شيئا حقيقيا للقضية الفلسطينية سوى طنطة الكلمات، وتدشين الشعارات البراقة!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة