بيشوى رمزى

أمريكا وإسرائيل.. مأزق بايدن وسيناريو انفلات نتنياهو

الأربعاء، 14 فبراير 2024 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يبدو الهجوم الإسرائيلي الأخير على مدينة رفح الفلسطينية، بمثابة خطوة جديدة، نحو تأجيج العدوان، وتوسيع نطاقه، ليمتد إلى مناطق جديدة، بينما يمثل إصرارا وتعنتا من قبل حكومة الاحتلال، فيما يتعلق بتهجير الفلسطينيين، من أراضيهم، إذا ما وضعنا في الاعتبار العديد من الحقائق أبرزها أن المنطقة الحدودية، تمثل ملاذا أخيرا لأكثر من 1.4 مليون فلسطيني، فر معظمهم من القصف المتواتر على مختلف أنحاء القطاع المحاصر، منذ أكثر من 4 أشهر كاملة، بينما يمثل محاولة أخرى، تضاف لسلسلة من المساعي الإسرائيلية لتضييق الخناق على سكان القطاع، عبر وضع المزيد من العراقيل أمام المسار المفتوح من الأراضي المصرية، لتوصيل المساعدات الإنسانية، لتجويع ملايين البشر، المهددين أساسا بنيران القنابل التي قتلت الألاف منهم، بينما لم ترحم طفلا أو شيخا أو امرأة.
 
ولكن بعيدا عن التداعيات الإنسانية للهجوم على رفح، أو حتى النتائج السياسية الكارثية المترتبة عليه، وأبرزها توسيع دائرة العداء للدولة العبرية في محيطها الجغرافي، يبقى التأثير المباشر للهجوم على حلفاء تل أبيب أكبر بكثير، ليس فقط في ضوء التغيير الكبير في مواقف الغرب الأوروبي، تجاه العدوان، والتحول من موقف المدافع عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، إلى إدانة الانتهاكات المتواترة التي ترتكبها قوات الاحتلال، وإنما امتدت إلى الدائرة الضيقة الداعمة لها، والتي تتجسد في الولايات المتحدة، والتي لا يروق لها بكل تأكيد التصعيد المتواصل في غزة، خاصة مع التحذيرات التي أطلقتها مصر، قبل الهجوم، ومواقفها المعلنة تجاه قضايا التهجير والمساعدات، ناهيك عن كون الهجوم الأخير يقع على حدودها وهو ما يثير قلاقل أمنية، وهو ما يفرض، حال مواصلة التعنت من قبل الاحتلال، المزيد من الضغوط على إدارة الرئيس بايدن، للتخلي عن الانحياز المطلق للدولة العبرية، خاصة وأن مصر تبقى الشريك الموثوق من كافة أطراف المعادلة الدولية لرعاية القضية في مرحلة تبدو حساسة للغاية في تاريخها.
 
وفي الواقع، يبقى الحديث عن إدارة بايدن، ومواقفها تجاه إسرائيل، مثارا للجدل، ليس فيما يتعلق بالانحياز للاحتلال، خاصة وأن دعم إسرائيل كما هو معروف، يبقى أحد ثوابت الدبلوماسية الأمريكية، ولكن فيما يرتبط بكسر الصفقة القائمة بين الحليفين، من قبل الحليف الأصغر، في إطار التزام الأخير بما تفرضه واشنطن، والتي تعد القوى الدولية الحاكمة للعالم، مقابل الحصول على دعم دولي غير محدود، وهو ما بدا في العديد من المواقف منذ احتلال فلسطين في عام 1948، في إطار انفلات الاحتلال وعدم التزامه بما تمليه عليه واشنطن من أوامر، على غرار ما حدث مؤخرا فيما يتعلق بالهجوم على رفح، رغم تأكيد الرئيس الأمريكي جو بايدن، عدم دعمه للعملية، في اتصال مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل اندلاعها بساعات.
 
والحديث عن الانفلات الإسرائيلي، والخروج عن طاعة واشنطن، لم يكن وليد اللحظة الراهنة، حيث يحمل في طياته العديد من الإرهاصات، وللمفارقة ترتبط في أحد أهم حلقاتها، بإدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، والذي كان بايدن نائبا له، فيما يتعلق بالاتفاقية التي عقدتها واشنطن مع إيران، في عام 2015، والتي رفضتها إسرائيل، بل وأعلنت التحدي في مواجهة البيت الأبيض، عبر اللجوء إلى الكونجرس في خطاب شهير لثنيه عن التصديق على الاتفاق، وحثه على إعلان العصيان ضد الإدارة الحاكمة في ذلك الوقت، وهو الأمر الذي احتوته بعد ذلك إدارة الرئيس دونالد ترامب، والذي استعاد زمام الأمور نوعا ما، أو الأقل تغطية الثغرات الناجمة عن الانفلات الإسرائيلي، خاصة بعدما حرص على استرضاء إسرائيل منذ اليوم الأول له، عبر زيارتها في أول جولة خارجية يقوم بها بعد توليه السلطة، ثم مجموعة من القرارات الداعمة لها، وأبرزها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
 
وهنا تبدو طاعة إسرائيل لأمريكا، لم تعد مرهونة بالولاء لواشنطن، بل على العكس، فأمريكا باتت مطالبة بالدوران في فلك تل أبيب، وإلا ستضعها في حرج بالغ، سواء على المستوى الدولي، نتيجة الانحياز الأمريكي المطلق وغير المبرر، في كافة المحافل الدولية، وهو ما يبدو في الاستخدام المفرط للفيتو في مواجهة القرارات المرتبطة بوقف إطلاق النار، على غرار الوضع الراهن، أو حتى على مستوى الداخل الأمريكي، وهو ما يبدو في محاولات نتنياهو، خلال حقبة أوباما، ضرب "إسفين" بين مؤسسات الدولة، لتقويض الاتفاق مع إيران، بينما يكرر المحاولة، ولكن هذه المرة عبر تشويه العلاقة بين الإدارة والأمريكيين أنفسهم، خاصة وأن أزمة غزة وتفاقمها بات مرتبطا بصورة مباشرة بأحوال المواطن الأمريكي، في ضوء تأثيراتها على أسعار النفط والتضخم، بل ومصالح كبرى الشركات الأمريكية، والتي تأثرت بصورة كبيرة جراء استهدافها في البحر الأحمر.
 
وللمفارقة يبدو الموقف الأمريكي من غزة، أكثر حساسية من الموقف السابق الذي تبناه أوباما من إيران، في ضوء اقتراب الانتخابات الرئاسية، واحتمالات عودة ترامب مرة أخرى للسلطة، وهي مفارقة أخرى، حيث استبق الصدام الأول وصوله للبيت الأبيض للمرة الأولى، بعد انتصاره التاريخي على هيلاري كلينتون، رغم الفارق الكبير في الخبرات السياسية، وهو ما يضع بايدن في مأزق حقيقي، حيث يبقى بين خيارين لا ثالث لهما، وهما إما الانتصار للثوابت الأمريكية المنحازة للدولة العبرية، وبالتالي فتح الباب أكثر وأكثر أمامها للمزيد من المساومة، في مواجهة الحليف المتمرد، أو الانتصار للمواطن الأمريكي نفسه، عبر اتخاذ قرار حاسم بإنهاء المعركة الخاسرة لامحالة، وإعادة الأمور إلى نصابها، من خلال استعادة السيطرة على الانجراف الإسرائيلي، ليس فقط فيما يتعلق بالسياسات العدائية في منطقة الشرق الأوسط، وإنما أيضا فيما يتعلق بالخروج عن طاعة واشنطن، إلى الحد الذي وصل إلى رفع راية التحدي في مواجهتها، لتحقيق أهدافها ولو على حساب الداعم الدولي الأكبر لها.
 
وهنا يمكننا القول بأن إدارة بايدن تبدو في مأزق متعدد الأبعاد، يرتبط في أحد مساراته بما تتعرض له من حرج دولي، جراء عدم قدرتها على السيطرة على أحد حلفائها، وهو ما يفتح المجال أمام مزيد من الانفلات في دائرة الحلفاء الدوليين، من جانب، بينما يبقى غضب الداخل، جراء الأوضاع الاقتصادية، والتي ترتبت في جزء منها على أزمة غزة، جانبا آخر، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، والتي لن تقل شراسه بأي حال من الأحوال عن سابقتيها، خاصة مع احتمالات عودة ترامب لخوض المعترك الرئاسي، وما يحظى به من شعبية كبيرة، في الداخل، تجلى في أبهى صوره في نجاحاته الكبيرة، في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري.
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة