تدحض الحوكمة الذكية ما يصبو إليه أصحاب القلوب الضعيفة من تحقيق مكاسب شخصية تشكل فسادًا مؤسسيًا بغض النظر عن صوره والأطراف المستفيدة؛ حيث تعمل الحوكمة الذكية على تهيئة المناخ المؤسسي لتقبل آليات الرقابة من خلال أنظمة رقمية دقيقة، تكشف عن محاولات التلاعب، أو التقصير، أو الإخفاق المتعمد في أداء المهمة، أو المفاضلة على حساب طرف آخر مستحق، أو تحقيق مكسب مادي، أو غير ذلك مما يصعب حصره من صورة الفساد والإفساد الظاهرة والمقنعة.
ولا يقف الدور الرقابي للحوكمة الذكية عند هذا الحد؛ لكن المستهدف أيضًا العمل على تهيئة المناخ الداعم للعمل؛ لتتعاظم الجهود، ويرتقي الأداء، ويُكرم المجتهد ومن يبذل كل طاقته في خدمة المؤسسة والمواطن، وهذا يؤكد على أمر لا مناص عنه، وهو الالتزام بالمعيارية التي كثيرًا ما يتم تجاهلها أو التغاضي عنها في العمل المؤسسي، وتلك ثقافة تغيرها الحوكمة الذكية في إطار المحاسبية مرجعية المحك أو المعيار وفق ما تتبناه إدارة المؤسسة.
وتسعى الحوكمة الذكية من خلال دورها الرقابي إلى الوصول لغاية تعد الأهم في ظل فلسفة تعضيد الثقة بين المواطن ومؤسسات وطنه التي تعكف على خدمته وتحقيق متطلباته واحتياجاته المتغيرة والمتجددة الأساسية منها وغير الأساسية، وتتمثل هذه الغاية في رضا المواطن لما يقدم له من خدمات في صورها المختلفة؛ فكثيرًا ما أكد سيادة الرئيس على هذا الأمر في ضوء الاتساق مع المعايير المحلية التي تتبناها المؤسسات أو المعايير العالمية وفق الرؤية التي تصبو إلى تحقيق التنافسية والريادة.
وفي ظل الحوكمة الذكية يمكن لمتخذ القرار أن يقف على ما آلت إليه الأعمال بالمؤسسة بكل شفافية ومصداقية؛ حيث تتوافر المعلومات الصادقة التي تشكل قواعد للبيانات بالمؤسسة ترتبط بأدق التفاصيل، ومن ثم يمكن الاستفادة منها في ضوء تحليل النظم بأن يصنع ويتخذ القرار بشكل سليم؛ فقد باتت الرؤية واضحة، ولا مجال للغبن، أو التدليس، أو التزييف من أصحاب المصالح الضيقة الذي تقع اهتماماتهم في حيز المنفعة الشخصية.
وتعمل الحوكمة الذكية على مبدأ واضح وهو تحقيق ماهية العدالة بالمؤسسة بين كافة الأطراف المستفيدة من داخل المؤسسة وخارجها، وتبدو الاستفادة بالنسبة للعاملين بالمؤسسة كائنة في تنمية الخبرات المهنية التي تتصل بمجال العمل، وإرساء نوع من الاجتماعية الصحيحة التي تقوم على حماية ورعاية مصالح الأخرين بغض النظر عما يقع على الفرد القائم بالعمل من نفع مباشر أو غير مباشر.
وهنا يمكن القول بأن الحوكمة الذكية تعمل على تفعيل القوانين والقواعد المنظمة للعمل المؤسسي؛ كي يسير وفق إطاره المنظم والصحيح ويضمن تحقيق نتائج مأموله مخطط لها بشكل مسبق من قبل الإدارة العليا للمؤسسة، وهو ما يؤكد على سلامة قنوات الاتصال بين العاملين بالمؤسسة دون استثناء سواءً أكان على المستوى الأفقي، أو الرأسي، أو الشبكي.
وفي ذات السياق نؤكد على أن الحوكمة الذكية تستهدف حماية المنتسبين للعمل والمستفيدين من خدماته في آن واحد؛ حيث تشكل الضامن الرئيس للحد من استراتيجيات وطرائق وأساليب الفساد المبتكرة منها والتقليدية؛ فالفساد قضية خطيرة تهدم المؤسسات وتتطرق بشكل سريع لهدم كيان الدولة، وهذ ما حذر منه السيد الرئيس في العديد من المواقف واللقاءات بصورة واضحة.
ومما لا شك فيه أن الدور الرقابي للحوكمة الذكية يؤكد على أن المؤسسة تحاصر ما يحيط بها من مخاطر بصورة سريعة ودقيقة ومنظمة، بما يسهم قطعًا في التغلب على السلبيات والتقليل من الخسائر بأقصى درجة، وهذا في مجمله يشكل إدارة للمخاطر في صورتها المنهجية وفق مراحل تستهدف تعزيز قدرات المؤسسة وتجنبها استنزاف مواردها المادية والبشرية.
وتساعد الحوكمة الذكية من خلال دورها الرقابي على تحديد الاختصاصات؛ فلا مجال للصلاحيات المفتوحة؛ فعامل المحاسبية يقوم على ما يناط به الفرد من مهام يؤديها وفق توصيف تقره نظم العمل وآلياته، ومن ثم تكمن أهمية المساءلة والمحاسبية في أنها تضمن أمرين مهمين هما تجنب السلبيات وتعزيز الإيجابيات، بما يعمل على رفع كفاءة العمل بالمؤسسة، ويدحر أشكال وأنماط ومظاهر الفساد المحتملة.
إن بناء الجمهورية الجديدة في ظل حوكمة ذكية يؤكد للجميع أن إساءة توظيف الموقع أو السلطة أو ما تخوله الإدارة من أداء وأعمال سيتم محاربته سريعًا؛ فلا مكان لفساد يدر نفعًا لفرد على حساب أفراد أو مجتمع، والمستقبل الواعد المشرق لكل من يلتزم بسياج هذه الحوكمة التي تفرز الغث من الثمين، ومن ثم تُحترم الخصوصيات، وتُصان الأموال العامة، وتُحمى الملكيات، ويسود الاستقرار المؤسسي والمجتمعي.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
_______________
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر