إن العلاقة بين الدولتين المصرية والتركية لها تاريخ مديد، ذلك أن كلا الدولتين من الدول المحورية في محيطها الإقليمي، وهذا ما جعل آليات وصور التعاون بين البلدين عديدة، وتبادل المصالح على مستويات متعددة، منها التجاري وأشكال التعاون السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي، وما بين الشعبين روابط يصعب بحال فكها أو النيل منها؛ حيث إن التقارب الفكري والحضاري بين القطبين الكبيرين دوما ما يتغلب على ما قد يحدث من اختلافات حول قضايا جدلية في أوقات بعينها.
وحري بالذكر أن لكلا الدولتين مكتسبات لا يستهان بها في شتى المجالات، وفيما بينهما مواقف يذكرها التاريخ؛ حيث الدعم في وقت المحن والنوازل، وعبر الشعوب عادات وتقاليد راسخة، وضمانة تقارب الدولتين وتعضيد العلاقات فيما بينهما له نتائج حميدة ومصالح مديدة، في كافة المجالات التنموية والأمنية والسياسية وخاصة المجتمعية منها التي أثبتت فعاليتها رغم تغير الظروف والمواقف.
ويشكل التعاون المصري التركي مركز ثقل استراتيجي في المنطقة يسهم في إحداث نقلة نوعية في العديد من المجالات وفي مقدمتها التنمية الاقتصادية في القطرين الكبيرين، وهذا يؤكد أن مصالح الدول هي الأبقى، وأن استدامتها لا يستطيع أن يحجمها أحد؛ فمستقبل الشعوب يشكل الأهمية القصوى لدى الحكام، ومن المعلوم أن العلاقات المصرية التركية على المستوى الشعبي متميزة، ومن ثم رسمت مستقبلها وفرضت سياجها على سياسة البلدين؛ لتصبح المعيار الرئيس للتوافق وتقارب وجهات النظر.
ونؤكد أن العلاقات القوية بين مصر وتركيا سوف تؤدي دورًا فاعلًا في استقرار منطقة الشرق الأوسط على المستويات الأهم، والتي تشمل العلاقات المصرية التركية في المجال السياسي والعسكري والاقتصادي؛ فعلى المستوى السياسي صرح الرئيس السيسي بأنه سوف تتضافر الجهود المشتركة من أجل استئناف عملية السلام الخاصة بالقضية الفلسطينية والدفع بها من أجل إعلان الدولة الفلسطينية ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
ويؤدي التضافر السياسي بين البلدين أيضًا إلى انتهاج التهدئة واتباع شرعية الصندوق بين المختلفين أو المتناحرين، وهذا ما يساعد في حل النزاع الليبي؛ فقد أكد الرئيس السيسي على أن الجهود متواصلة تجاه تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي في الدولة الليبية؛ حيث الدفع إلى عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية بما يحدث تسوية للخلافات وتتمكن الدولة من اتخاذ مسار التنمية والإصلاح في كافة المؤسسات والقطاعات، بما ينعكس على المنطقة بأسرها.
وبدون شك فإن استقرار المنطقة من مصلحة البلدين كي تتمكنا من تحقيق تنمية مستدامة في القارة الأفريقية بأكملها عبر مسار التعاون الاقتصادي المشترك فيما بينهما؛ فمصر تمتلك الأرض والموارد، وتركيا تساهم بالتمويل ونقل التقنية المتطورة؛ ليصبحا قوة اقتصادية كبرى في المنطقة، وهذا ما أشار إليه الرئيس؛ حيث ذكر أن هناك مباحثات قائمة حيال التعاون المشترك للعمل على تنمية أفريقيا ليحدث الاستقرار والتنمية والازدهار.
إن ما تستهدفه كل من مصر وتركيا يحقق الأمن القومي المصري والتركي مجتمعًا؛ حيث إن التنمية الاقتصادية القائمة على التعاون، والحرص على تعضيد الاستقرار السياسي في المنطقة، ووقف نزيف الدماء، ودحر مخططات المغرضين، والتعاون العسكري متمثلًا في تبادل الخبرات في مجال التصنيع العسكري والتدريب ومشروعات الدفاع المشترك، كل هذا يصب في مصلحة البلدين، ويجني ثماره الجيل تلو الجيل، وتصبح البلدان ملاذًا آمنًا لشعبهما أينما حل وهل.
ولا يسعنا إلا أن نقول بلسان مبين، مرحبا بعودة العلاقات الكاملة والتامة مع الدولة التركية والتي لها أهمية خاصة تقع فائدتها وتصب في مصلحة الطرفين وتخدم خططهما الاستراتيجية، ومن خلال تلك العلاقات يتحقق النفوذ لكليهما، وتضعف هيمنة الدول الكبرى، ويستطيعان أن يفرضا حالة الاستقرار التي تسهم في التغلب على العديد من التحديات التي تحدق بالمنطقة، ونراهن على أن العلاقات المصرية التركية سوف تساعد في تعضيد العلاقات مع دول المنطقة العربية منها وغير العربية، ناهيك عن تعضيد العلاقات مع دول القارة الأفريقية.
وفي لمحة سريعة نرى تشابهًا محمودًا بين الاهتمام بشأن المرأة في المجتمعين المصري والتركي؛ إذ نشاهد دورها الحيوي في بناء المجتمع المصري والتركي على حد سواء؛ كونها اللبنة الرئيسة التي يرتهن بها صلاح وإصلاح المجتمع، وهذا التشابه يدل على أن هناك العديد من القواسم والميراث الثقافي يتشاطره المجتمعين المصري والتركي.. ودي ومحبتي.
حفظ الله شعبنا العظيم ومؤسساتنا الوطنية وقيادتنا السياسية أبدَ الدهر.
----------
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر