ندرك ما تقوم به القيادة السياسية المصرية من جهود دبلوماسية متواصلة ومضنية على مدار الساعة إزاء ما يتعلق بالشأن المصري وتحسين وتطوير العلاقات في كافة المجالات، وبالأحرى ساهم ذلك في تحقيق إنجازات يصعب حصرها، ويأتي في مقدمتها إبراز دور مصر المحوري في شتى قضايا المنطقة؛ نظرًا لثقلها الاستراتيجي على مر التاريخ، ولما تتمتع به جغرافيتها من خصائص، وما تتحلى به القيادة السياسية من قيم نبيلة في التعامل مع الطرف الآخر، بما تأكد للجميع أن المصداقية والشفافية في القول والفعل يشكلان النبراس الذي يضيء صورة الدولة ويكسبها التقدير والاحترام، ويحفز الجميع على أن يتعامل مع مؤسساتها بطمأنينة وارتياح عند تبادل المصالح فيما بينهما.
وتكمن عبقرية الدبلوماسية الرئاسية المصرية في مواقفها الثابتة والتاريخية والتي لم تتراجع عنها رغم التغيرات والتحديات الإقليمية والعالمية، قناعة بأن شرف الكلمة أحد معايير التعامل الصادق، وأن ماهية التقدير الدولي من قبل الشعوب والحكومات مرهون بهذا الثبات المشرف؛ فما يتخذ من قرارات تخص الشأن المصري تبدو مدروسة وتشاورية، ولها عمق استراتيجي ينسدل من مصالح الدولة العليا، التي أخذت على عاتقها رسالة السلم والسلام، وفي هذا المسار سلكت سبيل النهضة والازدهار للارتقاء بالوطن والمواطن في آن واحد.
إن تجنب الدبلوماسية الرئاسية التدخل في شئون الدول، والتركيز على تعضيد أطر التعاون والشراكة في المجالات الاقتصادية المختلفة، والحرص على التبادل القائم على المنفعة المشتركة، يؤكد على صدق توجهات واتجاهات الدولة، ومن ثم يحالفها التوفيق والسداد فيما تقوم به من ممارسات على الساحة الدولية، ويعزز مواقفها لدى الجميع دون استثناء في كافة المحافل الدولية، وهذا يشير إلى دلالة مهمة أن مصر العظمى تحمل الخير للجميع؛ فحضارتها وتاريخها المشرف خير شاهد على ذلك، وقيادتها السياسية تربت على الشرف والإخلاص وحب الجميع، بل والبشرية جمعاء دون استثناء.
وحري بالذكر أن سعى الدولة المصرية لبناء علاقات مع الدول الأخرى في عهد القيادة السياسية الرشيدة يبرهن على نجاح الجهود الدبلوماسية المقرونة بالمصداقية والشفافية والشرف؛ فلم يكن هناك قضية دولية في العالم؛ إلا وكانت الدولة المصرية في القلب حاضرة، وهذا الأمر مكن الدولة من أن تقوم بمهمتها الرئيسة المتمثلة في التنمية المستدامة لمجالاتها كافة؛ فكان في المقدمة مشروعات تنموية عملاقة حفزت وشجعت الكثير من الدول تجاه عقد شراكات وتعاون تجاري واستثماري وصناعي وزراعي وتقني، بما يزيد من تبادل المصالح ويقوي العلاقات مع الدولة المصرية، بل ويجدد الروابط على المستوى الثقافي والحضاري والمجتمعي.
ولقد رأينا عبقرية الدبلوماسية الرئاسية جلية في عدم تبعيتها للسياسات التي تقوم على مصالح ضيقة، أو تعمل وفق سياسة الاستقطاب، ومن ثم حرصت قيادتنا السياسية الحكيمة على أمر رئيس، تمثل في توازن العلاقات الخارجية؛ فلم يسبق لها أن استجابة لأي صورة من صور الاستقطاب لدول كبرى، بل في كل موقف من المواقف الدولية أظهرت رجاحة العقل وأكدت على صدق النوايا، وتمسكت بالنسق القيمي الذي تؤمن به، وهذا سر عبورها من الأنفاق المظلمة بكل سلامة وقوة؛ فسياسة التهور والتعصب والانفعال والاندفاع لم ولن يكون منهجها الذي تتبناه.
إننا نعي تمامًا أن قوة الدولة الاقتصادية توفر لها مقومات الاستقرار في شتى مجالاتها؛ لذا حرصت قيادتنا السياسية على التنمية على مر عقد من الزمن، بصورة متواصلة رغم التحديات حينها؛ إيمانًا بأن قطار النهضة والنماء لا يتوقف مهما بلغت الأسباب؛ لذا توجهت الأنظار الخارجية بقوة إلى الدولة وما بها من فرص استثمارية يمكن أن تقتنصها في ظل أمن وأمان ومقومات تسهم في التنمية الاقتصادية في كافة ربوعها؛ فهذا هو التقارب التركي والبرازيلي الذي شهدناه في يومين متتالين تجاه تعظيم أشكال التعاون المشترك في العديد من مجالات التنمية، مما يؤكد أن الدولة المصرية بوابة الشرق الأوسط تشكل أهمية قصوى للعالم بأسره، وبدون شك يعزز في نفوسنا حبنا وعشقنا لترابها، ويعمق الولاء والانتماء لدى الشعب العظيم الذي تحمل الكثير كي يحافظ على كيان هذه الدولة.
ومما لا شك فيه أن المناطق والدول التي يثار فيها الرعب والفزع، وتدار برحى الحروب والاقتتال، تؤصل للكراهية والبغض لجيل تلو جيل، وتورث النزاعات والصراعات المسلحة وتحث عليها، وتعضد للعصبية والعنصرية، ولا تحمل رؤى مستقبلية بعيدة المدى؛ فنظرتها ضيقة تتطلع لمكاسب آنية، ولا تدع للاستقرار والأمان منزع قوس، ولن يكون للعدل والمساواة مكانة في قاموسها وتاريخها الذي يزول بأيدي أنصارها من متعصبين ومتغطرسين وأصحاب العقول المريضة؛ فركيزة نهضة الأمم تقوم على الأمن والاستقرار المشفوع بالتسامح والسلام؛ فالجميع له حق الحياة على أرض أوجدنا الله عليها بغية العمل سويًا على إعمارها.
وفي هذا المقام لا يسعنا إلا أن نقدم باقة شكر وامتنان لقيادتنا السياسية على إدارة المشهد المعقد بعقلانية واتزان، ومن ثم نصطف بكل فخر وشرف وحب خلف هذه القيادة صاحبة الرؤى الثاقبة والفكر المستنير الذي أبهر العالم بعبقرية دبلوماسية لا نغالي إذ نقول أنها تفوقت على دبلوماسيات دول العالم المتقدمة منه وغير المتقدمة، ونشكر الله تعالى على أن رزقنا مثل هذا الرجل الذي عبر بمصر لبر الأمان، وجنبها ويلات الصراع والنزاع، ونسأل العلي القدير أن يوفقه في استكمال مسيرة البناء والنهضة؛ فتلك إرادة الشعب العظيم، وأن يجري الخير على يديه الكريمتين الوضاءتين.. ودي ومحبتي.
حفظ الله شعبنا العظيم ومؤسساتنا الوطنية وقيادتنا السياسية أبدَ الدهر.