ربما تبدأ الحكايات هكذا دائما شخص يرى فى نفسه ذكاء فى الخطاب والإقناع، ويحول ذلك الذكاء لخدمة فكرة تطرأ فى ذهنه، وتكبر الفكرة لدرجة أنها تصير مذهبا.
هكذا كانت الفكرة التى خرج بها حسن الصباح من مصر مطرودا على متن سفينة الإفرنج فى صبيحة أحد أيام عام 1081م متوجها إلى بلاد المغرب العربى، قبل أن تغرق السفينة وتنقذه مصادفة إحدى السفن العابرة المتوجهة إلى سوريا، ليبدأ من هناك رحلته فى نشر فكرته التى تقوم أساسا على العقيدة الإسماعيلية، بعد أن تخلى عن عقيدته الإثنى عشرية التى ورثها من أسرته.
ولد الصباح فى مدينة قم معقل العلوم الشيعية عام 1037م، لأسرة تعتنق الإثنى عشرية، قبل أن تنتقل الأسرة فى طفولته إلى مدينة الرى مركز نشاط الطائفة الإسماعيلية، وفى سن السابعة عشر انتقل إلى القاهرة ليتلقى علومه فيها بعد أن اعتنق الإسماعيلية الفاطمية، حتى التقى بأحد الرفاق «حسب تعبيره وهو لقب يطلقه الإسماعيليون على أنفسهم تمييزا لهم عن باقى الناس»، فبدأ فى تغيير اتجاهه نحو الباطنية النزارية مما ألب عليه بدرالدين الجمالى القائد الفاطمى فأمر بطرده من مصر.
وعبر محطات متعاقبة لهذه الدعوة وصل إلى امتلاك قلعته الشهيرة «ألموت»، حيث تبدو قصة امتلاكه لها ذات دلالة واضحة على طريقة عمله، حيث بدأ بالتقرب إلى مالك هذه القلعة بالدعوة، معتمدا على ميله إلى التدين، مما يجعله يفتح له المجال لنشر دعوته فيكثر الأتباع، أولئك الذين يضمن ولاءهم الكامل وحين يطمئن إلى تبعيتهم، يبدأ فى الاستيلاء على ذى المجال ليظهر وجها جديدا، وهو ما يعتقد حدوثه بالترتيب ذاته، فحين ضمن حسن الصباح كثرة أتباعه داخل القلعة وشدة ولائهم، أمر صاحبها بالخروج منها، وهو ما ظنه الرجل مزاحا فى البداية غير أن الصباح أسفر عن جديته، وأمر أتباعه بحمله إلى خارج القلعة، ويقال إنه دفع إليه ثمنها ثلاثة آلاف دينار ذهبى بعد أن طرده منها. كانت القلعة هى الخلية الأولى لدولة حسن الصباح، حيث بدأ منها حملاته التى توسعت إلى قلاع أخرى فى المنطقة نفسها جنوب قزوين وشمال طهران، حيث كان يرسل حملاته للاستيلاء بالحيلة والدعاية على القلاع الأخرى، فإن لم يستجب أهلها أعملوا فيهم القتل والتنكيل، حتى تمكن من الاستيلاء على منطقة رودبار بكاملها وظلت تحت حكمه مدة حياته داخل القلعة، التى لم يخرج منها طوال خمسة وثلاثين عاما حتى وفاته.
فى عام 1092 بدأ الصباح استراتيجية جديدة فى العمل عن طريق الاغتيالات السياسية الكبرى، حين نفذ اغتيال الوزير نظام الدولة عن طريق أحد أتباع الطريقة الباطنية الذى تنكر فى زى رجل صوفى، وكان هذا أول ظهور لمصطلح «فدائى» الذى كان يطلقه الباطنيون على من ينفذ الاغتيالات، وكانت هذه الواقعة بداية لنظام عمل كامل انتهجه الصباح للقضاء على من يراهم أعداء له فيما بعد.
توفى الصباح وفاة طبيعية فى قلعته فى مايو من عام 1124م، وخلف وراءه اتجاها ومنهج عمل يقوم على الاستمالة الدينية أو العنف كبديل، ويهدف إلى نشر دعوته التى رآها هى الأكثر صلاحية لاستقامة العالم حتى لو رفض هذا العالم دعوته.
وبطبيعة الحال فقد اشتهر الصباح شهرة كبيرة بعد أن ادعى الرحالة الإيطالى ماركو بولو أنه قد زار قلعة ألموت، وأطلق على طائفته التسمية الأشهر وهى «الحشاشين».
غير أن التسمية بها من الإشارة والدلالة الكثير، فسواء كان الصباح يستخدم المخدر الحقيقى فى السيطرة على أتباعه وإيهامهم بأنه قادر على منحهم الجنة أو بعضا من مظاهرها فى قلعته فى مقابل تنفيذهم أوامره حتى لو أدت لموتهم، أو أنه كان يستخدم نواعا آخر من السيطرة العقلية المعتمدة على الاستمالة القلبية بالحجة والعاطفة، ليصبح الفدائى «حسب تعبيره» منقادا بصورة تامة لأوامره، فلا يمكن التأكد من صحة أى من القصتين، لكن المؤكد أن هذه الطريقة كانت بداية لمنهج واضح فى التعامل سياسيا مع فكرة الدين واستغلالها فى خلق أتباع يسمعون ويطيعون الإمام القادر على رؤية ما خلف الظواهر، وينفذون أوامره أيا كانت، حتى لو تعارضت مع رأى المنفذ، وهى الطريقة التى ربما استغلها الكثيرون ممن يعملون بالطريقة نفسها، الذين تظهر أهدافهم فيما بعد، والأمر ليس مقصورا على الدين الإسلامى بل هو منهج كل من حاول استغلال الدين من أجل الوصول إلى أهداف سياسية.
وعلى الرغم من طرافة تسمية الحشاشين، وربما بعدها عن الوقائع المروية فى كتب التاريخ، فإن فكرة تغييب العقل لصالح رؤية واحدة يبثها الإمام أو من يمثله فى عقل أتباعه لكى يصبحوا أدوات لتنفيذ أهدافه حتى لو خرجت عما هو معلوم من عقيدتهم بالضرورة كالقتل واغتصاب الأملاك والألعاب السياسية كافة، على الرغم من كل ذلك سيبقى فى قصة الحشاشين مجال مهم لدراسة كيفية استغلال الأفكار الدينية للذهاب بعيدا عن المقاصد الأهم للدين، وتحقيق أهداف خفية، لا يمكن لها أن تتحقق إلا بتغييب العقول.