مها عبد القادر

الأمن القومي المصري في بُعْدِهِ الثقافي

الجمعة، 02 فبراير 2024 03:15 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يُعد الأمن القومي المصري في بُعْدِهِ الثقافي غايةً في الأهمية؛ إذ يشكل الفرد هويته من خلال الأدب والفنون والعلوم والتراث واللغة والعادات والتقاليد، والقوانيين، والأعراف، وهذا في مجمله يعبر عن الثقافة، ومن ثم فالعلاقة بين المكون الثقافي والانتماء الوطني وطيدةٌ وتؤثر على الأمن القومي تأثيرًا مباشرًا؛ ونظرًا لعمق أغوار الثقافة المصرية نجد أن هوية المصريين متجذرةٌ، ومهما اختلطت بثقافاتٍ أخرى، نلاحظ أن خصوصيتها متفردةٌ وتستطيع أن تستوعب سائر الثقافات المختلفة.
 
وحري بالذكر أن التراث الثقافي المصري وما يتضمنه من مكونٍ مميزٍ وفريدٍ ونادرٍ له دورٌ في التنمية السياحية ومن ثم تُعد رافدًا من روافد الاقتصادي القومي؛ حيث إن مقصد المزارات السياحية في ربوع مصر تقوم على مطالعة السائحين للثقافة المصرية في عصورها المختلفة بدايةً من العصر الفرعوني وانتهاءً بالعصر الحديث، ناهيك عن اللمسات التطويرية التي قامت به الدولة المصرية في الآونة الأخيرة بفضل توجيهات القيادة السياسية للحفاظ علي التراث الثقافي والهوية وتنشيط السياحة المصرية.
 
وبلادنا صاحبة التاريخ والجغرافيا نطمئن بأنها بلاد العزة والرسوخ؛ فتلك البلاد حوت الحضارات المتعددة والمتعاقبة على مر تاريخها؛ حيث كانت مهدًا للحضارة الفرعونية، وحاضنةً للحضارة الإغريقية والرومانية ومنارةً للحضارة القبطية، وحاميةً للحضارة الإسلامية، وعبر تلك الحضارات تأصلت ثقافتها وكان للأمن والأمان بها المكانة الأولى التي وفرت المناخ الداعم لازدهارها؛ فقد استطاعت أن تحافظ على فنونها وعمارتها التي أذهلت وحيرت العالم بإبداعها وتفردها حتى وقتنا هذا.
 
والمطالع لبحور الثقافة المصرية الراسخة يجد أنها تؤكد على ماهية وأهمية وكيفية تعضيد أطر التواصل بين الشعوب، بل وبين الشعب وحُكامه، كما تعبر بصورةٍ جليةٍ على صورة الاندماج الاجتماعي الرائعة في مكونها بين أطياف المجتمعات، ويدل هذا على أن المواطنة المصرية لها عمقٌ تاريخيٌ أصيلٌ؛ فمن خلالها حافظ المصري على مقدراته، وهو موروثٌ نعيشه ونعايشه ولا نتقبل بتبديله أو تغييره مهما تغيرت الأحداث وتبدلت الظروف، ومن ثم فالأمن القومي المصري في بُعده الثقافي نجد أصوله وأركانه ممتدةٌ عبر تاريخ الدولة العريقة؛ فيصعب النيل منه أو محاولة إضعافه مهما تطورت آليات الهدم وفنونه.
 
إن الدولة المصرية العظيمة بشعبها صاحب الميراث الخالد وفق الثقافة السائدة والمؤكدة في الوجدان تؤدي وظيفتها الرئيسة والمتمثلة في حماية الهوية الوطنية، والمنوط بها حماية الدولة من كافة التهديدات، بل وتنمية مقدرتها على مواجهة التحديات بكافة تنوعاتها؛ لذا فالدولة المصرية تثق تمامًا في شعبها صاحب التاريخ، الذي يصطف دومًا في وقت المحن، ويساند في وقت العوز، ويجول ويثور عند مواجهة العدوان بكافة صوره ليحافظ على أمن وسلامة دولته ووطنه.
 
وللدولة المصرية دورٌ واضحٌ في تنمية الجانب الثقافي لدى أبناء الشعب العظيم؛ فهناك دعمٌ متواصلٌ ومستمرٌ لكافة فنون الثقافة المصرية؛ حيث تقديم الدعم المادي والمعنوي للقائمين على رفعتها من فنانين ومبدعين وأصحاب الفكر المستنير، ومن لهم المقدرة على صناعة المعلومات المرتبطة بالإنسانيات التي ترفع من قيمة المجتمع وتعلى من قدره، وعلى أرض المحروسة وتحت رعاية الدولة تقام العديد من الفعاليات والمهرجات والاحتفالات الثقافية التي تزيد من الالهام، وتعزز من المواطنة لتاريخٍ يستحق نشره وسبر أغواره.  
 
وها نحن نرى قيادتنا السياسية تولي الحضارة المصرية القديمة وجميع الحضارات والثقافات بالغ الاهتمام؛ حيث وجهت ورعت كافة أعمال التطوير للمناطق الأثرية في ربوع الوطن الحبيب من (متاحفٍ ومعابدٍ ومساجدٍ وأديرةٍ وغيرها)، كما تم التوجيه بنقل بعض هذه الأماكن الأثرية وما تحويه من مقتنياتٍ عزيزةٍ وغاليةٍ بغية الحفاظ عليها، وما شاهدناه في محفل نقل المومياوات الملكية من المتحف المصري القديم بميدان التحرير إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بمنطقة الفسطاط؛ فقد رأي العالم بأسره عظمة الموكب الفريد وعظمة ملوك الدولة المصرية والمظهر اللائق بهم، وهذا لا ينفك البتة عن واقعنا الحالي والمشرف؛ فمن يهتم بماضيه يحتفي بحاضره وينظر دومًا لمستقبله المشرق بعينٍ تملأها التفاؤل والعزيمة والأمل.
 
وإيمان الدولة المصرية بأن الثقافة من مقومات الأمن القومي يتأتى من مسلمة امتلاك الشعب العظيم لوجدانٍ قائمٍ على مواطنةٍ صحيحةٍ تساعده في أن يحافظ على تراثه الثمين ويعتز ويفتخر به؛ فالعالم يشهد بأن الاهتمام بالحضارات تقاس بمقدرة الدولة في الحفاظ على عمق التاريخ وأصالة المعدن، ومقدرة الشعوب على التحمل؛ لتواصل نهضتها وتقدمها وازدهارها في شتى المجالات.
 
ونود أن نشير إلى ما تبذله مؤسسات الدولة الوطنية من جهودٍ في الحفاظ على تراثنا الثقافي ومقدراتنا التاريخية على الأراضي المصرية والعمل الدؤوب تجاه تطويرها لتتناقلها الأجيال تلو الأجيال؛ فهي تحمل رسالة الولاء والانتماء والفخر والعزة والكرامة لوطنٍ يسكن في العقول القلوب وتهفو له الروح، حفظ الله بلادنا العريقة الحرة الآبية وتاريخنا الغني الثري الفريد فخر كل مصريٍ على مر الأجيال.
__________
أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة _ جامعة الأزهر
 
 
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة