يتأتى الإيمان بالنظام العالمى من هدفه السامى، والذى يبدو فى مقدرته على فرض حالة السلم والسلام والأمان والاستقرار على ظهر البسيطة؛ حيث يعمل على إضفاء جودة الحياة من خلال تحقيق العدل والمساواة بين بني البشر، ونبذ كل صور العنصرية وما قد يؤدي إلى الفرقة، أو النزاع، أو الصراع، أو الصدام، أو الاقتتال؛ لتسود حالة من الطمأنينة التي تخلق مُناخًا داعمًا للإعمار، ومن ثم تنمو المحبة والتواصل والتعاون والتبادل في المنافع بصورها المختلفة، والاتحاد ضد كافة التحديات التي تلقى بظلالها على كوكبنا في قطبيه وكافة اتجاهاته.
إن ما تستحقه أجيالنا التي نكابد من أجل أن نوفر لها مقومات التنمية الفكرية والمهارية والوجدان الراقي، يتمثل في عالم يمتلأ بالقيم الإنسانية التي أضحت الملاذ الرئيس للخروج مما نحن فيه من صور شكلت في الأذهان أن الروح تكمن قيمتها عند من يمتلكها ومن يعنيه أمرها فقط؛ فإذا ما أزهقت لأي سبب أو بأي مسبب لا تحرك ساكنًا في سائر نفوس بني البشر، وهذا له دلالة خطيرة تشير إلى أن الحياة مستحقة للأقوياء، وأن الضعفاء لا مكان لهم فيها، وإنما خلقوا ليضحوا من أجل الذين يمتلكون القوة بصورها المتباينة.
ولغة العقل والمنطق تؤكد على أن السعي الحثيث تجاه تحقيق النهضة والبناء والإعمار في الأرض يكون من أجل حماية وبناء ورفاهية الإنسان بشكل مطلق؛ حيث لا تحيز لأقاليم أو مناطق أو دول بعينها؛ فقد صار العالم قرية واحدة، وأصبح التنقل بين أركانه ميسورًا، وأمس الفضاء المفتوح ملك للجميع وليس حكرًا على أحد، وبدون شك يستشعر الإنسان بفطرته التي جُبل عليها ما يمر به غيره من محن وتحديات سواءً أكانت من فعل الطبيعية أم جراء ساحات الحروب والتناحر المسلح، ومن ثم يحاول صحيح العقل والقلب تقديم ما يمكنه من دعم لأخيه الإنسان بغض النظر عن المسافات الفارقة، أو المعتقدات، أو التباين الفكري والثقافي.
ويتسابق العالم أجمع تجاه تقدم علمي يُساهم في تحقيق مقومات الرفاهية وتلبية المتطلبات الآنية والمستقبلية ومواجهة ما ينغص على الإنسان صفوه ويقل من راحته، بل ويهدد وجوده، وهذا المسعى الحميد ينبغي أن يترك في نفوسنا تساؤل مشروع، يكمن في الخلد.. لماذا نوظف نتائج العلم في أطر الخراب والدمار؟؛ ففي الأرض متسع للجميع، ومبادئ العلم تقوم على الموضوعية والمصداقية والانضباط والأمانة وغير ذلك من نبل الممارسة التي يتحلى به من يصعد على ركابه.
ألا يترك ذلك أثرًا سلبيًا في نفوس أجيال المستقبل، ويدحض فكرة الإيمان بالنسق القيمي الذي تتبناه وترعاه المجتمعات، ويحد من مسارات التفاعل والشراكة في حماية كوكب الأرض من التحديات التي يتعرض لها؛ ألا يؤدي ذلك إلى فقد الثقة فيمن يتشدقون بالحريات وحقوق الإنسان، ويرمي بمزاعمهم أدراج الرياح؛ ألا يساعد ذلك في تبني مبررات مقيته من شأنها تحل للإنسان أن يسلك مسالك الشيطان ليحقق مآربه ولو على حساب غيره، بدون شك نرى أنه سقوط للهاوية للنظام العالمي بأسره في نفوس وأذهان أجيال تلو أجيال.
كي لا تضيع الفرصة؛ فإننا في أشد الاحتياج إلى إعادة بناء ثقة الإنسان في النظام العالمي؛ لنضمن جميعًا دون استثناء أو تمييز ديمومة التعايش السلمي؛ فالحياة لا قيمة لها ولا معنى لها بعيدًا عن مناخ آمن مستقر يخلو من الصراعات والكيل بمكاييل والظلم والقهر، والتعدي؛ فلسنا في احتياج لمؤامرات مقيته تستهدف القتل والاحتلال وتغييب العقول وتغليب لغة العنف وتوظيف الإرهاب بصورة المظلمة ليهدد كيان المجتمعات والدول، ويستوقف مسارات النهضة والتنمية المستدامة، ويعضد للرجعية والعودة لعصور الظلام.
لا ننكر حجم الإنجازات في كافة مناشط الحياة على الأرض، والتي خلقت فرصًا كبيرة للرفاهية والعيش وفق جودة لم يكن للعقل في القرون المنصرمة أن يتخيلها؛ فما حققناه ينبغي أن نحافظ عليه ونعظم من قدره، وهذا قطعًا لا ينفك عن إنسان يؤمن بأحقية الجميع في الحياة، وأن الوجود على الكوكب ليس أبديًا؛ فهو مرهون بموعد يعلمه رب السماوات والأرض، ومن ثم لا مجال للهدم، ومرحبًا بنظام عالمي تحكمه قوانين إنسانية غير مشوبة، تتسق تمامًا مع الطبيعية التي خلقنا الله عليها.
نحن نوقن أن الأرض مليئة بالخيرات من موارد طبيعية، ويمتلك فيها بنو البشر مقومات مادية قابلة للتطوير والحداثة بصورة مستدامة، ومن ثم يتوجب أن نعيد النظر في مراحل بناء الإنسان الذي سيتحمل مهمة إعمار الأرض عبر منظومة عالمية عادلة تجمع ولا تفرق، تحمي ولا تضير، ترعى ولا تتجاهل، تعمر ولا تخرب، تحدث تكافل ولا تهدر قيمة الإنسان وكرامته، تغيث ولا تستهين، تحاسب ولا تفرط، تقوم ولا تكسر.. ودي ومحبتي.
حفظ الله شعبنا العظيم ومؤسساتنا الوطنية وقيادتنا السياسية أبدَ الدهر.