يمثل وقوف الاحتلال الإسرائيلى أمام محكمة العدل الدولية سابقة تفتح الباب لعرض وشرح جرائم الاحتلال الحالية وحرب الإبادة التى تشنها قوات الاحتلال، مع إصرار وتربص لإنهاء حياة الفلسطينيين وحصارهم وتجويعهم وطردهم من أراضيهم، وهى ليست مجرد حرب عابرة، لكنها سياسة وسلوك إجرامى متواصل وممنهج على مدى عقود، وهذه المحاكمة فرصة لعرض وتوثيق جرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين ومخالفة القوانين الدولية والإنسانية، وأيضا كشف الانحياز الأمريكى المتواصل لحرب الإبادة، بما يجعل الولايات المتحدة شريكا فى الجرائم.
المرافعة التاريخية المصرية أمام المحكمة الدولية واحدة من أكثر المرافعات كشفا للجرائم ومنهجية السعى لإبادة الفلسطينيين على مدى عقود على مدى عقود.
المرافعة المصرية والمذكرات التى تم تقديمها للمحكمة أكدت اختصاص المحكمة الدولية للنظر فى المسألة، وإثبات الآثار القانونية الناشئة عن الممارسات الإسرائيلية باعتبارها قوة الاحتلال، وتناولت الآثار القانونية للممارسات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.
جاءت المرافعة التى قدمتها الدكتورة ياسمين موسى، المستشارة القانونية بمكتب وزير الخارجية، لتؤكد عدم شرعية ممارسات الاحتلال الإسرائيلى الممنهجة ضد الشعب الفلسطينى وحقوقه المشروعة على مدى 75 عاما ـ وهو أطول احتلال فى التاريخ الحديث ـ حيث تواصلت الممارسات الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين وسلب أراضيهم ومنازلهم، واستخدام ممنهج وعشوائى للعنف ضد المدنيين، فى ظل صمت وعجز المجتمع الدولى عن إنهاء الاحتلال.
أكدت مرافعة الدكتورة ياسمين موسى، استحالة تجاهل مسؤولية الأطراف الدولية عن تغيير الوضع الراهن، بعد أن تجاوز ضحايا العدوان على غزة 29 ألفا، ونقل وتهجير ما يقرب من مليونى فلسطينى قسرا، فى انتهاك صارخ لأحكام القانون الدولى، وفى ظل عجز مجلس الأمن عن وقف إطلاق النار، وأن الوضع الكارثى فى الضفة الغربية، من خلال التهجير والقتل وتوسيع الاستيطان وإجرام المستوطنين، وهدم المنازل، يمثل انتهاكا لأسس الشرعية الدولية بحل الدولتين.
المرافعة المصرية أكدت اختصاص محكمة العدل الدولية بمنح الرأى الاستشارى فى الممارسات الإسرائيلية، واستعرضت الآثار القانونية المترتبة عن الاحتلال الذى طال أمده بالمخالفة لقانون الحرب ومشروعية استخدام القوة، والآثار القانونية الخاصة بحظر الاستيلاء على الأراضى بالقوة، ومبدأ حق تقرير مصير الشعوب، وحظر العنصرية والفصل العنصرى، كما فندت مزاعم تبرير الإبادة باستخدام مبدأ الدفاع عن النفس.
المرافعة المصرية كما أشار المتحدث باسم الخارجية السفير أحمد أبو زيد، استندت لسوابق أحكام وآراء المحكمة الدولية، التى تؤكد انطباق القانون الدولى الإنسانى والقانون الدولى لحقوق الإنسان على ما يجرى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، ومبدأ عدم شرعية ضم الأراضى بالقوة، ورفض تهويد القدس، وانتهاك حق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره، وسبق تأكيد انطباق المبادئ القانونية بميثاق الأمم المتحدة ومعاهدة جنيف الرابعة على الأراضى الفلسطينية المحتلة، ومعها قواعد لاهاى الخاصة بقانون وأعراف الحرب، ومعاهدات حقوق الإنسان، خاصة الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصرى، وأيضا مبادئ القانون الدولى العرفى، وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأكدت مصر أن اختصاص محكمة العدل الدولية فى منح الرأى الاستشارى لدعم هدف حل الدولتين لإرساء ركائز الأمن والاستقرار فى المنطقة، والتوصل لحل عادل وشامل ودائم للصراع العربى - الإسرائيلى، وأن السبيل الأوحد لتحقيق الغاية هو إقامة الدولة الفلسطينية، متصلة الأراضى والقابلة للحياة، على خطوط ما قبل عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وشدَّدت مصر على ضرورة التزام المجتمع الدولى وفقا لمبادئ المسؤولية الجماعية، بوقف الانتهاكات الإسرائيلية الممنهجة لأحكام القانون الدولى، وعدم الاعتراف بأية آثار تنشأ عن ممارسات الاحتلال غير القانونية فى الأراضى المحتلة، سواء فى قطاع غزة أو الضفة الغربية، بما فى ذلك القدس الشرقية، وطالبت الأطراف الدولية بالضغط على إسرائيل للامتثال لمقررات الشرعية الدولية ذات الصِلة، واحترام أحكام القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى، ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
وقدمت مصر مذكرتين للمحكمة الدولية فى يوليو وأكتوبر 2023، كما ذكر السفير أحمد أبو زيد المتحدث باسم الخارجية، وأنهما مع المرافعة الشفهية التى تم إعدادها من جانب الفريق القانونى لوزارة الخارجية.
مرافعة مصر أمام محكمة العدل الدولية، مهمة للغاية، وتكشف بالتفصيل جرائم الاحتلال على مدى عقود، من خلال استخدام القوة وطرد الفلسطينيين من أراضيهم ومنع الغذاء والمساعدات عنهم، وأن الجرائم الأخيرة فى غزة بقتل الأطفال والنساء وسط عجز مجلس الأمن الدولى وإدانة الانحياز والشراكة الأمريكية فى الجرائم، واعتبار واشنطن متهمة معنويا مع الاحتلال الإسرائيلى، بالسلاح والفيتو.