«الوقتُ ليس مُناسبًا لوقف إطلاق النار».. هكذا عقَّب البيت الأبيض على تفعيله للفيتو ضد مشروع القرار الجزائرى فى مجلس الأمن، والعبارةُ فى معناها الخفىّ أن مُهلة الموت فى غزَّة لم تنفد بعد، وبعيدًا من كلِّ التعقيدات؛ فلا يمكن أن تكون مع الحياة والحرب فى وقت واحد، ولا أن تُقدِّم نفسك وسيطًا وضامنًا؛ بينما تعتمد لُغةَ طرفٍ وتقمعُ آلام الآخر، والولايات المتحدة تعرف يقينًا أنها تتصدَّر الجانب الخطأ، ولا تكتفى بأن تضع المنطقة بكاملها فوق برميل بارود؛ إنما تُغامر بتعريض مصالحها المُباشرة للخطر، على الأقل من زاوية فقدان ثقة الحلفاء، وتكريس حالة التوجُّس من نزوات الإدارة الأمريكية، بين انحياز طاغٍ لإسرائيل، ورقّة ظاهرة مع رأس المحور الشيعى، وكلاهما يتربَّح من الاحتدام الراهن، ويستثمر فى تقويض أمن الإقليم بغرض ترسيم حدود ومُعادلات توازن جديدة.
المسوَّدة الجزائرية طالبت بإسكات البنادق، وما دون ذلك تفاصيل يمكن الاختلاف فيها، والمجلسُ انحاز للصيغة المُقترحة بأغلبية ساحقة؛ لقد صوَّت بالإيجاب ثلاثة عشر عضوًا، وامتنعت بريطانيا فيما يُشبه الدعم لا الرفض، إذ يُمكن اعتبار الصمت فى حالة الدول دائمة العضويّة بمثابة نصف مُوافقة أو أكثر، واشنطن وحدها وقفت ضد الجميع، وعلى خلاف المرَّتين السابقتين؛ فإن الحرب ليست فى أوَّلها ولا الفوضى حاكمةً كما كان فى أكتوبر، كما أن مفاعيل الهُدنة وأحلام تجديدها أقلّ ممّا كانت عليه خلال ديسمبر، فى الجولة الثانية كان التصويت مُطابقًا لأحدث نسخة، وفى الأولى قلَّ المُوافقون وزاد المُمتنعون واحدا؛ لاعتراض روسيا على ما اعتبرته مُواءمةً رمادية غير صريحة فى مشروع البرازيل، والخلاصةُ أن العالم على قسمته المُبكِّرة منذ خمسة أشهر: الجميع تقريبًا فى صف الضحايا، وأمريكا بمفردها إلى جانب الجُناة، وميزان البيئة الأُمميّة المُختل يُهدر حالةَ الإجماع الأخلاقية، ويُلطِّخ وجه الضمير والقانون بانحراف عضوٍ واحد.
أدانت حكوماتٌ عدّة ما اعتبرته تقويضًا للعدالة واستقامة النظام الدولى. وأصدرت الخارجيةُ المصرية بيانًا حادّ اللهجة عن العجز المُتكرِّر لمجلس الأمن؛ صحيح أنها أشارت للإدارة الأمريكية ولم تُدِن موقفَها صراحةً؛ ربما لاعتبارات الشراكة فى مُداولات التهدئة وسَعيًا لتقويم المواقف بوسائل غير الصدام؛ لكن الرسائل تذهب حتمًا إلى صناديق البريد الموصوفة، لا سيّما أن الأصابعَ كلَّها تعرف اتجاه الطرف المسؤول وتتركَّز عليه، وبينما استبقَ موقفُ القاهرة مُرافعتَها المُحدَّدة سلفًا أمام محكمة العدل الدولية، فى سياق طلب الجمعية العامة فتوى بشأن الآثار القانونية للاحتلال، وسياسات التمييز والاستيطان وضَمّ الأراضى؛ فإنّ ما وضعته مصر فى مُذكّرتها المكتوبة، وما ينطق به فريقها فى المُرافعة الشفوية، إنما يُكملان المعنى المُراد تثبيته فى البيان. إنَّ إسرائيل ما توحَّشت إلَّا لإقعاد المُؤسَّسات الأُمميَّة عن التصدِّى لجنونها، وما كان ذلك مُمكنًا لولا استبداد واشنطن بالعالم وحَرْف بصرها عمدًا عن المظالم العادلة. وإن كانت المسؤولية الجنائية لصيقةً بصاحبها؛ فإن عبئها المعنوىَّ يقع على آخرين معه، بقدر ما يصمتون أو يتحدَّثون بمقالٍ لا يوافق المقام.
اعتبر البيانُ المصرى أن السباحة فى دماء 29 ألف مدنى «سابقة مُشينة»، انطلاقًا من التزامات مجلس الأمن إزاء النزاعات المُسلَّحة، وأدان الانتقاءَ والازدواجية الدوليين بما يُشكِّك فى آليات المُنظَّمة وصِدقيّتها، وشدَّد على مُواصلة الدعوة لوقف النار ورفض أية إجراءات تدفع نحو التهجير، لا سيما التلويح بعمليةٍ برّية فى رفح. بينما برَّرت المندوبة الأمريكية ليندا توماس جرينفلد موقفَ بلادها المُخزى، بأنَّ طرحَ القرار ربما يُطيل أمدَ الصراع، وادّعى مُتحدِّثو الإدارة أنه يُعرِّض مُحادثاتٍ حساسةً للخطر. كأنَّ السيد بايدن وفريقه لا يكتفون بإخراج الأرنب من القُبّعة على طريقة الحُواة وسحرة الأيدى الخفيفة، بل يسعون لإجبار الجميع على التسليم باللعبة، وأنها تتجاوز الخداع البصرى. فيصير استمرار المعركة الماثلة فى عُرفهم مسارًا ضروريًّا نحو إيقافها المأمول، وتكبيل الضحايا بالسياسة والقانون والسلاح الجائزةَ المطلوبةَ لترويض القتلة؛ كما لو كانوا يرعون حبكةً درامية لن تهدأ قبل التصعيد، وليست حربًا داميةً تتعقَّد كلما تأخّرت جُملة النهاية.
تبدو العلاقةُ الأمريكية الإسرائيلية شديدةَ التعقيد، كان الصهاينة قد تحصَّلوا على تذكرةِ الدولة من الإمبراطورية البريطانية قبل أُفولها، وخاضوا الحرب العالمية الثانية إلى جانبها؛ فعزَّزوا مواقعهم فى الأرض الجديدة وضاعفوا تأهيل عصاباتهم. وبعدها نقلوا الرهان إلى واشنطن؛ وبدورها وجدت فيهم أداةً صالحةً للتوظيف فى سرديَّتها التالية للنصر، وقد صارت قُطبًا مُهيمنًا، وعليه مهمّة الوجود فى كلِّ الساحات بالأصالة أو الوكالة. فى الظاهر كأنهما يتبادلان المنفعة: الولايات المتحدة ترعى حلمَ اليهود، وهم ينوبون عنها فى الشرق بكلِّ ما فيه من تعقيدٍ وغرام بإنتاج الفوضى والحروب. وعمليًّا ربما يكون الرباط أوثق؛ إذ يرى الأمريكيون أنفسهم فى التجربة، وتتَّخذهم إسرائيل قدوةً ونبراسًا فيما يخصّ فكرة الاستيطان الإحلالى، وقد افتتحوها بإبادة السكَّان الأصليين، وتذويب الذين تبقَّوا منهم فى بوتقة الأُمَّة المُجمَّعة من أخلاط العالم، وإن كان القاسمُ هناك فى الحلم الليبرالى والقوَّة المُفرطة، فقد استبدلته الصهيونية بصيغةٍ قوميّة مُشوَّهة، أحلَّت الدينَ بدلاً من العرق والثقافة والتاريخ المُشترك، وبمعنىً ما؛ يُمكن القول إن إسرائيل ولادةٌ أمريكية ثانية، أو إن الولايات المتحدة نسخةٌ مُستقبلية ممَّا تتمناه الدولة العبرية.
المسألةُ فى أوروبا تختلف كثيرًا، ذاكرةُ القارة لم تبرأ ممَّا جناه اليهود، وقد مُورِست عليهم عمليةُ ابتزاز تحت لافتة المسؤولية الأخلاقية وعُقدة الذنب. ولم تكن واشنطن بعيدةً من الأمر؛ إذ وظَّفت فائضها الوصائى على حُلفائها وأعدائها الأوروبيين، وورشةَ التقويم والإعمار التى افتتحتها بالمُحاكمات النازيّة وخطَّة مارشال وما بعدهما، فى تثبيت امتيازات الحركة الصهيونية وتقوية ظهيرها السياسى. ومن مفاعيل ذلك أنّ العواصمَ المُنكسرة والتابعة على السواء، وجدت فى الديون الاضطرارية فرصةً للخلاص من عبء جماعةٍ انغلاقيّة مُدمنة للتآمر، وضمانًا ضد عودتها لاستعمار بيئتها الاجتماعية ونَخر شوارعها الخلفية. لكنها ظلَّت مُوزَّعة بين الفائدة السياسية والالتزام الإنسانى؛ إذ تعذَّر عليها أن تُقاطِع تُراثَها الفكرى وقُيودها الأخلاقية، فسارت على حرفٍ بين الحياد والانحياز: تدعم تل أبيب؛ اقتناعًا أو نزولاً على إرادة الأمريكيين، وتدين بعضَ مُمارساتها أحيانًا أو تُصوِّت لصالح الفلسطينيين؛ أو بالأحرى لصالح العدالة والضمير.
أمَّا ما تنحطّ إليه المواقف الأمريكية؛ فإنه يستبقى الصراعَ عند ذروته المُشوَّهة، ويُغيِّب فُرصَ التسوية رغم ادّعائه العمل لأجلها؛ فضلاً على إشاعة مناخ التوتّر ووَضع المنطقة فى عين العاصفة، رسالةُ التصويت فى مجلس الأمن أنها لا تنشغل بصورتها الدولية، وأن التهدئة لا يمكن أن تكون إلَّا على شَرط إسرائيل، وإذ تفرد عليها غطاءَ السياسة وتُذخِّر سلاحَها بالنار الحارقة؛ تُسوِّق نفسَها على صورة الوسيط النزيه والضامن الأمين، ولا تتوقَّف أمام كُلفة التناقض التى تستفز تل أبيب بالنقد النادر والتلويح المُتقطِّع بحلِّ الدولتين، دون أن تُقنِع فلسطين ودُولَ الاعتدال العربية باستقامتها، أو تُثمر أثرًا حقيقيًّا مُنتجًا على طريق التهدئة الظرفية أو التسوية النهائية. تُقدِّم واشنطن نُسخةً سياسية وقانونية من العدوان؛ فإذا كانت الحرب الدائرة لا تماثليّةً فى هيكلها وتوازنات قوَّتها، فحرب الإسناد الأنجلوساكسونى تشتعل بالكيفية نفسها: هيمنةٌ كاملة على السرديَّة بآليات النظام الدولى، وتطمينات لا تتناسب مع الشراسة فى مُؤازرة الاحتلال. والصيغةُ الحالية يستحيلُ أن تقودَ لاتفاق؛ طالما المُتسيِّد فى ساحة القتال يتقدَّم فى ميدان الدبلوماسية أيضًا.
يقولُ بايدن إنهم لا يسعون لتوسعة الصراع، ويُدير مُفاوضاتٍ ماراثونية مكتومة مع إيران وأذرعها، ويُنسِّق الردودَ بما يصون قواعدَ الاشتباك ويُقلِّص مخاطر المُواجهة الشاملة. لكنَّ فلسفة الفصل بين غزَّة وبقيّة الساحات لا تبدو فعَّالةً تمامًا؛ لأنها تُحاول أن تُحاصر الميليشيات الإقليمية بينما تستثمر فى فوضى القطاع، والأخيرةُ ورقةٌ ذهبية بالنسبة لمحور الممانعة، لقد قرَّرت حكومة نتنياهو أن تُقيِّد الوصول للمسجد الأقصى فى رمضان، ويبدو أنها تتحضَّر لاجتياح رفح بالتزامن مع موسم الصيام. لا يُهدِّد ذلك بتأجيج مشاعر المسلمين فى كلِّ مكانٍ فقط، حتى بين المجتمعات الهادئة وغير الممسوسة بالأيديولوجيا الأُصوليّة؛ إنما يُحرج حُلفاءَ الفصائل من الجماعات المُسلَّحة وقيادتها المذهبيّة، ومع الإحراج يفتح لها مسارًا لتكثيف الرسائل المُتبادَلة؛ طمعًا فى تخليق اتّفاق مُرضٍ، أو انتظارًا لطاولة الحوار ما بعد الوصول لهُدنةٍ مُؤقّتة أو دائمة. الغربُ على دعمه غير المشروط، والاحتلال لا يتكبّد أعباء نزواته بأية درجة عادلة، وما يُفصح عنه ائتلافه اليمينى الحاكم أنه يتحرَّك تحت سَقف الانفراد بالغزِّيين، ولا تغيبُ عن خياله فكرةُ تسخين الإقليم، إمَّا لفرض إرادته الكاملة فى فلسطين، أو لاستدعاء الولايات المتحدة بكامل عتادها فى الجوار القريب.
ظلَّت المُناوشات عند الخطوط اللبنانية تحت السقف المُتفَق عليه لأربعة شهور؛ لكنها تطوَّرت مُؤخّرًا حتى طالت قضاء صيدا على بعد 50 كيلو مترًا؛ وهو ما لم يحدث فى حرب 2006 نفسها، كان اغتيال القيادى الحماسى صالح العارورى فى الضاحية إشارةً إلى التجهُّز للابتعاد كثيرًا عن الخطِّ الأزرق وحدود نهر الليطانى، وفى استطلاع رأىٍ نشرته «معاريف» أخيرًا، انحاز 71% من الصهاينة لاتخاذ إجراء أكثر صرامةً مع حزب الله، أى للحرب، والظاهرُ أن «نصر الله» يضبطُ انفعالاته؛ لفَهمٍ خاص أو التزامًا بتوجيهات محوره، وفى كلمته الأخيرة قال إن نتنياهو يسعى لفتح جبهة الصراع وتكثيف نارها؛ لكن لا يمكن التنبؤ بالمدى الذى ينفد عنده مخزون «الصبر الاستراتيجى»، إنَّ ضبطَ النفس قد يُقابله الاحتلال بالتصعيد؛ لتحقيق مكاسب تكتيكية وتعديل قواعد الاشتباك، والردَّ المتكافئ ربما يُقدّم له هديةً تُيسِّر الانفلات وإشراك الأمريكيين فى اللعبة، وبينما ترى قيادةُ المُمانعة أن الصمت وامتصاص فائض الغضب يُحقِّق مصلحتَها ويُعزِّز مراكزها؛ فإن اليمين الصهيونى قد يزيدُ تحرُّشَه من أجل تغيير المُعادلة.
عندما تكون اللعبة القائمةُ ظالمةً أو شديدةَ الاختلال؛ فإمَّا أن تدفع لضَبطها أو تبتكر بديلاً مُغايرًا.. ليس فى وِسع الفصائل الغزِّية أن تُعيد كتابة دراما الإقليم؛ وقد صارت أضعفَ حلقاتها، وصُدِمَت بجنون العدوِّ وخذلان الصديق في الساحات المُوحَّدة، الإمكانية لدى نتنياهو والميليشيات الشيعية، وتقف واشنطن بينهما شُرطيًّا ومُقاتلاً: تتحدَّث لُغةَ الجوار المنضبط مع المُمانعين فى سوريا والعراق، ويجمعها رباطٌ وجودىّ مع إسرائيل، وما يُرضى كلَّ طرفٍ منها لا يقبلُه الآخر بالضرورة، وعليها أن تكون أكثر وضوحًا وحزمًا على الناحيتين. الترضية فيما لا يمسّ عصبَ القضية، والتهديدُ فيما يخصُّ الخيارات الفجَّة والمُقامرة بالمنطقة كلِّها، ولا تُوحى إدارة بايدن بأنها جادّة فى لَجم الجنون المُتبادَل؛ وكلاهما يستند على غزة: الأوَّل يُبيدها والثانى يزايد بها، والخروجُ الآمن لا يتحصَّلُ إلَّا برَدع القاتل وتصفية بضاعة التاجر.
لو سُحِبَت مُناورة الولايات المتحدة بشأن الحرب، على خطابها الدعائى عن «حلِّ الدولتين»؛ فسيكون الردّ المُتوقَّع فى مُهلةٍ وشيكةٍ أن الوقت غير مُناسب للتسوية، لقد قرَّرت أن يكون تبريد الصراع وفقَ تفضيلات إسرائيل، وبالضرورة لن تذهب إلى المسائل الدائمة إلَّا على شَرطها أيضًا. والاستخلاصُ الأخيرُ أنها تُقطِّع الوقتَ بالوساطة العابرة، والانحياز الدائم، وشعارات البحث عن فلسطين، تحت أنقاض الحروب التى لا تتوقَّف إلا لتبدأ من نقطة أعلى، ولو كانت النيَّةُ خالصةً لسَارت إلى الضغط على الاحتلال كما تضغطُ على الفصائل، ويكفى أن تُمرِّر قرارًا دوليًّا بوَقف النار وإن عطَّلت إنفاذَه لاحقًا؛ فالسوابقُ كلُّها أن القرارات تذهب إلى الأرشيف، ولا سبيلَ لفاعليّة مجلس الأمن سوى وضع مُقرَّراته تحت الفصل السابع، وهى فرصةٌ إضافية للمُناورة. أى أن تُلوِّح لتل أبيب بالقرار وتُطمئنها بتجميده؛ لكنها لا تريد هذا ولا ذاك. وبالتبعية لا تُريد دولةً فلسطينية؛ طالما قال الصهاينة إنهم يرفضونها، وكلّ ما يجرى ورشةٌ مفتوحة للعلاقات العامة وتبييض السُّمعة وخداع العالم.
ما عادَ مجلسُ الأمن كيانًا يُمكن الرهان عليه، ودعوةُ رئيس البرازيل لإصلاحه وشَطب مزايا الدول دائمة العضويّة لن تكون الأخيرة، إنَّ تغيُّراتٍ هيكليّةً مثل الحرب الأوكرانية والعدوان على غزَّة تُعيد طرح أمراض البيئة الأُمميَّة على الطاولة، وقد لا يتيسَّر تشخيصُها واقتراحُ العلاج فى المدى القريب؛ لكنها لن تظلَّ على فاعليتها القديمة التى وُظِّفت لفائدة الولايات المتحدة، وقد صارت أوَّلاً بين مُتساوين، لا قُطبًا مُنفردًا أو مُهيمنًا على تابعين، وربما لا يحتاجُ العالم رقصةً سافروً وفجَّة كالتى ترقصها واشنطن على جُثث الغزِّيين؛ ليقتنع بأن الصيغة القائمة باتت أوهنَ من البقاء عُمرًا كالذى عاشته، وأقلَّ مهارةً من عادتها فى تغليف الباطل بأوراقٍ مُلوَّنة وعبارات رنّانة. الولايات المتحدة صارت مُهرِّجًا عجوزًا فى سيركٍ خَرِب، والبقيَّةُ النادرة من الجمهور يتطلَّعون لفُرجةٍ مُغايرة أو فِرقةٍ بديلة؛ ولعلَّها مسألةُ وقتٍ قبل أن يشتعل المسرح الدولى؛ بما يتجاوزُ طاقةَ الإطفاء، ولا يُبقيه على ما كان.. ربما يُسَار للأفضل أو الأسوأ؛ لكنَّ الجمرَ سيعودُ لصِفته الفيزيائية المُجرَّدة، لا أن يكون حارقًا لفريقٍ وبردًا وسلامًا على آخرين.