بإعلان تفاصيل الصفقة الاستثمارية الكبرى، بشراكة مصرية إماراتية نحن أمام فرصة لضخ استثمارات خارجية وتوفير فرص عمل وتشغيل صناعات وشركات مصرية، بجانب أنها تتعلق بممر تنمية يضاف إلى ممرات أخرى، تمثل أجنحة محلية للتنمية، تضاعف من الثقة فى الاقتصاد، وقدرته على تخطى مرحلة إلى أخرى أكثر اتساعا.
ومن ميزات الأزمة أنها تفرض البحث عن حلول ومعالجات، وطرق للاستفادة من الإمكانيات والبنية الأساسية التى توفرت بجهد كبير على مدى السنوات الأخيرة.
على مدار عقود كانت مطالب خبراء التخطيط والتنمية تتركز على أهمية أن تتجاوز التنمية العاصمة والمدن الكبرى والوادى والدلتا إلى الأطراف، والصحراء الممتدة شرقا وغربا والتى تمثل فرصا لبناء مجتمعات قادرة على التوسع والبقاء واستيعاب الزيادة السكانية وإعادة توزيع السكان، وهى أفكار لم يكن ممكنا تحقيقها من دون وجود بنية أساسية من طرق وطاقة ومياه، حيث يفترض أن تتضمن التنمية زراعة وصناعة، مع استغلال للإمكانيات السياحية، بشكل يجمع بين التراث السياحى الثقافى والشواطئ مع باقى العناصر الطبيعية.
والواقع أن مصر تمتلك عناصر جذب استثمارية متنوعة، أهمها سوق داخلية كبيرة تضم 105 ملايين مستهلك، متنوعين فى الفئات والقدرات، بجانب أنه أيضا مجال لضخ قدرات ومهن من جامعات متنوعة، خاصة مع السعى لربط التعليم العالى بسوق العمل، ثم إن مصر طريق إلى الأسواق الإقليمية والدولية من مئات ملايين المستهلكين من خلال الاتفاقيات التجارية المبرمة بين مصر وشركاء تجاريين وكتل وتجمعات اقتصادية إقليمية ودولية، وهو ما يجعل مصر من أسرع الاقتصادات نموا فى المنطقة ببنية أساسية قوية من الطرق والطاقة والموانئ.
خلال العقد الماضى تحركت التنمية وانتقلت إلى صناعة ممر تنمية شرقا إلى سيناء من خلال الانفاق والأراضى الجديدة وخطط بناء مناطق صناعية وزراعية، يمكنها جذب تنوع بشرى بعشرات الآلاف. ومن الشرق إلى الغرب بدأت عملية تنمية القطاع الشمالى الغربى ليكون أكثر من مجال جذب سياحى موسمى وخدمات صيفية، لتصبح التنمية قائمة على مجتمعات متكاملة، ومدن قابلة للتوسع وقادرة على البقاء، تتضمن مجتمعات زراعية وصناعية وتجارية، من هنا ظهرت مدن الجيل الرابع التى تترابط من خلال شبكة الطرق القومية، وتمثل نقاط تنمية مستديمة، قابلة للتوسع، وأن تكون هذه التنمية قادرة على جذب استثمارات وخلق فرص عمل، وتستوعب الزيادة السكانية.
ممرات التنمية ظلت مطلبا لخبراء العمران، والتخطيط، تبدأ من بناء خطوط طرق حديثة وخطوط نقل، وتوفير طاقة كافية، لتنمية متسعة تتنوع بين الزراعة والصناعة والسياحة، لتكون مركزا لبناء مجتمعات عمرانية وخلال الزيارة التى قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى للسلوم والقطاع الغربى، منتصف أغسطس الماضى تم استعراض خطط التنمية، التى أصبحت واقعا، تتوازى الخطط فيه من سيناء شرقا إلى العلمين غربا، والتى تلبى مطالب ظلت معلقة لعقود.
أصبح مشروع تنمية غرب مصر، خلال سنوات قليلة، حقيقة وواقعا ملموسا، من الإسكندرية شرقا إلى الحدود الليبية غربا على ساحل البحر، ومدينة العلمين الجديدة، التى أصبحت درة البحر المتوسط كأحدث مدينة سياحية واقتصادية، مع تنفيذ محطة الضبعة النووية لتوليد الطاقة الكهربية، وتطوير الطريق الدولى الساحلى مطروح - إسكندرية، وطريق وادى النطرون - العلمين، ومحور روض الفرج - الضبعة، والقطار الكهربائى السريع السخنة - العلمين - مرسى مطروح، وربط موانى البحر الأحمر بالبحر المتوسط لأول مرة.
ثم تأتى عملية تنمية رأس الحكمة كأحد أكبر المشروعات التنموية، وهى الصفقة التى أعلن عنها الحكومة أمس الأول وشرح رئيس الوزراء مصطفى مدبولى تفاصيلها أمس الجمعة وتمثل إحدى خطوات بناء ممرات التنمية والتوسع فى إقامة مجتمعات قابلة للتوسع وجذب استثمارات داخلية وخارجية وإنتاج فرص عمل.
رئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولى أعلن أن مشروع تطوير مدينة رأس الحكمة سيدخل للدولة 35 مليار دولار خلال شهرين مقسمة إلى الدفعة الأولى فى غضون أسبوع بإجمالى 15 مليار دولار والدفعة الثانية بعد شهرين بإجمالى 20 مليار دولار، وأنها تمت طبقا للقوانين المصرية، وبالطبع فهى تضخ استثمارات طوال فترة المشروع تصل إلى 150 مليار دولار، وبالطبع فهو مشروع يوفر مئات الآلاف من فرص العمل ويحقق انتعاشة اقتصادية، ويوفر سيولة نقدية كبيرة من العملة الصعبة لاستقرار سوق النقد الأجنبى.
ومن أهم ما أكده رئيس الوزراء أن الحكومة ملتزمة بتعويض سكان المنطقة مجال المشروع تعويضا عينيا ومباشرا، بإقامة مجتمعات للأهالى، فضلا عما يوفره لهم المشروع من فرص عمل ومصالح كبرى.
بالطبع فإن المستثمر المحلى أو الأجنبى يقرر الدخول إلى سوق كبير، ويطمئن إلى وجود بنية أساسية حديثة، وتأتى ـ حسب ما أعلنه رئيس الوزراء ـ ضمن المخطط الاستراتيجى للتنمية العمرانية، وهى بداية لعدة صفقات، تعمل الحكومة عليها حالياً، لزيادة موارد الدولة من العملة الصعبة، وتؤكد ثقة الكيانات الاستثمارية الكبرى فى الاقتصاد، وقدرته على تخطى التحديات.
ومن أهم ثمار هذه الصفقة الاستثمارية أنها توفر مئات الآلاف من فرص العمل، بجانب تشغيل شركات وصناعات محلية، وهى نتاج دراسات وتفاوض ممتد على مدى شهور، ومع إعلان التفاصيل أمس على لسان رئيس الوزراء، فإن الأمر يضاعف من الثقة فى الاقتصاد، وإمكانية تخطى الانعكاسات المختلفة للأزمة العالمية، ثم إن جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية يدعم الاحتياطى النقدى وسعر الصرف ومعدلات التوظيف، بما يدعم خطط التنمية ويدفع الاقتصاد إلى الأمام.