يخاف الإنسان من الحديث عن مميزاته، خاصة لو كان شخصا يتسم بالإحساس المرهف، فيظن في هذه الحالة بأنه مصاب بالغرور، ويتعين عليه ألا يذكر حسناته وميزاته، والأحرى بالآخرين أن يفعلوا هذا، أما هو فلا يسوغ له أن يذكر تلك الإيجابيات، أو يتحدث عنها حتى لا يتحول إلى شخص نرجسي لا يرى سوى نفسه، ولا يعبأ إلا بذاته، ورغم وجاهة هذا الرأي إلا أنه يشوبه بعض القصور، لأن الإنسان بطبيعته يحمل بين جنبات قلبه الخير والشر، والمميزات والعيوب، وطالما ما تردد أن الاعتراف بالعيوب والأخطاء يعد شجاعة أدبية، وأن محاولة تغييرها إلى الأفضل يعتبر إرادة قوية، فما المانع من أن نطبق ذات القاعدة على المميزات، بمعنى أن الاعتراف بالمميزات والإيجابيات يعد تقريرا للواقع ، ومحاولة الاستزادة منها يعد إرادة فولاذية.
فالإنسان لا يعيبه أن يقرر مميزاته، فهذا ليس نوعا من الغرور أو النرجسية كما يظن البعض، ولكنه نوع من التوصيف التحليلي للشخصية، فالإنسان لابد أن يقف على حقيقة شخصيته، فلا ببالغ في وصف إيجابياتها، ولا يترفع عن سلبياتها، بل عليه أن يعرفها ويصفها كما هي دون مبالغة أو تزيد.
والحقيقة أن الإنسان الذي يخفق في وصف ذاته، ولا يعرف حقيقتها، سيعجز تماماً عن معرفة الغير، لأن نفسه هي أقرب كيان له، ربما يحتار فيها بعض الأحيان وربما لا يقف على كنهها في أحيان اخرى، ولكن هذا هو الاستثناء، أما القاعدة الراسخة فهي معرفته بمكنون نفسه، فهو الوحيد الذي يستطيع وصفها وتحليليها، ثم ما العيب في أن يفخر الإنسان بمميزاته وإيجابياته، مثلما يخجل من عيوبه وسلبياته، طالما أن هذا الفخر لم يصل إلى حد الغرور، وبالمناسبة منن يصل به زهو نفسه إلى حد الغرور، لابد أن يتيقن أنه بالغ في وصف مميزاته، لأن الغرور من ضمن الغيوب.
فلا تخجلوا من الحديث عن مميزاتكم، فهذا نوع من أنواع تقرير الواقع، طالما أنه لم يخرج عن المقترض، ولم يتجاوز حدود الحقيقة، فهذا يعد ثقة بالنفس، ووقوف على حدودها، ووضعها في إطارها الحقيقي دون زيادة أو نقصان، ولكي تتجنبوا السقوط في بؤرة المبالغة، والانحياز للذات، تخيلوا أنفسكم في موضع الآخر، حتى يتسم حديثكم بالحيادية والشفافية والتجريد، وحتى لا تتحول ميزاتكم إلى عيوب بسبب منحها صفات ملائكية لا تمت لها بصلة، أو تزيد عن حقيقتها، فوصف النفس هو في واقع الأمر مواجهة لها بما لها وما عليها، حتى تستزيد من الإيجابي، وتحارب كل ما هو سلبي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة