نفتخر- نحن المصريين- جيلًا بعد جيلٍ، أننا على قلب رجل واحد وتحت راية واحدة، متمسكون بنسقنا القيمي، نستطيع متوحدين أن نغير ونطور جغرافيتنا، ونحدث ما يبهر الآخرين، ونقدم ما يقهر المغرضين على مر الأزمان، وهذا التمكين ما جعل لبلادنا تفردًا خالصًا من كل صور وأشكال التناحر والاختلاف والنزاع والصراع الذي عانت وتعاني منه دول وأمم في ربوع الأرض من مشرقها إلى مغربها؛ فعقيدة المصريين راسخة رسوخ الجبال، وهي سر النجاح في الأيام الحوالك.
وأجيالنا التي نورثها العزة والفخر يقوم إعدادها على ماهية التمكين، والذي تقوم فلسفته على العلم والمعرفة المقصودة، بما يكسبهم الخبرات التي تجعلهم يعملون العقل، ويمتلكون التفكير الرشيد، بما يدحرون به كل ما هو منحرف من معرفة وممارسة ووجدان مشوب؛ فلا يصبحون تابعين أو ضالين؛ لكن يتمسكون بما يدينون به من مبادئ وقيم متعلمة ومتأصلة في النفوس، وهذا ما يُمكن لديهم برهان الولاء والانتماء لتراب وطن لا يقبل المساومة، ويفدونه وينصرونه ويرفعون رايته، ولا يقبلون غير ذلك، وإن ضحوا بدمائهم الذكية وأرواحهم الطاهرة.
وتكمن ماهية التربية العسكرية في إعداد الفرد بطريقة مقصودة من جوانب عدة تشمل إمداده بالخبرات العسكرية التي تتضمن المعارف والممارسات والوجدانيات؛ فيصبح على جاهزية، بدنيًا ونفسيًا، لأن يدافع عن تراب وطنه، وأن يتحلى بالصبر والثبات والرسوخ، وأن يلتزم بالتعليمات والأوامر التي تصدر من قادته، وأن يؤدي ما يوكل إليه من مهام في حالة العمل الجماعي، وأن يضحي من أجل تحقيق هدفه، وأن يعي المخاطر والتهديدات التي تحدق بوطنه، وأن يتخلص من هواجس الخوف والأنانية في الميدان، وأن تصبح نيته خالصة في البذل والعطاء ليحافظ على وطنه ويصون مقدراته وكرامته.
وتعمل التربية العسكرية على إعداد أجيال تمتلك من الخبرات والمهارات، ما يُحدِث في نفوسها التوازن والتكامل في آن واحد؛ حيث يتدرب الفرد على الصبر والتحمل والعمل بكل قوة لتحقيق الهدف المنشود، ومن ثم لا مجال للتقهقر، أو اليأس، أو التراجع، بما يحثه على الإخلاص في الأداء لما يكلف به من مهام، وأن يعي ضرورة العمل الجماعي الذي يحقق نتائج لا يناظرها العمل الفردي، كما أن الطاعة والولاء للقائد من مقومات النجاح في الميدان، وأن الخروج عن الصف أو السعي لشقه يؤدي بكل تأكيد إلى الهلكة والخسران والانهزام.
وتعضد التربية العسكرية، في نفوس الأجيال، حُب الوطن والتضحية من أجل نيل الشهادة التي لا يعلوها مرتبة في الدنيا والآخرة؛ لذا فإن الدولة وقيادتها يُعطون تكريم شهداء الواجب، مهما تباينت مواقعهم، تقديرًا يستحقونه، ويعلون من قدرهم ومقدارهم، ويحيون ذكراهم في كل وقت وحين، ويقدمون لأسرهم من الدعم ما من شأنه أن يخفف عنهم ما يعانونه من آلام وأحزان لمفارقة أحبابهم وذويهم؛ فجنود الأوطان هم أهل الصفوة وخاصتهم، دون جدال؛ فقد ثبتوا وصبروا وجاهدوا وضحوا من أجل الوطن وبقاء رايته عالية خفاقة، دون انتظار تكريم أو نيل مجد زائف.
وتغرس التربية العسكرية في وجدان الأجيال بمختلف أعمارهم أهمية الأمن الذي يوفر طمأنة النفوس؛ فتلك وظيفة الجيوش الأصيلة التي توفر مقومات هذا الأمن في ربوع الأوطان ولا تقبل المساس بمقدراته وترابه، أو النيل من قاطنيه بمختلف الطرائق والأساليب، ومن ثم ينتشر العدل، ويرعى الناس مصالحهم، ويجتهدون في معيشتهم بكامل الطمأنينة، وتتعاظم معنوياتهم تجاه العمل والإنتاج؛ فتنعقد الشراكات بين المجتمع ومؤسساته الوطنية، وتسود المحبة، ويعم السلم والسلام الذي يتمخض عنه الخير الوفير، وتتحقق حالة الرضا النفسي على مستوى الفرد والمجتمع.
وحري بالذكر أن للتربية العسكرية دورًا مهمًا في تنمية الوعي الصحيح تجاه العديد من القضايا التي ترتبط بماهية الوطن وأمنه وأمانه، وإيضاح غايات وأغراض ذوي القلوب المريضة الذين لديهم نوايا مبيتة للنيل من هذا الوطن، ومن ثم فضح مخططاتهم القائمة على منهجيات مدروسة واستراتيجيات قصيرة وطويلة الأمد، وهذا ما يحصن عقول ونفوس الأجيال ضد ما يثار من حروب نفسية تبتغي شق الصف وتزييف الوعي وانحراف الفكر وتشويهه، ومن ثم لا مجال للأغراض الخبيثة لأجيال عقولها مستنيرة وقلوبها مضاءة بالعلم والمعرفة والتفكير القويم.
إن التربية العسكرية المتكاملة تجعل الفرد مؤهلًا نفسيًا وذهنيًا وبدنيًا، يمتلك من قيم الولاء والانتماء ما يجعله قويًا، لا يتأثر بالتحديات والمتقلبات على الساحة العالمية، وتجعله واثقًا في قياداته ومؤسساته الوطنية داعمًا لها ومصطفًا خلفها، ناصرًا لوطنه في كل قضاياه على الصعيدين الداخلي والخارجي، يشارك في حل مشكلاته ويقدم ما لديه من قدرات ومقومات خدمة لتراب هذا الوطن دون انتظار لمقابل.
وبما لا يدع مجالًا للشك أن مؤسساتنا التعليمية تُعد بوتقة الخبرات، ومن خلالها نستطيع أن نعمل على إعداد الفرد بصورة صحيحة تجعله يمتلك الفكر والوعي الصحيح؛ فبهما تستكمل النهضة وترقى الأمة المصرية، كما تساعد في بناء الأبدان وفق رعاية صحية متكاملة، تجعل منتسبيها يتمتعون باللياقة، وهذا التكامل في الإعداد يجعل المؤسسة التعليمية على مقدرة في تربية الفرد عسكريًا؛ ليصبح منظمًا وملتزمًا ومنضبطًا ومخططًا ومجتهدًا في مسارات حياته العلمية والعملية.
ومسرح الأحداث يستوجب أن تقدم مؤسساتنا التربوية في كامل سلمها التعليمي منهجًا في التربية العسكرية مقصودًا يتضمن أنشطة متنوعة في مجالاتها تُسهم في تنمية الوعي الصحيح، وتُعد الفرد إعدادًا يؤهله لأن يتحمل المسئولية؛ ليصبح على جاهزية لأن يحافظ على مقدرات وطنه، ويزود عنه، ويعمل بجد واجتهاد والتزام؛ لأن يُعلي من قدراته ويرفع رايته في ساحات ومجالات العلم والعمل والإنتاج؛ ليصبح مواطنًا صالحًا بما تعنيه الكلمة من معنى.
حفظ الله شعبنا العظيم ومؤسساتنا الوطنية وقيادتنا السياسية أبدَ الدهر.