بعد جدل كبير طوال الأسابيع القليلة الماضية، حسمت الحكومة الصفقة الاستثمارية الأكبر في تاريخ والتي يمكن تسميتها بصفقة القرن في مجال الاستثمار الأجنبي في مصر في منطقة رأس الحكمة في الساحل الشمالي بقيمة 35 مليار دولار كاستثمار مباشر بالشراكة مع شركة " القابضة بأبوظبي بدولة الامارات العربية الشقيقة وبإجمالي استثمارات 150 مليار دولار طوال مدة تنفيذ المشروع المدينة.
الحكومة المصرية حسمت الجدل حول أكاذيب وشائعات واتهامات للحكومة ببيع الأرض مقابل النقد الأجنبي الذي تعاني منه مصر وأكدت على لسان رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي بأن مشروع رأس الحكمة شراكة وليس بيع أصول وأن مصر لها نصيب دائم في الأرباح يقدر بنسبة 35%.
منذ الحديث على الصفقة والسوق الموازية للعملات الأجنبية تعاني من الترنح والمضاربة على الدولار تتراجع بصورة كبيرة، مع الإعلان الرسمي مساء الجمعة انهارت السوق حتى بلغت أسعار غير متصورة لدى المضاربين ولامست حدود ال40 جنيه تقريبا. وفي حالة استمرار الحكومة في الإعلان عن صفقات استثمارية جديدة سوف تنهار السوق السوداء تماما وهو المرجح في حالة اتخاذ خطوات ما يسمى " بالضرب على الحديد وهو ساخن".
فالصفقة بالقراءة المباشرة لها ستؤدي الى توفير العملة الصعبة في السوق الرسمي وتعظيم دورة التداول المالي وخفض معدلات التضخم وتوفير ملايين فرص العمل وتشغيل مئات الشركات الوطنية في العقارات والخدمات اللوجستية وتشجيع الشركات الصناعية الوطنية على زيادة الإنتاج لمتطلبات العمل في المشروع الجديد الضخم الذي يضم المشروعات السياحية والسكنية مع توقعات باستقطاب 8 ملايين سائح سنويا
وبقراءة متعمقة للصفقة الكبرى في رأس الحكمة فتؤكد عدة أمور وحقائق على الأرض وهي، أن الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي هو الدافع والمحفز والمشجع لجذب مثل هذه الصفقات الاستثمارية الضخمة رغم الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة
الأمر الثاني أن المشروعات القومية الكبرى في البنية التحية لمصر في الطرق والجسور والأنفاق والسكك الحديدة ومشروعات القطار السريع والمعلق وغيرها كانت وراء توقيع هذه الصفقة الأضخم في تاريخ المنطقة، وهو ما يسكت الألسنة التي شككت في تلك المشروعات وطالبت بتجميدها لصالح " الأكل والشرب" دون اعتبار للمصالح الوطنية الكبرى وبناء الدولة وجعلها بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر الذي يعتبر " الحصان الأسود" في النهوض بالاقتصاد الوطني
الصفقة بالتأكيد ستفتح أبوابا أكبر وتشجع كيانات اقتصادية كبرى ودول آخرى لضخ مليارات الدولارات للاستثمار في مصر، وبالتالي دخول الاقتصاد المصري في منطقة آخرى لا يضاهيها سوى العمل وزيادة الإنتاج وزيادة معدلات التصدير وخفض فاتورة الاستيراد.
صفقة رأس الحكمة لها أبعاد اقتصادية وحضارية واجتماعية فسوف تساهم في ما يسمى بخلخلة الكتلة السكانية في الوادي والدلتا وجذب ملايين السكان الى المشروع الأكبر وهو تنمية الساحل الشمالي عمرانيا وزراعيا وصناعيا بحيث يصبح هذه الساحل مناطق عمرانية دائمة وليس مجرد أماكن سياحية مغلقة على بضعة آلاف من السكان لفترة زمنية قصيرة وعدم الاستفادة منها طوال العام وهي التي كانت في وقت من الأوقات " سلة غذاء " الإمبراطورية الرومانية نظرا لخصوبة التربة وخاصة في زراعة القمح والشعير والفواكه
وبالتالي تحقيق رؤية مصر في عام 2030 في استغلال حوالي 20 بالمائة من أراضيها لإقامة مدن عمرانية وسكانية وتجمعات زراعية وصناعية وهو ما يتحقق في المدن الجديدة والعاصمة الإدارية والعلمين ثم أخيرا- وليس آخرا- رأس الحكمة ومازال هناك الجديد في الطريق.
فالمشروع الخاص بإقامة مدينة رأس الحكمة سيقام على 41 ألف فدان من المتوقع أن يستوعب أكثر من 5 ملايين نسمة وملايين العمالة الفنية وهو ما يؤدي بالطبع الى تخفيض نسبة البطالة في مصر خلال السنوات المقبلة. لنا أن نتصور شكل المنطقة الممتدة من مشروع الدلتا الجديدة الى العلمين الى راس الحكمة ومستقبل هذه المنطقة بكل ما سوف تحويه من استثمارات بمليارات الدولارات في الطاقة والسياحة والعمران والصناعة والزراعة والطيران
المستقبل مبشر ويحمل الخير ...لكن ربما الأهم لكثير من الناس الآن هو الإطاحة بعرش السوق السوداء للدولار وهو ما يبدو واضحا على المدى القريب، فبالإضافة للصفقة الحالية، فهناك الاتفاق على قرض صندوق الدولي والذي يقدر اجماليه بحوالي 10 مليارات دولار مع اعلان الاتحاد الأوروبي بضخ استثمارات تقدر بحوالي 6 مليارات دولار وهو ما يعني أن أزمة الدولار سوف تصبح " من الماضي" كما أعلنت القيادة السياسية.. لكن هذا يستوجب إجراءات وخطوات كثيرة من جانب الحكومة لضبط الأسواق بحزم وقوة وتشديد العقوبات على المضاربة والاستمرار في تشجيع الاستثمار ... ثم الأهم في رأيي وهو تعزيز الإنتاج للمحاصيل الزراعية الاستراتيجية مثل القمح والأرز والذرة والفول والشعير والنابتات الزيتية، وتوطين الصناعات الضخمة بما يحقق الاستقرار المالي والمستدام وبالتالي زيادة معدلات النمو للوصول الى معدل نمو 7%- ولما لا- اذا تم استغلال الصفقة الحالية والصفقات القادمة التي ستشجع بالتأكيد على استعادة ثقة المصريين بالخارج في الاقتصاد الوطني وفي النظام المصرفي المصري وعودة معدلات التحويل الى أعلى مستوياتها... الخير قادم ..قولوا يااارب
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة