بيشوى رمزى

اليوم التالي للحرب في غزة.. الانتصار للشرعية الدولية

الخميس، 29 فبراير 2024 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بات الحديث متزايدا عن اليوم التالي للحرب في غزة، في إطار متعدد، يحتوي العديد من الأطراف، ربما أبرزها الاحتلال الإسرائيلي، والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، ناهيك عن القوى الإقليمية، وفي القلب منها مصر، في ظل ضرورة ملحة، لإعادة ترتيب الأوراق مجددا، في أعقاب العدوان، والذي يبدو مختلفا عن سابقيه في العديد من المشاهد، ربما أبرزها أنه يبقى الأطول زمنيا، والأعمق تأثيرا، وذلك بالنظر إلى حجم الدمار الذي ألم بالقطاع، منذ ما يقرب من 5 أشهر كاملة، بالإضافة إلى الأعداد المهولة للضحايا، في ضوء اقترابهم من 30 ألف شهيد، معظمهم من النساء والأطفال، وهو ما يعكس وحشية الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الاحتلال على الأراضي الفلسطينية.

ورغم أن لغة الأرقام، تمثل ترجمة لجزء من الحقيقة، على النحو سالف الذكر، إلا أن المشهد الدامي في غزة، يحمل أبعادا أخرى، يبدو أن تجاهلها، سوف يؤدي إلى تحليلات مخلة، لا يمكن من خلالها استشراف المستقبل، وربما أبرزها أن الكم الهائل من الضحايا والدماء المسفوكة على أراضي غزة، لم يحقق أهداف الاحتلال، وأبرزها القضاء على الفصائل الفلسطينية، وتهجير السكان، بل أنه ساهم بصورة كبيرة في إحياء القضية الفلسطينية، وعودة الحديث العالمي عن ضرورة تطبيق حل الدولتين، والذي يمثل لب الشرعية الدولية، بينما كان المشهد كاشفا لحقائق جديرة بالالتفات، منها تراجع الدعم الدولي الذي طالما حظت به الدولة العبرية، في حين أن الدعم الأمريكي، رغم ما تملكه واشنطن من مزايا، وعلى رأسها "الفيتو" لم يعد كافيا، للانتصار، في ضوء سوابق هامة في تاريخ القضية، وأهمها اتساع الدائرة الداعمة لفلسطين، وهو ما يبدو في امتداد جغرافي واسع النطاق، تبنى مواقف قوية، يتجاوز الإقليمية المحدودة، في إطار منطقة الشرق الأوسط، بدءً من أفريقيا، مرورا بقوى آسيوية بارزة، ودول في أوروبا الشرقية، ومنها إلى دول بارزة في المعسكر الغربي، وحتى أمريكا اللاتينية.

الموقف الإقليمي، يبقى أحد الأبعاد الهامة، التي ينبغي النظر إليها بعين الاهتمام، عند الحديث عن المستقبل، وتحديدا ترتيبات ما بعد الحرب، خاصة وأن العدوان هو بمثابة الاختبار الأول لمنطقة الشرق الأوسط، بعد سنوات الفوضى التي ألمت به خلال العقد الماضي، ليبدي قدرا كبيرا من الصمود، في مواجهة محاولات الاحتلال الإسرائيلي لإعادة تدوير الفوضى، عبر دعوات التهجير تارة، وتوسيع نطاق المعركة، من أرض الصراع، وهي غزة، لتمتد إلى دول أخرى، منها لبنان وسوريا، وهو ما امتدت تداعياته إلى العراق واليمن، إلا أنه في واقع الأمر لم يتمكن من دفع المنطقة إلى جحيم الحروب المباشرة، والتآكل الذاتي، والتي هيمنت على المشهد الإقليمي في العقد الماضي، بينما ساهمت حزمة المصالحات بين القوى الإقليمية، في تحقيق حالة من الإجماع، لا يقتصر على مجرد وقف إطلاق النار فى غزة، على غرار ما حدث في المناسبات المشابهة في الماضي القريب، وإنما يرتبط بالأكثر بالانتصار لفلسطين، وحق شعبها في بناء دولته المستقلة، وإنهاء حالة الاحتلال.

ولم يقتصر الصمود الإقليمي على المصالحات السياسية بين القوى البارزة، والتوافق حول ثوابت فلسطين، وإنما امتد إلى إبداء قدر كبير من المقاومة، لمحاولات نشر الفوضى، عبر التحرك نحو تعزيز الحالة التنموية، عبر شراكات عملاقة، أبرمتها دول المنطقة، وعلى رأسها مصر، والتي تمثل جوارا جغرافيا لأرض المعركة، وهو ما بدا في مشروع رأس الحكمة بالشراكة مع الإمارات، بالإضافة إلى تعزيز العلاقة مع تركيا، وهو ما يمثل نهجا غير مسبوق في إدارة مثل هذه المراحل التي ربما كان ينظر إلى إليها بعين القلق والحذر والحيطة، في ضوء المخاوف من امتداد دائرة الصراع، وهو ما دفع في أوقات سابقة إلى الانكفاء على الذات عبر تأمين الحدود، حيث اقتصر الدور على محاولات الوساطة التقليدية لتحقيق قدر من التهدئة، والتي سرعان ما تنتهي بالعودة مجددا إلى الاشتعال، جراء غياب أسس سليمة من شأنها تقديم الحلول لمسببات الصراع.

ويبدو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، للحصول على فتوى بشأن الاحتلال الإسرائيلي، وتداعياته، أحد أهم ملامح المشهد الذي تجاوز العدوان على غزة، نحو القضية الفلسطينية برمتها، وهو الأمر الذي سيترك نتائج كبيرة عند الحديث عن "اليوم التالي" للحرب في غزة، في ضوء أي مفاوضات مرتقبة، والتي لن تقتصر إطلاقا عن الحياة في القطاع او إعادة الإعمار، بل ستنطلق مباشرة نحو مستقبل فلسطين، وحل الدولتين، خاصة وأن رعاية القضية لن تعد حكرا على قوى بعينها، وإنما ستشهد بروز قوى إقليمية مؤثرة، وعلى رأسها مصر، في ضوء ما بذلته من جهد منذ بداية العدوان، وقدرتها غير المتناهية على حشد التوافقات العالمية، فيما يتعلق بإدارة الأزمة في القطاع، منذ دعوتها لعقد قمة القاهرة للسلام في أكتوبر الماضي.

إرهاصات التغيير في الخطوات التي من شأنها إعادة الترتيب لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، لم تقتصر على الوضع الإقليمي أو الدولي، أو حتى أطراف المعركة في القطاع (إسرائيل والفصائل)، وإنما أيضا فيما يتعلق بالداخل الفلسطيني على مستوى القمة، وهو ما بدا في استقالة الحكومة، وهي الخطوة التي تعكس قدرا من المرونة في الاستجابة لمعطيات الحاضر، خاصة وأنها قد تفتح الباب أمام إنهاء حالة الانقسام، وتحقيق الاندماج بين كافة المكونات الفلسطينية، في لحظة تبدو حاسمة، ومفصلية في تاريخ القضية، خاصة وأن توحيد الصف الفلسطيني، هو بمثابة ضرورة قصوى قد يترتب على الفشل في تحقيقها تقويض كل ما سبق من مكتسبات، ربما سعى الاحتلال إلى إخفائها خلف الصورة الدموية التي رسمها باقتدار، للإعلان عن انتصار زائف.

الداخل الإسرائيلي، يمثل أحد أبعاد المشهد المتغير، في ظل حالة من الخوف باتت تهيمن على الشارع جراء احتمالات تكرار سيناريوهات "طوفان الأقصى"، وهو ما يمثل كابوسا يطارد قطاع كبير من المواطنين، في المدن الإسرائيلي، ناهيك عن الفشل في تحرير الأسرى بالقوة العسكرية، وبالتالي تبقى الحاجة ملحة بالنسبة لهم في التفاوض، ليس فقط لتحرير ذويهم، وإنما تبدو الصورة متجاوزة للحظة الراهنة، التي تتصدرها غزة،، عبر الحديث عن استقرار "مستدام" ربما لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال.

المشاهد السابقة، وربما غيرها لا تكفي السطور لحصرها، تمثل تغييرات عميقة في المشهد الفلسطيني، سوف تنعكس على أي حديث يرتبط بالمستقبل، خاصة وأن المماطلة الإسرائيلية باتت غير مقبولة على الإطلاق من قبل القطاع الأكبر من العالم، بينما أصبحت في الوقت نفسه سببا في إحراج واشنطن، في حين يبدو الإقليم أكثر قدرة على إدارة أزماته، في الوقت الذي اتسعت فيه دائرة الدعم للقضية لتشمل أقاليم أخرى، مما يزيد من الضغوط الموضوعة على كاهل الدولة العبرية، والتي تواجه انتقادات في الداخل، وهو ما يمثل انتصارات مهمة للشرعية الدولية، والقائمة على حل الدولتين، ولكن مازالت المكاسب المرتقبة مرهونة بوحدة الفلسطينيين، وهو ما يضع كافة أطراف المعادلة الفلسطينية في اختبار يبدو الأهم منذ عقود، في ضوء فرصة استثنائية تلوح أمامهم لتحقيق حلم الدولة، من رحم معركة دامية، تعيد إلى الأذهان، حروبا شهدها العالم، كانت بمثابة مخاضا لمراحل جديدة، ربما حملت قدرا أكبر من الاستقرار في المستقبل.

 

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة