الأطفال والشباب الذين فرحنا بأنهم عرفوا ما هي القضية الفلسطينية، بمناسبة العدوان على غزة، يجب أن نحزن، لأنهم عرفوا معها عجزنا وخيبتنا وقلة حيلتنا، إضافة إلى تشوهات البعض وتناقضاته العميقة.
وعرف أطفالنا وشبابنا أيضا "الإبادة الجماعية"، وعرفوا أنها وغيرها من الجرائم الإنسانية المروعة، غير مقتصرة على بلاد مثل "رواندا وبوراندي وبلاد الواق واق وأخرى تركب الأفيال بعيدة عنا"، بل يمكن أن يتم هذا بالقرب منا، بجانب حدودنا، وضد بني جلدتنا من العرب.
وعرف أطفالنا وشبابنا أن "الإبادة الجماعية" هذا المصطلح المرعب، يمكن أن تستمر ممارسته شهورا، وتستمر بالتوازي معه المؤتمرات والتصريحات الدبلوماسية اليومية حول المأساة، دون أن يتم منعها، وأنه مع استمرار المأساة، تتحول إلى ملهاة، فيفقد البعض اهتمامهم بها، فمشاعرهم لا تحتمل الاطلاع كل يوم والحديث كل يوم، عما تعيشه غزة يوميا من قتل وتجويع وحصار، "فالآمنون أمام المدفأة، أبقى من الأطفال المحكومين بالموت الآن وغدا وكل يوم تحت القصف والبرد والمطر والحصار والتجويع"، أو ربما لأن قضية هؤلاء الأطفال، مع استمرارها وزيادة الضحايا، لم تعد بالنسبة لهذا البعض مصدرا لـ"الشغف"، فبحثوا عن أخبار أخرى، تلبي شعورهم بـ"الشغف".
وعرف أطفالنا وشبابنا مهارات مهمة، فرأوا البعض يتغني بالقيم الإنسانية والدينية طوال الوقت، وعندما تبدأ آلة القتل، ينسى هذا البعض أنها تدور على أجساد إخوة في الإنسانية.
وعرف وتعلم أطفالنا وشبابنا، أنه يمكن للغرب وأتباعه، ممارسة القتل والتدمير ضد أي بلد يختاره في العالم، وخاصة في المنطقة العربية بالتحديد، وساعتها لن تتحرك بقية الدول العربية، وإنما تنتظر دورها في التدمير.. الصومال، العراق، سوريا، ليبيا، السودان، لبنان، اليمن.. أما فلسطين، فهي المسيح الذي ظل على الصليب منذ 75 عاما، وما زال يتم دق المسامير في جسده.
الملفت أن هذا المسيح يختلف عن كل المسحاء السابقين، فلم يمت، ولم يصعد، ولم يُشَبه لهم، ولم يتم القضاء عليه مثل الهنود الحمر، وما زال بعناده يؤكد عجزنا، وكذب الإنسانية، ويمنح الدروس للأجيال.
أما أخطر آثار ونتائج العدوان على غزة، فتتمثل فيما رأيناه مع أطفالنا وشبابنا، من اهتمام شعبي عالمي بغزة، شمل سكان الكوكب كله، على أرضية إنسانية صرفة، من بشر خارج بلادنا العربية والإسلامية، ما زال اهتمامهم أقوى وأكثر استمرارية من اهتمام شعوبنا الإسلامية، ما يفتح العقل على فكرة، أن طريق الحق الفلسطيني، لم يعد عربيا ولا إسلاميا في عصر العولمة، بقدر ما أصبح طريقا إنسانيا بالدرجة الأولى، وهذا لو تعلمون عظيم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة