تمتلك القارة الأفريقية العديد من الثروات الطبيعية والخيرات ومقومات الاستثمار والتنمية غير المستغلة بسبب الفقر وغياب التمويل، ما جعلها دائما وعلى مدار تاريخها مطمعا للدول الغربية المستعمرة، لذلك تواجه معظم دول أفريقيا من أزمات اقتصادية ونزاعات وتحتاج بشكل ملح إلى التنمية المستدامة والنهوض باقتصادياتها، وذلك لن يتأتى إلا بتعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي بين دول القارة وتفعيل الاتفاقيات والشراكات الاقتصادية المشتركة بينها، مما يعزز جهود كل دولة لتحقيق التنمية وجذب الاستثمارات.
ومصر باعتبارها إحدى دول أفريقيا تحرص على قوة وعمق الترابط بينها وبين دول القارة، لذلك تسعى دائماً للانفتاح على القارة وتعزيز التعاون مع دولها في مختلف المجالات، مصر شأنها شأن العديد من الدول تعاني من أزمة اقتصادية مزعجة نتيجة تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية المتتالية منذ جائحة كورونا عام 2020 التي جاءت في وقت كان الاقتصاد المصري بدأ في التعافي، وتلتها الحرب الروسية الأوكرانية، وحاليا أزمة الحرب على غزة والتوترات التي تشهدها المنطقة، مما ضاعف التحديات الاقتصادية التي تواجهها الدولة المصرية.
وفي ظل الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي لدفع عجلة النمو الاقتصادي ومواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، ومساعي توطين الصناعة وإزالة المعوقات لجذب الاستثمارات الأجنبية واستهداف زيادة الصادرات، نسعى إلى دعم هذه الجهود كل منا في مجاله وموقعه بما يستطيع سواء بتقديم أفكار أو طرح تصورات وحلول للأزمات، ولدينا قيادة سياسية رشيدة وواعية ومخلصة تستمع إلى الجميع.
لذا في إطار دوري البرلماني كعضو في مجلس الشيوخ طرحت فكرة إنشاء منطقة حرة أفريقية في مصر، وتقدمت باقتراح برغبة بذلك إلى المجلس موجه إلى الحكومة لمناقشته ودراسة إمكانية تنفيذه، ومشكورا أحال المجلس الاقتراح إلى لجنة الشئون الاقتصادية والمالية والاستثمار بمجلس الشيوخ، والتي ناقشته على الفور بحضور ممثلي الحكومة من وزارتي الخارجية والمالية والهيئة العامة للاستثمار، ولاقت الفكرة ترحيب كبير داخل اللجنة وتوافق بين اللجنة والحكومة على أهمية إنشاء منطقة حرة أفريقية، والتي في حال تفعيلها سيكون لها صدى كبير في النهوض بالاقتصاد وجذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز وتنمية الصادرات المصرية، بما يؤدي إلى توفير العملة الأجنبية الصعبة وتقليل الفجوة الدولارية.
فكرة إنشاء منطقة حرة أفريقية تستهدف جذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة الصادرات وتوفير العملة الصعبة، في ضوء مستهدفات تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في أفريقيا، ويمكننا تفعيلها من خلال الاستفادة من تفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية واتفاقية "الكوميسا"، والتجمعات الاقتصادية الأخرى التي تعزز التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول الأفريقية، على أن تتمتع المنطقة الحرة الأفريقية بكافة مقومات ومزايا المناطق الحرة العامة والخاصة، والتركيز على المشروعات الاستثمارية والتنموية المتعلقة بصناعات واعدة وذات ميزة تنافسية في مصر وأفريقيا.
ولا يخفى على أحد أن القارة الإفريقية تتمتع بمقومات هائلة وموارد وغنية بثروات طبيعية تشجع على الاستثمار، ولديها موارد طبيعية عديدة تحتاج للاستغلال والاستثمار الجيد والتسويق لجذب الاستثمار الأجنبي وجذب كبرى الشركات العالمية؛ وهناك اتفاقيات وتكتلات اقتصادية يمكن استغلالها لتعزيز التعاون الاقتصادي، مثل اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية وتجمع «الكوميسا" الخاص بإنشاء السوق الأفريقية المشتركة، وغيرها، ويمكن الاستفادة منها في إنشاء منطقة حرة أفريقية في مصر تتركز فيها صناعات ذات ميزة تنافسية داخل القارة الأفريقية تكون بوابة لجذب الاستثمارات العالمية في مختلف دول القارة.
أيضاً يمكن بعد إنشاء المنطقة الحرة الأفريقية أن يتم توقيع بروتوكولات تعاون مع الدول الإفريقية التي يتوفر لديها مواد خام ومستلزمات إنتاج للاستفادة منها في توطين الصناعات المستهدفة، بالإضافة إلى الترويج والتسويق الجيد لمزايا ومقومات المنطقة الحرة في الأسواق والمحافل الدولية لجذب الشركات العالمية في مختلف المجالات للاستثمار في مشروعات داخل المنطقة الحرة.
وهنا يمكننا الاستفادة من المزايا الكبيرة التي منحها القانون للمناطق الحرة العامة والخاصة في مصر، من الإعفاءات والتخفيضات الضريبية والجمركية، وكذلك من تخفيض الرسوم الجمركية إلى أن يتم إلغاؤها بالكامل في إطار منطقة التجارة الحرة الإفريقية، بجانب عدم فرض رسوم وضرائب جديدة، أو زيادة الرسوم المطبقة المتعلقة بالسلع، التي يتم تداولها داخل السوق المشتركة "الكوميسا"، وإزالة جميع العوائق غير الجمركية، وحل أي معوقات إدارية وإجرائية أو تنظيمية، وسرعة إصدار الموافقات والقرارات اللازمة لتيسير الأعمال الخاصة بالمناطق الحرة، والتيسير على المشروعات التي تعمل في التوريد المباشر الخارجي من خلال تخفيض الرسوم الخاصة، مما يعزز عمل المنطقة وتيسير إجراءات التصدير للخارج.
أيضاً على الحكومة المصرية أن تتوسع في فتح أسواق جديدة داخل الدول الإفريقية والانفتاح على مختلف الدول، وتعزيز التعاون والتبادل التجاري معها، والعمل على جذب وطمأنة المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء، فهناك حاجة ضرورية لوجود منطقة حرة أفريقية في مصر في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الحالية وهو ما يمكن أن يساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية وزيادة التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين مصر ودول القارة.
الحقيقة أسعدني التفاعل والاهتمام الكبير من جانب اللجنة الاقتصادية بمجلس الشيوخ وممثلي الحكومة مع الاقتراح والذي يؤكد على جدية مؤسسات الدولة في التعامل مع الأزمة الاقتصادية والأفكار والحلول المطروحة، فاجتماع اللجنة شهد التأكيد على أهمية دراسة آليات تنفيذ إنشاء المنطقة الحرة الأفريقية، وتفعيل دور مكاتب التمثيل التجاري خاصة في أفريقيا وأن تكون مكاتب دائمة، وأهمية وجود معارض دائمة في أفريقيا للتسويق للمنتجات، وتطوير خطوط الشحن في أفريقيا، وأن إنشاء المنطقة الحرة الأفريقية سيساهم في توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة من خلال إقامة مشروعات استثمارية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة