على مدى عقود أصبح معرض القاهرة الدولى للكتاب منطقة جذب للناس، وقد تجاوز عدد زوار المعرض عدة ملايين، وهو أكثر من العام الماضى، المعرض حدث سنوى يمثل لكثيرين فرصة للشراء والفرجة والتعرف على العناوين، وحضور الفعاليات والندوات وحفلات التوقيع.
الزائر يرى تنوع أجيال وفئات، من الشباب والكبار والأطفال يذهبون فى مجموعات أو عائلات، هناك من يذهب للبحث عن كتب، أو للفرجة أو الفسحة، رقم الحضور يثير مناقشات، حيث يرى البعض أن هذا العدد يكشف عن رغبة واهتمام بالثقافة، وينفى انصراف الناس عن الكتاب، وهناك من يرى أن كل هؤلاء لا يذهبون ليشتروا كتبا أو يحصلوا على الثقافة، وإنما للفسحة أو التقاط الصور ضمن رحلة سنوية.
بالمناسبة طوال العقود الماضية هناك من يعتبر معرض الكتاب فسحة، ومن يذهب بحثا عن كتب أو حضور ندوات ومناقشات، والطفل عندما يصاحب أهله يعتاد على رؤية الكتاب، ودائما عدد من يقرأون أو يهتمون بالكتب أعدادهم أقل، مع الأخذ فى الاعتبار أن النسخة الواحدة يقرأها بين ثلاثة إلى عشرة، وهو ما يضاعف عدد القراء، بجانب أن حضور الفعاليات يرسخ مناقشات وأفكارا، وحتى اللقاءات مع الأدباء والكتاب هى نفسها جزء من نشاط يساهم فى انتشار الأفكار.
معرض الكتاب كان ولا يزال مكانا لاقتناء الكتب، والنقاش ولقاء الأصدقاء وتبادل الآراء، وربما تكون الحوارات التى يديرها البعض مع أصدقائهم وزملائهم، والتى لا يسمعها أحد، ولا تُنشر، هى الأكثر تأثيرا، وكل من ارتاد معرض الكتاب منذ سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين ما زال يحمل ذكريات كثيرة مع زملائه وأصدقائه.
هناك تراث مهم من أرشيف اللقاءات والندوات الكبرى فى المعرض، الذى كان يخصص محورا سنويا بالأفكار التى تكون مطروحة ثقافيا محليا وعالميا، وبعض ندوات ولقاءات المثقفين والنجوم أصبحت تذاع على قنوات محلية، ومنها ما تتم إعادة عرضه ضمن أرشيف المعرض، ومنه ما عرضته قناة «الوثائقية»، أمس، ويتضمن ندوة نادرة للنجم الكبير «عادل إمام»، ضمن سلسلة الندوات التى تبثها الوثائقية يوميا تحت عنوان «من أرشيف المعرض» بمناسبة الدورة الـ55 لمعرض القاهرة الدولى للكتاب.
لقاء الفنان عادل إمام تم على هامش معرض الكتاب مطلع الألفية، تحت عنوان «تحديات القرن»، وأدارها الدكتور سمير سرحان، رئيس الهيئة وقتها، وتحدث فيها الفنان عادل إمام عن كثير من الأمور، أبرزها قيمة الفن المصرى وأهميته، ودور الفنون فى تطور المجتمعات البشرية.
قناة الوثائقية، إحدى قنوات الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، عرضت حلقات وثائقية «من أرشيف المعرض»، والتى تتضمن مجموعة نادرة ومتنوعة من ندوات فكرية، ولقاءات ثقافية مهمة عقدت وأُجريت فى دورات سابقة من معرض القاهرة الممتد منذ عام 1969، ويظهر فيها عدد من كبار المفكرين والمثقفين والشخصيات العامة، خلال فترات زمنية مختلفة، بوصفهم شهودا يوثقون أحداث سنواتهم، وتاريخنا، وكانت المحاور تتم من خلال لجان من كبار المثقفين والمفكرين.
ندوات معرض الكتاب طرحت على مدى عقود فرصة للقاءات مع نجوم أو مثقفين وكتاب كبار، وبعضها كانت تطرح موضوعات وقضايا مطروحة، مع الوقت تغيرت الموضوعات على مدار سنوات وشهدت تحولات كثيرة، فرضت جدلا ونقاشا من نوع خاص.
وبالرغم من ارتفاع أسعار بعض الكتب، فقد عرضت قطاعات وزارة الثقافة ومنها الهيئة العامة للكتاب، وهيئة قصور الثقافة، سلاسل وكتبا مهمة جدا، بأسعار مناسبة فعلا، وجدت إقبالا من القراء، وباعت أجنحة الوزارة عشرات الآلاف من النسخ، بجانب سور الأزبكية الذى يمثل قبلة لقراء يذهبون بحثا عن كتب وطبعات محددة، وأيضا دور النشر العربية التى تعرض مطبوعات وإصدارات مهمة وبأسعار مناسبة.
النقاش حول نوعية الكتب مطروح على مدى عقود، والمهم هو فتح المجال لمناقشات جادة، وتوسيع دوائر النقاش خلال ندوات وفعاليات تتم دراستها من قبل لجان تضع خططا للندوات التى تناسب الموضوعات والنقاشات الدائرة على المستويات المختلفة.
القراءة فى حد ذاتها طريق للفهم والمعرفة، والوعى الذى يتكون على مدى عقود، وقد شاركت فى ندوة «رواد المواطنة فى مصر»، لمناقشة لكتاب الدكتور محمد حسينى الحلفاوى، بهذا الاسم، مع الصديق الأستاذ هانى لبيب رئيس تحرير مبتدأ، والكاتب الصديق أحمد أيوب رئيس تحرير المصور، والصديق المفكر جمال أسعد، وقلت إن مشهد رواد وزحام معرض الكتاب دائما ما يثير إعجابنا، وقلت «إن من يقرأ لا يتطرف وتكون لديه القابلية للخلاف والمناقشة»، وهو ما نحتاجه دائما.