ما يمتلكه المواطن من قدراتٍ ومهاراتٍ وخبراتٍ تمكنه من أن يكون لديه دخلٌ ماديٌ في مجالٍ من مجالات الحياة الاقتصادية، ويصبح لديه الدافع والحافز لأن يحسن ويطور وينمي من خبراته؛ ليصل إلى مستويات الاتقان والابتكار فيما يؤديه، ومن ثم يُسهم في التنمية الاقتصادية ببلاده؛ فهذا ما نطلق عليه رأس المال البشري، كونه المورد الأصيل الذي له مكوناتٌ ينبغي التركيز عليها والاهتمام بتنميتها بصورةٍ مستمرةٍ؛ حيث التزود بالمعرفة، وتنمية العمق القيمي الذي يؤمن به المجتمع، ويعمل على تعضيد المواطنة بكل أبعادها وأنماطها؛ لنضمن تنميةً بشريةً متوازنةً ومستدامةً تساعد في نهضة الدولة بكل ما تملكه من قوةٍ وخبرةٍ.
وليس هناك جدلٌ حول أن الاستثمار في رأس المال البشري يُعد من قمة أولويات الدول بغض النظر عن مركزها الاقتصادي؛ فبواسطة المورد البشري تستطيع الدولة أن تحدث تقدمًا ملموسًا في اقتصادياتها بتنوعاتها، وأن تستثمر الطاقات البشرية في المجال الذي يحقق التنمية بصورةٍ رائدةٍ وتنافسيةٍ في ضوء ما يطلبه سوق العمل المحلي والدولي، وهذا بالطبع يعتمد على آليات الإعداد المسبقة للعنصر البشري في مراحل التعليم والتدريب وصقل الخبرات، وفق ما تتبناه الدولة من سياساتٍ واستراتيجياتٍ مقرونةٍ بأهدافها العليا.
والدول الطموحة تحاول بشتى الطرائق استقطاب الاستثمار الأجنبي في ربوعها، ومن ثم توفر له المقومات التي تُساعد على توطينه، وهذا الأمر يحقق لديها تنميةً حقيقيةً في رأس المال البشري خاصتها؛ حيث إن عمليات التشغيل في المشروعات الاستثمارية تحتاج للعنصر البشري الذي يمتلك المهارة أو حتى المقدرة على العمل، ولا يتوقف تدريبه وصقل خبراته ما دامت المنشآت الاستثمارية تستهدف الربح وزيادة الإنتاجية؛ فمن الطبيعي أن احتياجات ومتطلبات سوق العمل متغيرةٌ، وأن عاملي التنافسية والريادة التي يتحلى بها الاستثمار الأجنبي يشكلان سر النجاح والاستمرارية.
وبرويةٍ نرى أن مؤسسات الاستثمار الأجنبي بالدولة تعمل على تلبية متطلباتٍ واحتياجاتٍ أساسيةٍ للعاملين بميادين الإنتاج؛ فيأتي بعد التنمية المهنية الاهتمام والرعاية الصحية التي تقدمها تلك المؤسسات؛ كونها ركيزةً رئيسةً يعتمد عليها الإنتاج؛ حيث الاستثمار الكامل للطاقات البشرية؛ لتقدم أفضل ما لديها من خبراتٍ، كما أنه ضمانةٌ لتحقيق الصحة العامة للفرد وخلوه من العلل والأمراض، بما يجعله يشعر بالأمان الوظيفي، وأنه محور اهتمام المؤسسة، ومن ثم تتكون لديه قيم الولاء والانتماء المؤسسي الذي تحثه لأن يكون حريصًا ومتقنًا لما يوكل إليه من مهامٍ نوعيةٍ.
ومن الأدوار المهمة التي نطالعها من خلال تواجد الاستثمار الأجنبي في مصرنا الحبيبة مرتبطٌ بتنمية رأس المال البشري، الحد من هجرة العقول ذات الرصيد الفكري المتميز في مجالٍ من المجالات العلمية؛ فعندما يجد من يمتلك المعرفة والخبرة مُناخ العمل الذي يفجر من خلاله طاقاته الابتكارية لا يفكر البتة في مغادرة موطنه؛ إذ يستشعر أهمية ما يقوم به في بيئةٍ توفر له متطلبات وآليات الابتكار كي يتسارع وينمو ويتطور الإنتاج ويخرج في صورة تلقى رضا العميل على المستويين المحلي والعالمي، ومن ثم تصبح الاستفادة متبادلةً بين طرفي المعادلة.
ولا ننكر على مؤسسات الاستثمار الأجنبي استيعابها لمخرجات البحث العلمي التطبيقي إذا ما ثبت جدواها الاقتصادية، ومن ثم يُسهم هذا النمط من الاستثمار في تعزيز آليات البحث العلمي؛ حيث تبدو جليةً من خلال أطر التعاون البناء والشراكات الفاعلة بين المؤسسات البحثية بالدولة المصرية ومؤسسات الاستثمار الأجنبي، وهذا المردود يؤكد لدينا ما يشهده البحث العلمي من تطورٍ غير مسبوقٍ؛ فأداة التنمية في المجال البحثي رهينٌ للتطبيق الذي يتطلب مقوماتٍ ودعماً لوجستياً في الميدان، كما تنشط المنهجية البحثية لدى العلماء في صورتها المنشودة؛ لتحقق النهضة التي نترقبها في كافة المجالات والقطاعات.
وبما لا يدع مجالًا للشك عندما يأتي الاستثمار الأجنبي هالًا في بيئتنا المصرية المستقرة؛ فإنه يجذب معه التكنولوجيا المتطورة ومفرداتها التقنية التي تُساعد في تحقيق غاياتها الكبرى والمتمثلة في حصد أعلى فائدةٍ ماديةٍ ومن ثم السعي للتوسع والانتشار في ربوع الوطن، وهذا يعود بالفائدة على العنصر البشري؛ فيكتسب خبراتٍ تقنيةٍ على أعلى مستوى، ويستطيع أن يحدث ابتكاراتٍ ترعاها هذه المؤسسات التي تعي تمامًا أهميتها في التنمية الاقتصادية.
وجديرٌ بالذكر أن مستويات الدخول تتحسن مع الاستثمار الأجنبي الذي يضيف للدخل القومي للدولة، عبر إتاحة فرص العمل المتنوعة، وهذا الأمر مرهونٌ بدعم هذا الاستثمار كي يستهدف الانتشار في بقاعٍ ومناطقٍ عديدةٍ تتطلب مزيداً من القوى العاملة البشرية، بما يزيد من القدرة التشغيلية ويؤدي إلى تحسن المعيشة، ويحقق جودة الحياة المقرونة بعوامل الرضا والاستقرار والاندماج المجتمعي.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.