يُعد سعر الصرف أحد أدوات الربط بين الاقتصاد المصري وسائر الاقتصاديات الأجنبية، ويشير إلى عدد الوحدات النقدية التي يتم تبادلها مقابل عملات مختلفة، ومن ثم يأخذ سعر الصرف شكله الرسمي للعملة المحلية مقابل العملة الأجنبية وفقًا للطلب والعرض عليها في سوق الصرف في لحظة زمنية محددة، فيما يرتبط بالمبادلات الجارية الرسمية، بينما هناك سوق موازي يحدد سعر صرف مختلف تحدده احتياجات السوق من عرض وطلب على الاستيراد بمختلف تنوعاته.
ودلالة ما تقدم يؤكد أن ميزان المدفوعات المصري غير موجب؛ لأن قيمة الطلب على الواردات أكثر من قيمة الصادرات، ومن ثم نتوقع أن تتكامل الرؤى الإصلاحية الخاصة بالاقتصاد المصري لتشمل زيادة الصادرات بمزيد من الإنتاج والتصنيع في شتى المجالات؛ لنصل إلى الهدف المنشود، وهو أن يحقق ميزان المدفوعات رصيدًا يعمل على توازن في عرض العملة المحلية وزيادة الطلب عليها، وهذا يؤدي إلى ثبات قيمتها، بل وقد تفوق العملات الأجنبية في مرحلة ما.
ورغم أن هناك عوامل متغيرة مرتبطة بأحداث معينة، منها تفاقم الحروب وتأثيرها على العالم من حيث توافر الغذاء ومتطلباته، والنوازل التي المت بالعالم كله وأثرت على مخرجات الإنتاج بكل أنواعه، وتفاقم البطالة العالمية مما نتج عنها زيادة في الاستهلاك وضعف في الإنتاجية الكلية، والعزوف بعض الشيء عن السياحة لأسباب أمنية ومادية، وتأثر الموانئ والمعابر البحرية وحركة الملاحة العالمية بالأزمات المتنوعة من قرصنة واعتداءات مختلفة الأساليب والطرائق؛ إلا أن الدول تسعى دومًا لإنعاش اقتصادياتها بفكر ابتكاري؛ كي توفر الاحتياجات والمتطلبات المعيشية الرئيسة، وتستكمل مسار نهضتها في المجالات المختلفة وفق ما تتبناه من خطط واستراتيجيات آنية ومستقبلية.
ويصعب أن ننكر أزمة النقد الأجنبي والذي أدى لمشكلات متعددة منها هروب الاستثمار الأجنبي المباشر وارتفاع الأسعار للسلع الأساسية، وضعف مسارات التصنيع التي تتطلب موادًا خامًا خارجية، ومن ثم انخفاض القدرة الشرائية نظرًا لتدني الدخول على المستوى العالم؛ بالإضافة إلى ارتفاع قيمة النقد الأجنبي مقابل النقد المحلي، وهنا تحتاج الدولة لأن تصل إلى حالة الاتزان من خلال آليتين لا ينفصلان عن بعضهما البعض، الأولى العمل على زيادة الإنتاجية وضح مزيد من الاستثمار الأجنبي داخل ربوع الدولة بعد تهيئة المناخ الداعم لذلك، والثانية تتمثل في تحديد سعر الصرف التوازني لتتساوى القيمة المطلوبة مع القيمة المعروضة، وتتوقف عمليات المضاربة التي من شأنها تخلق السوق الموازي، كي لا يحدث ما يسمى بحركات رؤوس الأموال غير العادية نتيجة للتعامل معها كسلعة.
والمعالجة سالفة الذكر تبنتها الدولة المصرية بصورة حرفية؛ حيث تم تقييم سعر الصرف للجنيه المصري مقابل الدولار بما يعبر عن حقيقته، وعززت الدولة مسارات التنمية الاقتصادية بغرض توطين الصناعات وغزوها للأسواق العالمية بما يسهم في زيادة الصادرات بكافة تنوعاتها، ويخلق حالة من الطلب المتزايد عليها وفق مراعاتها للمواصفات القياسية العالمية، ونتيجة لجهود القيادة السياسية المخلصة والمتواصلة تم ربط التعاملات المحلية بعملات أجنبية غير الدولارية بغرض التنويع وتجنب التبعية المطلقة لعملة واحدة، وقد نجحت الدولة بدبلوماسيتها الرائعة في تفعيل الاتفاقات الدولية للتبادل التجاري بعملات تلك الدول في العديد من المجالات، وهناك جهود بناءة في ارتقاء الدولة لمستويات الاكتفاء الذاتي خاصة في بعض السلع الغذائية والتي كانت تنال النصيب الأكبر في الواردات المصرية؛ حيث تستهدف السياسات الزراعية توسعة الرقعة المنزرعة للعديد من الحبوب والمحاصيل.
إن التسعير العادل للعملة المحلية المصرية قضى على السوق الموازي وقدم الفرصة السانحة لزيادة الصادرات ومن ثم ينعكس على تحسين ميزان المدفوعات، وفي الوقت ذاته يظهر حقيقة الطلب على النقد الأجنبي ليس كونه سلعة؛ لكنه أداة للاستثمارات، وهذا بالطبع سيؤدي حتمًا لترشيد الاستهلاك؛ فلا مجال للمغالاة من خلال المضاربات التي تؤدي إلى أضرار جسيمة بالاقتصاد المصري ومنها انخفاض القدرة التنافسية للمنتجات المصرية في الأسواق العالمية؛ لذا بات التسعير العادل علاجًا فاعلًا في القضاء على الفجوات والاختلالات بين الهيكل الإنتاجي المصري والتجارة الخارجية
وفي هذا الإطار ينبغي أن تحقق أجهزة الدولة المختلفة مقومات نجاح هذا التسعير؛ لتعمل على ضبط الأسواق، وتمنع ما يسمى بالسوق الموازي، وتغلط العقوبات حيال كل من يحاول العبث باقتصاد الدولة؛ فمن المتوقع بعد عقد الصفقات الاستثمارية الضخمة وتعديل سعر الصرف من قبل المركزي أن يستقر ميزان المدفوعات المصرية، كما يتوقع أن تزداد الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الفترة المقبلة؛ لأن المناخ صار داعمًا بكل المقاييس للمستثمرين.
نقدر ونثمن ما تقوم به الدولة ومؤسساتها الوطنية من جهود مضنية لتحسين معيشة المواطن عبر حزم الإجراءات المتتابعة التي تسهم في تحسين الاقتصاد وتخفيف العبء عن المواطن عبر إطار الحماية المجتمعية، ونأمل أن تتوالى سُبل الرعاية الشاملة لنحقق أهداف التنمية المستدامة في مجالاتها المختلفة؛ ليحصل الفرد على خدمات متميزة، تجعله قادر على العطاء والبناء واستكمال مسيرة النهضة؛ فبلادنا تستحق أجيال مؤهلة تمضي بها لمستقبلها المشرق.
حفظ الله شعبنا العظيم ومؤسساتنا الوطنية وقيادتنا السياسية أبدَ الدهر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة