حالة من التواصل بين الماضي والحاضر، تتجلى بوضوح في الأعمال الدرامية التي أطلقتها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، في إطار أشبه بـ"الحوار"، ربما تتجمع خيوطه، سواء فرديا على مستوى العمل الواحد، أو على مستوى الأعمال في مجملها، وهو ما يبدو في الانسجام والتناغم بين طبيعة القضايا التي تناقشها الأعمال، والتي تتسم بتنوعها، مما يعزز عنصر التكامل، والذي سبق وأن أشرت إليه في مقال سابق، من جانب، بالإضافة إلى تحقيق عامل التنوع، من جانب آخر، فنجد أن الأعمال المقدمة، وإن كانت تناقش قضايا مختلفة، إلا أنها تحمل في مجملها أهدافا محددة، وهي تناول القضايا التي تواجه المجتمع، بهدف إحداث حالة تنويرية وإصلاحية، من شأنها تعزيز ما تحقق خلال السنوات الماضية، على أرض الواقع، على المستوى السياسي والاقتصادي والمجتمعي.
ولكن بعيدا عن العناصر التي اتسمت بها الأعمال الدرامية، بين التنوع والتكامل، والطابع الإصلاحي، والتي أسهبت في الحديث عنها مسبقا، تبدو الحاجة ملحة إلى مناقشة حالة "الحوار" الناجمة عن مجمل الأعمال المقدمة خلال الموسم الرمضاني الحالي، والتي تتجسد في صورة واضحة في تناول مختلف للعديد من القضايا، تساهم في تحقيق قدر من التفاعل المجتمعي، والذي يصل أحيانا إلى حد الجدل، سواء فيما يتعلق بالبعد المجتمعي أو حتى الفني، والمرتبطة في بعض الأحيان في فنيات العمل، من حيث أداء الممثلين، والإخراج والتصوير، حتى اللغة المستخدمة في العمل، وهي أمور، ربما تعكس حجم التأثير، في ظل تركيز المشاهد العادي، على أمور فنية، ربما لم تكن جزءً أساسيا من المناقشات التي يتداولها المتابعون، في ظل جرعات الإثارة الزائدة، التي اتسمت بها الأعمال الفنية منذ سنوات قليلة بهدف تحقيق الربح.
"الحوار" الذي خلقته الدراما الرمضانية، مع انطلاقة أيامها الأولى، تجلت في العديد من المسارات، ربما أبرزها في موضوعات بعض الأعمال بعينها، منها على سبيل المثال، مسلسل "عتبات البهجة"، والذي يتناول في جوهره "صراع الأجيال"، جراء اختلاف القيم والمعايير، والتي تبناها الجد، ومعطيات العصر التي تواجه الأحفاد، في زمان "السوشيال ميديا"، والتي ساهمت في تحقيق حالة من الانفتاح، من شأنها تقويض أسس المجتمع وثوابته، في ظل استيراد قيم بديلة، وهو العمل الذي يحقق معادلة تبدو صعبة إلى درجة التعقيد، تتجسد في تحويل الصراع بين الأجيال، إلى "حوار" حقيقي، من شأنه الوصول إلى أرضية مشتركة من الاحتفاظ بالقيم الأصيلة، مع تحديثها لتتواكب مع معطيات العصر.
بينما يبقى المسار الآخر، في تحقيق حالة من التناغم بين كبار وشباب والنجوم، وهو ما يبدو في ظهور قوي للفنانين الكبار، أصحاب الخبرات العميقة، على غرار النجم يحي الفخراني، في "عتبات البهجة"، والفنانة ميرفت أمين في "مليحة"، والفنانة ميمي جمال في "كامل العدد"، وغيرهم، مما ساهم في خلق التواصل بين جيل الشباب والكبار، في عالم الدراما، مما يضفي المزيد من الزخم للأعمال الفنية بحكم الخبرات الكبيرة التي يتمتع بها النجوم القدامى، مما يسمح لشباب الفنانين الاستفادة منها للخروج بأعمال فنية متميزة، تنسجم فيها الخبرات الكبيرة مع حماسة الشباب، بالإضافة إلى توسيع دائرة المتابعة بين الأجيال باختلافها، في ظل حالة الشغف لدى الكبار في رؤية نجومهم المفضلة الذين غابوا عن الشاشات لفترات زمنية ربما ليست قصيرة.
مسار ثالث يتجسد في إحياء الإرث القديم والعمل على تحديثه بما يتناسب مع العصر، وهو ما يبدو في جزء منه، في الأعمال التي تمثل امتدادا للدراما التي ميزت شهر رمضان لعقود، منها على سبيل المثال مسلسل "جودر"، والذي يعيد إلى الأذهان فانتازيا الخيال، والتي هيمنت لسنوات على الموسم الرمضاني، عبر مسلسل "ألف ليلة وليلة"، ناهيك عن إعادة الأعمال التاريخية إلى صدارة المشهد، حيث كانت تمثل أحد سمات الدراما في الشهر الفضيل، عبر مسلسل الحشاشين والذين يستعرض حقبة تاريخية مهمة، بالإضافة إلى دراما الطفل، والتي تعيد إلى المشهد العديد من الأعمال الفنية التي تبقى عالقة في أذهان أجيال عديدة، والتي تصدرها كبار النجوم، بدءً من فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي، ويونس شلبي وهالة فاخر، والذين قدموا أعمالا مازالت تحمل الكثير في قلوب قطاع كبير من أصحاب العقد الرابع والخامس من العمر في الوقت الحالي، خاصة في ظل قدرتها على تعزيز القيم والأخلاقيات في نفوسهم، وهو ما يبدو في مسلسل "نورة"، و"يحي وكنوز" و"سر المسجد"، وهي الأعمال التي تمثل امتدادا للعديد من الأعمال الخالدة، منها "بوجي وطمطم"، وأعمال "عمو فؤاد" و"جدو عبدو" و"بكار" وغيرها.
وأما المسار الرابع، فيبدو كذلك في إعادة انتاج أعمال مهمة في ذاكرة الفن المصري، ومع تحديثها بما يتناسب مع العصر، وهو ما يبدو في مسلسل "امبراطورية ميم"، والذي يعيد إلى الأذهان الفيلم الشهير الذي يحمل نفس الاسم، وهو ما يمثل أحد أوجه الحوار بين الماضي والحاضر.
وهنا يمكننا القول بأن ثمة حوار، باتت تخلقه الأعمال الدرامية، في الموسم الحالي، على مسارات متعددة، ربما لم نذكرها بالكامل في هذا المقال، ولكنها تبقى مؤشرا مهما على نجاحها، في ظل الانسجام بين القضايا المعروضة، والنجوم المشاركين، ناهيك عن قدرتها على تحقيق التواصل، سواء في إطار الأعمال وبعضها، أو داخل العمل الواحد، من خلال المزيج العبقري بين النجوم المشاركين، بالإضافة إلى إعادة إحياء الإرث القديم مع العمل على تحديثه، مما خلق قدر أكبر من المتابعة جراء النجاح الكبير في الوفاء بكافة الأذواق رغم اختلافها.