تهتم هندسة العلاقات الإنسانية ببناء وتطوير وتحسين ورقي العلاقات فيما بين الأفراد؛ حيث تشمل صورة العلاقات العائلية، والاجتماعية، والعاطفية، والمهنية، وفي مجملها تستهدف فهم ديناميات التعاملات، وتحرص على تطوير المهارات اللازمة لبناء روابطٍ صحيةٍ ومثمرةٍ؛ ليصبح الفرد داخل الأسرة والمجتمع مستقرًا يستشعر الدفء والمحبة، ويتبادل الوجدانيات الطيبة مع الآخرين، ويسعى لتحقيق الأهداف العامة التي تتبناها الأسرة ويرعاها المجتمع.
وتقوم هندسة العلاقات على تنمية وتعميق الروابط الإنسانية بين الأفراد والجماعات، بما يمكن المجتمع بكامله من الوصول إلى حالة التماسك والوحدة، هذه الحالة التي تساعده في تحقيق الطموحات والأهداف العليا المنشودة، ومن ثم تصبح العلاقات بين الناس قوية ومتماسكة، لا يشبوها ضعفٌ أو هشاشةٌ لأسبابٍ متغيرةٍ قد تكون داخليةً أو خارجيةً.
ويعد التواصل الفعال أحد العناصر الأساسية في بناء علاقات صحية أساسها الصدق والتفاهم مع أفراد الأسرة والآخرين، ويتم ذلك بتوظيف نمط التواصل اللفظي أو نمط التواصل غير اللفظي؛ للتعبير عن الأفكار والمشاعر بوضوحٍ، ومن ثم يتم بناء الثقة بين الأفراد من خلال المصداقية والنزاهة والاحترام المتبادل والتعامل مع الآخرين بلطفٍ وتقديرٍ وتجنب التحكم أو الإهانة.
ولا يغيب عنا أن نأخذ في الاعتبار ضرورة الاهتمام بتنمية وتطوير مهارة حل المشكلات بشكلٍ بناءٍ، ونحرص على الانفتاح للحوار والتفاوض للتعامل مع التحديات والتباينات التي قد تنشأ في العلاقات الأسرية والاجتماعية، وهنا يتوجب البحث عن حلولٍ مبتكرةٍ قائمةٌ علي التعاون والمشاركة التي تلبي احتياجات جميع الأطراف المعنية، مع التأكيد على إظهار الدعم والتعاطف مع مشاعر وتجارب الآخرين، والاهتمام بالتسامح والدعم والمساندة في الأوقات الصعبة.
وفي إطار العمل على تحسين العلاقات يتوجب علينا أن نحدد أولوياتنا لنحقق التوازن بين العمل والحياة الأسرية والاجتماعية بإدارة الوقت بشكل فعّالٍ والسعي المستمر لتطوير المهارات الشخصية والاجتماعية؛ حيث يتطلب ذلك جهودًا مستمرةً وتفاعلًا مع الأفراد المحيطين بنا والعمل على تحسينها باستمرار لتعزيز الروحانية الفردية وتحقيق السعادة والاستقرار في حياتنا وحياة الآخرين، وضرورة الاهتمام بدراسة وتحليل العلاقات بين أفراد الأسرة والمجتمع لتحقيق التفاهم والتواصل الصحيح وحل المشكلات وتعزيز العلاقات الإيجابية.
ويعد شهر رمضان فرصةً كبيرةً لهندسة العلاقات وتحقيق التواصل والتفاهم؛ حيث يمكن للأفراد أن يستغلوا هذا الشهر لتقديم الدعم والمساعدة للآخرين، وتصحيح الخلافات وإبرام المصالحات، ونشر روح التعاون والتضامن؛ فشهر رمضان الكريم فرصةٌ لتقوية العلاقات الاجتماعية والروحانية وتحقيق أطر التواصل والتفاهم مع الآخرين من خلال الصيام والقيام وتلاوة القرآن الكريم والعبادات الفردية والجماعية، كما يمكن استغلاله لتطوير المهارات البين شخصية.
ومما يساعد على هندسة العلاقات بشهر رمضان الاحتفاء بالتقاليد والعادات المصرية الأصيلة التي ترتبط بالشهر الكريم، من خلال تجمع الأسرة والأقارب والأصدقاء علي مائدة الطعام وتبادل أطراف الحديث والذكريات والأفكار المختلفة والنوادر مما يوالد جوًا من الألفة والمحبة والإخاء، والاحتفاء بالعادات والتقاليد الدينية الموسمية، مما يقوي الانتماء والروابط العائلية بالثقافة والتراث وحب الوطن والتراحم بين الأفراد عن طريق حث أفراد العائلة على ممارسة الإحسان والعطاء خاصة خلال شهر رمضان بواسطة تشجيعهم على إطعام الصائمين، ومساعدة المحتاجين، والمشاركة في الأعمال الخيرية الروحانية.
ويمكن استغلال الوقت مع الأسرة والعائلة بشكلٍ إبداعيٍ عن طريق ممارسة الهوايات المشتركة وتنميتها والعمل على تنظيم أنشطة تعليمية وترفيهية مختلفة تساعد على التواصل وتطوير مهارات جديدة، كما يمكن تنظيم أمسياتٍ خاصةٍ مع أفراد العائلة خلال شهر رمضان إذ يمكن قضاء وقت ممتعٍ في مشاهدة بعض المسلسلات المفضلة الهادفة، وإقامة مسابقات أو جلسات حوار، مما يوجد نوع من الالتفاتة والمرح في العلاقات العائلية.
ويمكن استثمار وقت الإفطار والسحور والتراويح للجلوس معًا كعائلة والتحدث والاستماع ومناقشة أحداث اليومية والجارية على الساحة، والمواضيع المهمة، كتقديم الصدقة والزكاة والتشاور مع أفراد الأسرة في تحديد المستحقين وتوزيع المساعدات؛ فهذا يقوي الوعي الاجتماعي والروابط الإنسانية والتواصل والترابط العائلي.
ولا ننسى تربية الأبناء تربية عملية قائمة على ضبط الغرائز والسيطرة عليها، وإشعار الأفراد بأن مفهوم الحريات مقيد بماهية الخير للفرد والجماعة، وهذا جهاد شاق يعوّد على الصبر والتحمل، ويعلّم قوة الإرادة ومضاء العزيمة، ويُعِدُّ الإنسان لمواجهة احتمالات الحياة بحلوها ومرها، وسائر تقلباتها، ليصل بالنفس إلى أعلى مقاماتها، ويستطيع أن يتحمل تبعات النهوض بمجتمعه عن جدارة.
ويزخر شهر رمضان الفضيل، بالعديد من أشكال الحب والطاعة التي يعبد بها الإنسان خالقه ويعمل على توطين القيم والعادات والتقاليد وثقافة المجتمع عن طريق تعرف الأبناء بشبكة العلاقات الاجتماعية، وتدربهم على ممارستها ودراسة ممارسات الآخرين في الماضي والحاضر للوقوف على نتائجها وثمراتها لتتحقق ثمرة المظهر الشعائري بالتوازن النفسي، والتطبيق العملي، والقناعة العقلية.
فروحانية رمضان تأكد وتعيد هندسة العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة والمجتمع في صورتها الإيجابية وتقوي اليقين في النفوس، وتؤكد الاستقامة في السلوك، والتواد والتراحم بين الأفراد، وإصلاح القلوب وزكاة النفوس وتقوي القلوب، وتطهير النفس من الشوائب، وتقوية وتجديد العلاقة بين المؤمن والله عز وجل ونيل رضاه والفوز برحمة الله ومغفرته والعتق من النار ودخول الجنة بأمر الله من باب الريان.
كما أن العلاقات الأسرية والاجتماعية تتطلب جهودًا دؤوبةً ومستمرةً وتفاعلًا مع الأفراد المحيطين بنا، والعمل على الاستثمار في هذه العلاقات وتحسينها باستمرار لتقوية الروحانية الفردية استنباطًا من روحانية شهر رمضان الكريم، وتحقيق السعادة والاستقرار في حياتنا وحياة الآخرين بالدنيا والفوز بالآخرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة