قيل قديمًا: "داري على شمعتك تضيء"، وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم): "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان". ورغم ذلك يرى الإنسان أن كل شيء في حياته يستدعي التباهي، لابد وأن يُظهره للناس لكي يكون محل حسد واهتمام الآخرين، وينسى أن الحسد سيُحيل حياته إلى جحيم، ويظن أنه لو لم يُعلن عن حياته يكون كمن يسرق أو يعيش في الظلام، وكأن النور هو الناس، في حين أن النور هو السعادة الداخلية التي تنبعث من قلب الإنسان، فهي لا تحتاج إلى شهادة الشهود، فهي تعيش على الاكتفاء الذاتي.
وبالمناسبة، كل مَنْ يرضى ويقنع بحياته، ويملك القدر الوافر من الاكتفاء الذاتي، يعيش في هدوء وسلام وراحة بال، فللأسف، الناس تهوى النقد، والتنظير، والحسد، فعلينا أن نتذكر كم من مناسبة عامة حضرتها الجموع الغفيرة من الناس، وسلمت من النقد، فلابد أن تكون هناك عين مُتربصة، وعين مُراقبة، وعين ناقدة، وعين رافضة، وحاسدة. ونادرًا جدًا ما ترى العين الراضية أو المادحة أو اللاهية.
فلماذا لا يكتفي الإنسان بعينيه؟ لماذا لا يرى فيهما كل العيون، وحتى لو احتاج لمشاركة المحبين، ألا يكفي مشاركة من معه سواء كان الحبيب أو الصديق، أو غيرها من أصحاب الحدث، وهذه ليست دعوة للعزلة أو الوحدة، ولكنها دعوة للانتقاء والاكتفاء، فالعبرة ليست بالكثرة والجموع والحشود، ولكنها بالإحساس بالسعادة التي تملأ القلب، فالتباهي ليس للناس، ولكنه للنفس، فالإنسان يتباهى بحُسن اختياره، أو بصحيح قراره، أو بصدق إحساسه، ولكن بينه وبين نفسه، فهذا يُشعره بنجاحه، أما التباهي المصدر للآخرين، لا يجلب سوى الخراب والدمار، لأن هناك مَنْ سيحقد فيقلل من قيمة النجاح أو السعادة، وهناك مَنْ سيحسد فيتمنى زوال النعمة، وهناك مَنْ سيكره فيُعرقل المسيرة، وما أكثر هذه الأصناف البشرية.
فاكتفِ بعينيك، فهي التي تحتاج إلى رؤية نجاحاتك، وهي التي تستحق أن ترى سعادتك، فالاكتفاء الذاتي نعمة لا يُدركها سوى صاحب البصيرة، لذا نرى الحكماء لديهم عُيون مُشبعة، لا تحقد، ولا تحسد، ولا تتذمر، ولا تراقُب، ولا تفحص، لأنها لا ترى سوى ما يدور في فلكها، فهي ترى عُيوب صاحبها لتُصححها، وترى مميزاته لتزيدها، وترى نجاحاته لتُباركها، فمَنْ يكتفي بعينيه البصيرة، يعيش راحة بال لا تنتهي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة