نحن لا نرسم صورا بألوان زاهية للتجميل أو الزينة أو لإخفاء واقع سيئ يقبع خلفها، وإنما نقدم الصورة كما هى، دون تعديل باستخدام «الفوتوشوب»، تأسيسا على أنّ الحقائق أكثر إقناعا وأقوى تأثيرا على الأذهان، والحقيقة الثابتة أننا كمصريين نعيش ولأول مرة فى التاريخ، فى عصوره المختلفة، وسط تهديدات خطيرة فى كل الجبهات والمحاور الاستراتيجية، جنوبا وغربا، وشمال شرق، وشمال غرب، ومطلوب من مصر، رفع درجة اليقظة والاستعداد والتجهيز الأمنى للقصوى.
والأمن لا يرتكز على تأمين الحدود البرية، فقط، كما يعتقد البعض، وإنما مرتبط بتأمين الحدود البحرية، وحماية سمائها، وفى ظل اشتعال كل الجبهات الاستراتيجية، فإن الأمر يتطلب أعلى درجات اليقظة والاستعداد والتجهيزات بدرجات متساوية، دفاعا عن الأمن القومى المصرى، ومنع تسلل النار للبلاد.
وهنا لم يسأل مواطن، كم تتكلف حماية الحدود، من جهد ويقظة وتضحية ومال؟ ولو لم تحدث الطفرة فى تأهيل جيش مصر تدريبا وتسليحا، خلال الفترة الماضية، ماذا كان الحال بنا الآن؟ وهل فطن هؤلاء الذين كانوا يملأون الدنيا ضجيجا بأسئلة الشك والتسخيف من جدوى وأهمية تسليح الجيش بالميسترال جمال عبدالناصر، والميسترال أنور السادات، بجانب الغواصات وطائرات الرافال، بأهمية تسليح الجيش وأن القيادة السياسية الحالية، كان لديها بُعد نظر، وقراء متميزة للخرائط، والتنبؤ بالمخاطر؟!
ولم يسأل البعض، بينما نحن نجلس فى الشتاء تحت «البطاطين» الدافئة فوق مراتب الأسرة الأسفنجية المريحة، ونضع اللاب توب فوق أرجلنا، أو نمسك بتليفوناتنا «المحمولة» نتصفح المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعى بأنواعها ومسمياتها، وننتقد ما نشاء، ونشيد بمن نشاء، ونطرح وجهة نظرنا الخالية من أى معلومات، ونناضل بحماس يصل إلى حد العنف، خلف الكيبورد، هناك جنود يقفون على الحدود، يتصدون بأجسادهم للنار المشتعلة لمنع تسللها للداخل المصرى؟
هل فكرت لحظة فى ظل اشتعال الوضع فى البر والبحر الأحمر من أقصى الجنوب لأقصى الشمال، وأيضا منطقة شرق المتوسط، أن هناك ثروات ومقدرات للبلاد سواء آبار الغاز، أو موانئ وقنوات بحرية، وأن حمايتها فقه الضرورة وتتبوأ قمة أولويات الحفاظ على الأمن القومى، وليس ترفا؟
هل فكرت فى تأمين سلامة الجنود، وتجهيزهم وتوفير أماكن إقامة لهم عند النوم، وتغذيتهم، وسط أجواء مناخية شديدة البرودة شتاء ورياح وعواصف وأمطار، وشديدة الحرارة صيفا، وقسوة شمس يوليو وأغسطس، بجانب المخاطر الجسيمة التى يتعرضون لها فى ظل اشتعال النيران فى الأوطان المجاورة؟
الفيلسوف الفرنسى ميشيل فوكو، وهو أحد أهم فلاسفة النصف الأخير من القرن العشرين، والمتبحر فى علم النفس واحتياج الإنسان، ومنظومته الثقافية والاجتماعية، أكثر ما شغله هو البحث عن إجابة واضحة لسؤال جوهرى يتعلق بما يحدثه عنصر الأمن والأمان فى عقل الإنسان، بشكل عام، وعقل المهتم بالشأن السياسى على وجه الخصوص.
وتوصل الفيلسوف الفرنسى الكبير، للإجابة عن هذا السؤال، والتى اعتبرها مُرضية، عندما قال إن الأمن هو من حقائق الحضارة ومشروط بالثقافة ونظم القيم المتعلقة بها، لأنها هى التى تهب المعنى والدلالة والطعم لكل الأشياء، وبالتالى فإن البعد الثقافى للأمن يرتبط بإنتاج المدارك والسياسات وتحديد الأوليات وتشخيص ما يعد تهديدا للدولة وما لا يعد كذلك.
لذلك فإن حماية الحدود، يقينا، ودون الحاجة لقريحة العباقرة، تكلفتها كبيرة وباهظة، سواء بالجهد أو المال والعتاد، لينعم المائة مليون وستة ملايين مصرى، بأمن وأمان واستقرار، ويعيشون حياتهم دون قلق وخوف، فالأمن وفق النص القرآنى مرتبطا ارتباطا وثيق بالطعام «والعفى ما حدش يأكل لقمته».
والتاريخ يؤكد أهمية الجيوش القوية فى الدفاع عن الأوطان، وصيانة أمنها القومى، واعتباره عمود خيمة كل وطن، لذلك لا غرابة أن تجد أكبر قوة على سطح الأرض حاليا، هى الولايات المتحدة الأمريكية، تمتلك جيشا قويا جرارا، له سمعته العالمية، وكذلك الصين وروسيا والهند، وكل دولة متقدمة ومزدهرة لا بد من قوة كبيرة تصون أمنها واستقرارها.
التاريخ، خاصة المعاصر، يذكرنا بفاجعة نجاح مخططات تفكيك الجيوش والقوات الأمنية، ومحاولة إعادة تشكيلها وتأهيلها وفقا لمفاهيم ومعطيات جديدة تختلف عن طبيعة وثقافة كل شعب، لذلك كل محاولات إعادة بناء الجيوش بعد تفكيكها باءت بالفشل، وكانت لها توابع كارثية، مستمرة تبعاتها حتى الآن، رغم كل محاولات البناء، والأموال الضخمة التى أُنفقت، ووصلت إلى أرقام فلكية، ورأينا كيف كانت المخططات الرامية لتدمير الأوطان التى اندلعت فيها ما تسمى ثورات الربيع العربى، تبدأ بتفكيك الأجهزة الأمنية وعلى رأسها الجيوش، وحدث ذلك فى عدد من الدول، ونجحت المخططات فيها.
الاستثمار فى الأمن، فقه الضرورة، ومهما كانت تكلفته كبيرة وباهظة، فإن مردوده أعظم وأكبر، فالأمن والاستقرار، القاعدة الرئيسية التى تنطلق منها التنمية والإزدهار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة