هيثم الحاج على

القافية المصرية .. الفن الساخر وإبداع اللغة

الجمعة، 22 مارس 2024 01:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

للعامية المصرية حضورها الخاص الذي تستطيع عن طريقه صناعة طريقتها الخاصة في التعبير، فهي لغة تتميز بالحياة ودقة التعبير والقدرة على معايشة اللحظة رغم تقلبها، بالإضافة إلى كونها لغة تتسم بجماليات خاصة تعكس قدرة المصريين على التعامل مع أفكارهم المعقدة بطريقة بسيطة تتسم مع كل ذلك بروح الفكاهة والسخرية.


وقد ظهرت تلك السمات في مجموعة من الفنون التي تميزت بها العامية المصرية دون غيرها، فنون لها جمالياتها وإيقاعاتها الخاصة التي تعلو فوق كونها مجرد فنون قولية شعبية إلى حد كونها فنون لغوية من طراز خاص يقترب من حد الشعر الذي يعد هو النمط اللغوي الأعلى.


ومن هذه الفنون فن القافية، وهو فن ارتجالي يعتمد على اشتباك الألفاظ مع معانيها المختلفة لصناعة أنواع مختلفة من التعبيرات الساخرة التي تقع بين النكتة والمثل، لتصنع طريقا تعبيريا ساخرا، يمتلك ناصية اللفظ ويحولها لتكون طوع رغبة المتحدث.


وقد ذكرها أحمد أمين في قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية كواحدة من الفنون الساخرة المصرية حين قال: "القافية على لسان عوام المصريين نوع من المزاح، يقول أحدهم كلمة فيرد عليه الآخر بكلمة تثير الضحك، ولكل حرفة من الحرف قافية؛ فقافية للمزينين، وللجزارين، ولكل شيء، ولذلك يحترسون عند الكلام الجد فيقولون بلا قافية، يريد أنه لا يمزح بل يجد"


والقافية فن تنافسي يخرج مخزونا من الغضب والسخرية، ويحول التنافس إلى لعبة محببة تعتمد على التقارب بين المتحدثين، وتصنع الألفة بينهم، كما تعتمد على حكم الجمهور بناء على كيفية تلقيه للقافية الملقاة، حيث يجب أن تكون مفهومة ومبتكرة في الوقت نفسه، يتقبلها القائل ومنافسه، فمعنى أن يبدأ أحدهما القول للآخر بكلمة (تخش لي قافية) أنه لا حدود ولا غضب، فالأمر مجرد لعبة لغوية، تعتمد على المشاركة، فيبدأ القائل بكلمة ليرد عليه المنافس (اشمعنى) فاتحا له الباب لكي يبدأ بطرحه الساخر.


ويورد أحمد أمين أمثلة على ذلك اعتمادا على تقسيم فن القافية لموضوعاته التي تصنع سياقا خاصا للحديث ففي «قافية النحو» يقول أحدهم: كيسك! فيقول الآخر مثلًا: اشمعنى فيقول الأول: ممنوع من الصرف، والقمل في رأسك! اشمعنى! ساكن، راسك! اشمعنى! مبنية على الكسر، اللي على رأسك! اشمعنى! جزمة، شنبك مضاف! اشمعنى! وشنب التيس مضاف إليه، المرض عليك! اشمعنى! ظاهر، أنت في الجهل! اشمعنى! مركب …
وهكذا لنجد أنفسنا أمام ابتكار جديد للغة يمكنه أن يفتح بابا واسعا للنظر في إمكانيات هذه اللغة التي تحمل على كتفيها إرث حضارة عريقة، وتضرب بجذورها في أرضها الخاصة، فهل يمكن لنا أن ندعو لفتح الباب لدراسة مثل هذه الفنون دراسة لغوية جمالية ثقافية لنعرف ما لدينا.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة