نوقن أن النصر قرين الإيمان الذي يتأتى من طاعة وإخلاص في العقيدة؛ حيث تعلو الهمة وتتفجر الطاقات وتزداد قوة الإرادة، وتصبح ساحة الجهاد والقتال غاية يتمنى أن يلتحق بها من لديه استعداد ومقدرة على بذل النفس والدم والرغبة في نيل الشهادة، وهكذا كان الجندي المصري في العاشر من رمضان سنة 1393هــ الموافق السادس من أكتوبر 1973م؛ فقد قام بملحمة سطرها التاريخ وما تزال دروسها باقية نستلهم منها القوة وتبيان الحق؛ فهي معلمة وعبرها تدرس في مشارق الأرض ومغاربها.
ورمضان المجد علا فيه تكبير جند مصر الذي هز وأرهب العدو الغاصب وزلزل أركانه؛ فبات يتخبط وتعلوه الدهشة من هول الموقف وجسارة الجيش وقواته التي تحلت بالصبر والإيمان وقوة الرباط والجأش؛ حيث الثبات في وقت الشدائد، وهذا ضاعف من العزيمة التي ساعدت في العبور وتحطيم الخطوط والقلاع والحصون على الأرض الطاهرة التي ارتوت بالدماء وشهدت بطولات أجيال تلو أجيال، تلك البقعة المقدسة التي لم ولن يفرط في رمالها جيش مصر الأبي وقياداته الباسلة وشعبه العظيم.
وسر النصر في شهر الفضيلة يقوم على تربية ممنهجة يتدرب فيها الفرد على الصبر والتحمل والإصرار تجاه بلوغ الهدف، كما يتحكم في شهواته ويضبط من نفسه ويعلي من لياقته البدنية، وفي حرب أكتوبر رأينا رؤيا العين توفيق العلي القدير لعباده الصالحين في تحقيق النصر المبين، وهو ما وعد به رب العزة في كتابه العزيز؛ حيث قال الله تعالى (ذَلِكَ بِأنَّهم لا يُصِيبُهم ظَمَأٌ ولا نَصَبٌ ولا مَخْمَصَةٌ في سَبِيلِ اللَّهِ ولا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الكُفّارَ ولا يَنالُونَ مِن عَدُوٍّ نَيْلًا إلّا كُتِبَ لَهم بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُحْسِنِينَ) (التوبة: 120).
ونستقرئ من الآية الكريمة أن المقاتل صاحب الإيمان والعقيدة الرمضانية لديه مقدرة على تحمل العطش ولا يعاني من تعب أو إعياء، ولا يشعر بجوع، ويظهر أمام العدو ثابتًا تبدو عليه المقدرة والعزيمة القتالية بما يغيظ ويرهب عدوه ويغضبه ويجعله يتردد في المواجهة ويتخبط في تحركاته، وفي خضم تلك العزيمة والإرادة والإقدام نال المقاتل المصري النصر وأدرك العدو الهزيمة النكراء، بل وشلت حركته وتحركاته وإمداداته ووهنت قوته وضعفت عزيمته وأيقن الهزيمة.
ومن ملامح النصر في هذا الشهر الكريم أن المقاتل المصري لم يطلب العون إلا من ربه، بعد الأخذ بالأسباب؛ فصار النظر حليفه والسداد قرينه، وقلبه منشرحًا مسرورًا للقاء العدو؛ فأقبل ونازل دون تردد، وحقق الإعجاز بمعنى الكلمة؛ فلم يكن يتصور العدو وغيره أن يجازف الجندي المصري في معركة مقوماتها المادية لصالح العدو؛ لكن المعنويات وقوة الإيمان وصلابة العزيمة والإرادة، وحب طلب الشهادة في سبيل الله والوطن في شهر النفحات كانت لصالح الجندي المصري المغوار؛ فظفر بالنصر ووسم بالعزة والبطولة التي أبهرت العالم بأسره.
وهذا ما أكدته كلمات العزيز الحكيم في محكم تنزيله إذ يقول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة: 111)، وهذا الإعداد قامت به مؤسسة مصنع الرجال التي عملت على تجهيز المقاتل الجسور نفسيًا وبدنيًا ليدحر الحق الباطل ويزيل العدوان ومن ثم فالموت في سبيل هذا المسعى غاية ينشدها ويتطلع إليها؛ فبهذا خارت قوة العدو وهزلت عزيمته وأنكسر وطفأ أمله وبهت منطقه وتأكدت لديه الهزيمة التي أدحرت مخططاته المستقبلية.
وقد تجلت نفحات شهر النصر على الشعب الأبي الذي قدم لجيشه صور الدعم والمساندة المختلفة؛ فكانت هناك صفوف المتطوعين بالنفس والمال والدم وتقديم الرعاية، وهذا ما اثلج صدور المقاتلين على جبهة القتال وبعث فيهم التفاؤل وقوى من شوكتهم، وهو ما نراه في كل التحديات أو الصعوبات أو المخاطر أو التهديدات التي تتعرض لها الدولة المصرية؛ إذ الجميع في رباط واصطفاف خلف الدولة وقيادتها وجيشها وشرطتها؛ لنثبت للعالم كله أن مصر باقية ما دامت السماوات والأرض.
حفظ الله بلادنا وجيشها وشعبها وقيادتها السياسية أبد الدهر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة