طوال الوقت، وعلى مدار قرون، كانت الحرب طريقا لتحقيق أهداف سياسية، ويسعى كل طرف لتحقيق انتصار يسانده فى الحصول على دفعات سياسية ومكاسب، وفى الحرب على غزة، يسعى بنيامين نتنياهو لتحقيق انتصار، والانتقام من عملية طوفان الأقصى، وبعد أن كان رئيس الوزراء الأكثر تطرفا يعانى من أزمات سياسية وملاحقات قضائية، وأنه فى الطريق لنهاية مشوار سياسى يعد هو الأطول من بين أجيال السياسيين فى إسرائيل، منحته الحياة «قبلة الحياة» السياسية.
نتنياهو الذى جاء بعد عدد من السياسيين عقدوا اتفاقات سلام، وجد نفسه فى الطريق المعاكس، وبحسبة السياسة فإن نتنياهو نجح فى كسب المزيد من الوقت، وتراجعت الاتهامات، ويبدو أنه كسب أرضا فى السياسة، بجانب أنه يستقطب تيارات متطرفة داخل دولة الاحتلال، حتى لو كان المجتمع الإسرائيلى دفع ثمنا لهذا فى عملية 7 أكتوبر، وبالطبع فإن الثمن اقتصادى، وأيضا خسائر فى صفوف جنود الاحتلال، ورفع الطوارئ، واستدعاء الاحتياطى، وهو ما يؤثر على الأعمال والتعليم والوظائف وأيضا خسارة عمالة فلسطينية طوال هذه الفترة، لكن فى النتيجة النهائية فإن إسرائيل تغرف من خزائن الولايات المتحدة بلا حساب او حدود قصوى، فى السلاح أو الدعم المالى، وإلى لولاه ما رصدت الاحتلال ساعة واحدة، وإذا كان نتنياهو نجح فى استقطاب المتطرفين فهو أيضا لم ينجح فى استعادة المحتجزين أو حتى تحقيق الأمن، بجانب انه يفتقد إلى أى مشروع لما بعد العدوان.
وفيما يتعلق بالولايات المتحدة وموقف الرئيس جو بايدن والديموقراطيين، بالرغم من أن الحرب على غزة وضعت القضية الفلسطينية فى الواجهة، لكنها طرحت الأمر فى الانتخابات ضمن حسبة سياسية معقدة، لكنها تبدو فى الظاهر وضمن كل الخطوات لصالح إسرائيل والاحتلال، بالرغم من بعض التراجع فى أسهم بايدن بسبب الحرب، وأيضا انقسام الضغوط بين تأييد اللوبى اليهودى، ومواجهة اللوبيات العربية والمهاجرين فى ولايات يمكن أن يخسر فيها الديموقراطيون.
هذا عن الموقف الإسرائيلى وماحققه نتنياهو، أو الموقف الأمريكى، وعلى الجانب الآخر: هل استطاع الفلسطينيون تحقيق مكاسب من عملية طوفان الأقصى تساوى حجم ما وقع من خسائر فى الأرواح والدمار فى المدن والقطاع بكل اتجاهاته؟
بالطبع فإن حجم الانتصار ينعكس فى ما يتحقق من مكاسب سياسية هناك آراء وتحليلات ترى أن إسرائيل خسرت فى الحرب بينما حقق الفلسطينيون مكاسب، ومقابل خسائر الأرواح والدمار فى الجانب الفلسطينى فإن الاحتلال خسر استراتيجيا، بالرغم من حجم التدمير الذى تم، فى المقابل فإن نفس من يطرحون الرأى، يرون أن الفصائل الفلسطينية كان يمكن أن تستغل الفرصة لتتم مصالحة وتعيد توحيد الصف الفلسطيني، وبقدر ما دفعت الحرب القضية الفلسطينية إلى الواجهة، ما زال الفلسطينيون عاجزين عن التوحد والمصالحة بالشكل الذى يساعد على التئام الجبهات والفصائل، وبالرغم من أن مصر بذلت جهودا ضخمة لإنجاز هذه المصالحة فإن الخلافات واللجان الإلكترونية المتبادلة تترك القضية وتمارس أنواعا من المزايدات وتوجهها إلى الدول العربية أو إلى بعضها البعض وتترك الاحتلال، وهو ما يبقى الجبهة الفلسطينية تعانى من الثغرات، بينما كان يمكن الاستفادة من هذا الدفع، لتحقيق وحدة وأهداف تتجاوز الشعارات إلى الفعل.
الشاهد أنه بالرغم من عدم القدرة على تقييم نتائج الحرب على غزة، فإن الخسائر البشرية وحجم الدمار والإبادة تكشف عن مأساة، لا نعرف إذا كانت سوف تبقى قادرة على إثارة الحزن والغضب؟ أم تلحق بسابقاتها، ضمن صفقات سياسية لأفراد وليس لقضايا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة