يواجه الاقتصاد المصري تحديات جمة في الوقت الحالي، في ظل ما يشهده العالم في السنوات الأخيرة من أزمات اقتصادية متتالية ألقت بظلالها على الدولة المصرية شأن العديد من دول العالم، فقبل جائحة كورونا كان الاقتصاد المصري بدأ في التعافي ويشهد معدلات نمو كبيرة، إلا أن أزمة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية أدت إلى حالة ارتباك واضطراب كبيرة في الاقتصاد المصري تسببت في تراجع معدل النمو وارتفاع معدلات التضخم، ونقص العملة الأجنبية الصعبة، وانخفاض قيمة الجنيه المصري، وركود في السوق، وارتفاع عجز الموازنة الدين العام.
وتوالت الأزمات في ظل حالة التوتر والصراعات في المنطقة وأزمة الحرب على غزة، مما ضاعف من هذه التحديات الاقتصادية التي تواجهها الدولة المصرية، إلا أن الدولة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تبذل جهوداً كبيرة لإنقاذ الاقتصاد المصري وتحويل المحنة إلى منحة"، وتعمل بجدية على إزالة معوقات الاستثمار لجذب الاستثمارات الأجنبية وتوطين الصناعة للقضاء على هذه التحديات.
وجاءت صفقة مشروع رأس الحكمة لتفتح باب الأمل حول دفع عجلة النمو الاقتصادي، خاصة أنها أكبر صفقة استثمار أجنبي مباشر وتعبر عن نجاح جهود الدولة في جذب الاستثمارات الأجنبية، حيث تساهم في ضخ 35 مليار دولار في الاقتصاد المصري خلال شهرين، مما سيزيد من احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية ويُحسّن من استقرارها الاقتصادي، فضلاً عن أنها ستُشجع على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مما سيخلق فرص عمل جديدة ويُعزّز من النمو الاقتصادي، حيث تُركز صفقة رأس الحكمة على قطاعات حيوية مثل السياحة والتصنيع والتكنولوجيا، مما سيساهم في تنويع الاقتصاد المصري وخلق فرص جديدة للنمو وخفض معدلات البطالة، وستُعزّز الثقة في الاقتصاد المصري، مما سيُشجع على المزيد من الاستثمارات والنمو.
وتوفر العملة الدولارية سيساهم في استقرار سوق النقد الأجنبي ومواجهة السوق السوداء وبالتالي من المتوقع أن يؤثر إيجابياً على ضبط الأسواق والسيطرة على أسعار السلع الاستراتيجية والأساسية التي شهدت ارتفاعاً كبيراً الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى سرعة الإفراج عن السلع والبضائع والخامات في الموانئ مما سيؤدي إلى ضخ كميات كبيرة من السلع في السوق، ودعم القطاعات الصناعية والإنتاجية بتوفير الخامات ومستلزمات الإنتاج لدفع عجلة الإنتاج.
التحدى هنا أن تستفيد الدولة المصرية من صفقة رأس الحكمة أكبر استفادة في النهوض بالاقتصاد الوطني ودفع عجلة النمو الاقتصادي، من خلال مزيد من العمل والجهد لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة وإدخال العملة الصعبة، ومواصلة الجهود الكبيرة لإزالة المعوقات التي تواجه الاستثمار والصناعة.
وكانت دعوة الرئيس السيسي لحوار وطني اقتصادي شامل يفتح جميع القضايا والملفات الاقتصادية والذي انطلقت جلساته منذ أيام، فرصة مهمة لدراسة التحديات والأزمات الاقتصادية وتشخيص الأزمة بدقة والوقوف على الأسباب والمعوقات ووضع الآليات اللازمة للحل والنهوض بالاقتصاد المصري، وهو ما يؤكد حرص الدولة والقيادة السياسية على الإصلاح الاقتصادي ومستقبل أفضل للاقتصاد ليكون لدينا اقتصاد قوي قادر على امتصاص الصدمات الاقتصادية والتكيف مع المتغيرات والأزمات الاقتصادية العالمية.
لذلك على الحكومة أن تنفذ برنامجًا مرنا للإصلاح الاقتصادي، يهدف إلى خفض عجز الموازنة، وخفض عجز الميزان التجاري، وجذب الاستثمارات الأجنبية وكبح جماح التضخم، وترشيد الإنفاق والاستهلاك الحكومي، وزيادة الإيرادات العامة للدولة، وزيادة احتياطيات النقد الأجنبي، والعمل على تعزيز ثقة المستثمرين في العملة المحلية.
كما يجب العمل على إزالة معوقات الاستثمار وتحسين بيئة الأعمال، وتبسيط الإجراءات الحكومية ومكافحة الفساد، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، فضلاً عن تطوير رأس المال البشري من خلال الاستثمار في التعليم والتدريب وربط التعليم باحتياجات سوق العمل وتنمية المهارات لدى الشباب، وتعزيز التنافسية في السوق، فلا بد من توفير بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي، واستغلال علاقات مصر الوطيدة مع المؤسسات الاقتصادية الدولية في زيادة حجم التبادل التجاري، خاصة مع دول تجمع البريكس الذي انضمت له مصر في شهر يناير الماضي.
من المهم أن تواصل الحكومة المصرية اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة التحديات الاقتصادية التي تواجهها، آن الأوان أن تكون الأولوية القصوى للقطاعات الإنتاجية بدعم الصناعة والزراعة وتعميق التصنيع المحلي وتعزيز الإنتاج لتنمية الصادرات المصرية والحد من الاستيراد، وضرورة دعم وتعزيز مشروعات ريادة الأعمال والمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وأن تكون هناك حلول عملية لتوفير مستلزمات الإنتاج والخامات للقطاعات الصناعية لتوطين الصناعة، والعمل على استقطاب الشركات العالمية الكبرى الرائدة في الصناعات الواعدة للتصنيع في مصر، فضلا عن مساعدة ودعم المصانع المتوقفة والمتعثرة لإعادة تشغيلها وحل أزمات التمويل.
أيضاً ننتظر من الحكومة العمل الجاد للتوسع في جهود تعزيز مشاركة القطاع الخاص وتفعيل وثيقة سياسة ملكية الدولة، والذي سيكون له تأثير كبير على تعزيز التنافسية وزيادة الإنتاج وجذب الاستثمارات.. فمصر دولة كبيرة ولديها المقومات التي تؤهلها لأن تكون قوة اقتصادية ولديها اقتصاد اقتصاد إذا ما أحسنا استغلال الفرص وحسن إدارتها ووفرنا مناخ سليم ومناسب للاستثمار.