دندراوى الهوارى

الشعوب الأوروبية تنتفض فى الشوارع دعما لغزة.. والحكومات تدعم إسرائيل.. ثم يتحدثون عن الحرية!

السبت، 09 مارس 2024 11:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نهج وسلوك أمريكا وأوروبا قبل ما يطلق عليه - زورا وبهتانا -  «الربيع العربى»، شىء، وبعده شىء آخر، وأيضا قبل انتشار جائحة كورونا شىء، وبعدها شىء آخر، والأمر ذاته قبل الحرب الروسية الأوكرانية شىء، وبعدها شىء آخر، وأخيرا قبل العدوان الوحشى الإسرائيلى على قطاع غزة، شىء، وبعده - يقينا - سيكون شيئاً آخر، مواقف أمريكا وأوروبا وكثير من بلدان العالم، إزاء القضية الواحدة ذاتها، والمتشابهة حدّ التطابق، مواقف متقلبة تقلب شهر أمشير، أو حبة الذرة الشامية فوق النار.
 
يمكن تلخيص هذا التقلب - أو التناقض الفج - فى شىء واحد فقط لا ثانى له، وهو أن أوروبا وأمريكا على وجه التحديد، ومن بعدهما عددٌ كبيرٌ من دول العالم، جميعها تحكمها فقط المصالح، أما المشاعر والانفعالات، والحرية والديمقراطية والعدالة والشرعية الدولية وحق الشعوب فى تقرير مصيرها، كلها مجرد «بضاعة» يتحكم فى أسعارها وصلاحيتها «الهوى» واتجاه بوصلة المصلحة. 
 
قبل أحداث 25 يناير 2011 على سبيل المثال، كنا فى مصر، نتعاطى برومانسية وحسن نية، مع تقارير منظمات حقوق الإنسان، وما تنشره وسائل الإعلام الغربية والأمريكية بكل مشاربها المقروءة والمرئية والمسموعة، عند تناولها لقضايا وأحداث، سياسية كانت أو عسكرية واقتصادية، باعتبارها كلاما مقدسا، لا يقترب منه الباطل من قريب أو بعيد.
 
وبعد أحداث 25 يناير 2011 انكشف الوجه الحقيقى لهذه المنظمات الحقوقية، ووسائل الإعلام الغربية، عندما تعاطت مع ما يحدث فى مصر وتونس وسوريا وليبيا واليمن، ورأينا من الكذب وترويج الشائعات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، بجانب اختلال فج فى معايير التناول، وبمرور الوقت، استعر الكذب والخداع فى تناول ما يدور فى أوطاننا، وتبين أن اختلاق وترويج الأكاذيب، جوهر خطة جرّ وإسقاط الأوطان فى مستنقع الفوضى.
 
ومرت الأيام والشهور والسنوات، وظهرت الحقائق والأسرار، من خلال التسريبات، بأن ما كانت تبثه المنظمات المدعية بالدفاع عن حقوق الإنسان، وما يُنشر فى وسائل الإعلام الغربية والأمريكية الشهيرة مقصود ومتعمد لإشعال النار، وزرع الفتن فى مصر وسوريا وليبيا بشكل خاص، وتنفيذ حرفى لما يطلب منها، ومن بين هذه التسريبات على سبيل المثال لا الحصر «إيميلات» وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلارى كلينتون!
 
ورغم افتضاح وتعرية وانهيار مصداقية الأنظمة الغربية، ومنظماتها ووسائل إعلامها، إلا أن مواقفها من الحرب الروسية الأوكرانية، فاق سقف خيال أكثر المؤمنين بوجود المؤامرات الكونية، ورأينا كيف يكيلون بعشرات المكاييل فى إدانة قرار روسيا بشن الحرب على أوكرانيا، بينما يؤيدون ضرب أمريكا للعراق وأفغانستان وسوريا وليبيا.
 
وجدنا المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام الأمريكية والغربية، تتباكى وتقيم الدنيا على نزوح أصحاب العيون الزرقاء والشعر الأصفر، عبر الحدود، ووصفهم، بأنهم «ليسوا لاجئين سوريين»، فى عنصرية فجة، بجانب منع كل ما هو عربى أو أفريقى لا يتمتع ببشرة بيضاء وشعر أصفر وعيون زرقاء من الهرب خارج الحدود الأوكرانية، متناسين عن عمد حفلات التباكى التى كانوا ينظمونها بشكل دائم، واعتقدنا أنها صارت دستورا حاكما لعملها على حقوق الإنسان والمساواة والعدل فى بلدان العالم الثالث!
 
وتتبقى تعرية مواقف الأنظمة الغربية ومنظماتها الحقوقية، ووسائل إعلامها، المتبنية لنظريات كشف الحقائق، أكثر افتضاحا، أمام العالم، فمع كل المظاهرات الصاخبة والمسيرات الاحتجاجية لمواطنيها فى الشوارع، احتجاجا على وحشية إسرائيل فى حربها على غزة، وقتل الأبرياء دون رحمة، الأطفال والنساء قبل الرجال والكبار، إلا أنها لا تعير هذه الاحتجاجات أى أهمية، بل وتسير عكس اتجاهها بسرعة كبيرة، من خلال تقديم كل أنواع الدعم ومنح غطاء الشرعية للحكومة الإسرائيلية لتنفيذ جرائمها البربرية.
 
ومرة أخرى، نعود بالذاكرة للوراء، عندما نتذكر احتجاج بضع مئات من مواطنى دولة عربية ما أو شرق أوسطية، على قرار أو موقف سياسى، فإننا كنا نجد الأنظمة الغربية والأمريكية تأخذها الحمية، وتسمح لنفسها بالتدخل فى الشأن الداخلى للدول، وتطالب الحكومات - فى صيغة أمر - بضرورة التحرك وتلبية مطالب هذه القلة المعترضة، ملوحة بإنزال العقاب، والويل والثبور وعظائم الأمور على من يعصى أو يتباطأ فى التنفيذ، بينما نشاهد يوميا مسيرات بالآلاف فى شوارع أوروبا وأمريكا، وتتعامل معها الحكومات هناك بتجاهل شديد، بل وتعلن دعمها الكامل لإسرائيل، مع استخدام بعض المصطلحات المطاطة، من عينة التهدئة والتفريق بين المسلحين والمدنيين العُزل، ثم - وعلى استحياء شديد - إدانة مجزرة أطفال! 
 
الثابت من رصد هذه الوقائع، أن الدول تتحكم فى بوصلتها المصالح، والمصالح فقط، ومن ثم علينا أن ندرك هذه الحقيقة ونتعامل معها بواقعية وعقل وحكمة ولا نبنى قصورا من الأوهام، طلبا للدعم، واستجداء المساعدة، وأول قواعد التعامل المتعقل الحكيم، أن نزداد قوة وتأثيرا، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة