كل عام وأنتم بخير، عيد فطر مبارك.. على مدى سنوات فى كل عيد أو احتفال، سقط الحائط الرابع بين العالم الواقعى والافتراضى، فقد حلت الرسائل الصامتة مكان الرسائل الناطقة، وطبعا انتهى تقريبا عصر الاتصال التليفونى والمعايدات التليفونية «الموبايل طبعا»، وطبعا نظن أن عصر الزيارات المنزلية للتهنئة بالعيد صار من الماضى السحيق للكائنات المنقرضة، كل هذه القواعد لها استثناءات، لكنها تؤكدها وتضاعف من حالات الأسى والذكريات.
يحل عيد الفطر فى الزمن الافتراضى الذى صار جزءا من حياتنا وتسرب تحت الجلد وفى العيون والآذان مسموعا أو مقروءا، وسيطرت على هذا العالم الافتراضى نفسه المبالغات والشروح وحتى الحنين إلى الماضى أصبح معلبا وجاهزا فى «جروبات وفيديوهات وتجمعات افتراضية» يقوم بها هؤلاء الذين يبحثون عن الحنين.
قبل سنوات كان الحنين إلى الزيارات الحية والتلاقى الإنسانى بين الأقارب، ثم حلت الرسائل القصيرة مكان المكالمات، ثم الرسائل الجاهزة التى تذهب للكل فى نفس اللحظة، وتريح النفس والضمير، فقد تغير العالم بسرعة، وربما فى القريب العاجل جدا يحل الذكاء الاصطناعى مكان البشر فى إنتاج وإرسال وتلقى التهانى والمعايدات وتصنيفها وإعادتها والإبداع فيها بما يجعلها كأنها طبيعية.
خلال سنوات كان العيد يتحول على مواقعنا وصفحاتنا إلى احتفال افتراضى، الكل يعلن صوره وفيديوهاته ولايفاته وهو يصلى العيد، مثلما يحرص على تسجيل لحظات فرحه واحتفالاته وجولاته وخروجاته، ومنذ أصبح التعبير عن المشاعر بـ«الشير» واللايف، مع انتظار تفاعل الافتراضيين، الواحد يعلن أنه سعيد ومبسوط، ويقدم وثيقة من طعامه وشرابه، ليس فقط فى الأعياد ولكن فى كل مناسبة، فالأفراح لا تكتمل قبل نشر الصور والفوتوسيشن، وبعض الحركات التى يجتهد خبراء السوشيال فى جعلها درامية بالخناق والاتفاق والأكل والرقص والبكاء والأشكال الغرائبية التى تشد آخرين وتصنع حالة من الابتهاج الافتراضى المتفاعل.
والواقع أن عيد الفطر وأعياد كثيرة حلت خلال الأعوام الماضية وكانت تحمل بشارات إنسانية، مثل أن يتزامن عيد الفطر مع شم النسيم، وأعياد القيامة مع احتفالات الفطر، وحتى هذا العام هناك تزامن لصيام المصريين بشكل كبير، وبالطبع فإن العيد هذا العام يأتى وسط تعاطف وأحزان مع إخوتنا فى فلسطين، وتحديدا فى غزة، على أمل أن تتوقف آلة الحرب ضد أشقائنا، ونتمنى ألا يسيطر الافتراضى على الحقيقى فى زمن تسقط فيه حواجز العالم الطبيعى والافتراضى.
ومع هذا فإذا تأملنا أعياد الفطر بل والأضحى فى السنوات الماضية، نكتشف كيف مرت علينا أحداث متتالية، مرت وانتهت وتركت آثارها على حياتنا وعالمنا الافتراضى، فقد مرت علينا أعياد فى ظل انتشار وهجمات «فيروس كورونا»، الذى استمر عامين رأينا فيهما كيف تحكم الفيروس الغامض غير المرئى، يجبر مئات الملايين من البشر فى العالم على البقاء فى منازلهم، وهو أمر لم تنجح فى فعله جيوش ولا قرارات، بل إن كورونا دفع ملايين البشر للدعوة إلى فرض حظر تجول، فى سابقة تاريخية، تشير إلى عالم ولد من رحم أزمة بدأت وانتهت من دون أن يفهمها كثيرون حتى هؤلاء الذين كانوا يتصدرون لإدارتها.
كورونا أصبح من الماضى، بالرغم من كونه لم يمض عليه عامان، واستمر عامين يطارد البشر ويغلق ويفتح، كورونا لم يكن الأزمة الوحيدة التى واجهت العالم الطبيعى، بل كانت الحروب والتحولات التى تتفاعل ولا تزال، تعيد صناعة الواقع، بل وتفرض أزمات اقتصادية واجتماعية وإنسانية، تخطاها البشر وبقيت آثارها.
الشاهد أن كل هذا يمضى، ويبقى فى الذاكرة، لكن الافتراضى يسيطر على عقول الناس جميعا، وحتى النصائح عن الأكل والشراب والخلافات تنتقل إلى الواجهات وتستمر وتختفى لتبقى علامات على أن العالم يتغير أسرع مما نتصور، وكل عام وأنتم بخير.