يعد التأمين الصحي الشامل إنجازًا عظيمًا وحضاريًا حققته الدولة المصرية في إطار خطتها التنموية الشاملة، بهدف توفير الرعاية الصحية اللازمة لجميع المواطنين دون تمييز، وتعزيز مبدأ العدالة الاجتماعية، وتحقيق التغطية الصحية الشاملة، كما يعكس حرص الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، على صحة مواطنيها وتوفير حياة كريمة لهم، وهو نظام يساهم في تعزيز التكافل الاجتماعي وتحقيق التنمية البشرية المستدامة في مصر.
وتطبيق نظام التأمين الصحي الشامل كان حلماً للمصريين، هذا الحلم تعثر ولم تستطع الحكومات على مدار عقود طويلة سابقة أن تحققه، ولكنه تحقق في عهد الرئيس السيسي في ضوء استراتيجية ورؤية مصر للتنمية المستدامة 2030، وبناء الإنسان المصري، وجاء إصدار قانون التأمين الصحي الشامل رقم 2 لسنة 2018، تحقيقا لالتزام دستوري، وتفعيلًا للمادة 18 من الدستور المصري، وحلًا للمشكلات الهيكلية في منظومة الصحة، ومنها ضعف عنصر الاستدامة المالية وعدم قدرة النظام الصحي على تغطية جميع فئات المجتمع، وخصوصا العمالة غير الرسمية، ويمثِّل القانون إطارا متكاملاً لإصلاح النظام الصحي بشكل شامل.
يهدف نظام التأمين الصحي الشامل، إلى توفير رعاية صحية شاملة لجميع المواطنين من خدمات تشمل العلاج والوقاية والتأهيل لجميع المواطنين دون استثناء، بما في ذلك الأمراض المزمنة والأمراض النفسية، ويسعى إلى القضاء على التفاوت في الحصول على الخدمات الصحية بين مختلف فئات المجتمع، وضمان حصول الجميع على رعاية صحية مناسبة دون تحمل أعباء مالية باهظة، فضلاً عن تعزيز الوقاية من الأمراض من خلال برامج التوعية الصحية والتثقيفية، وتوفير الفحوصات الطبية الدورية، مما يساهم في تقليل عبء الأمراض على النظام الصحي والمجتمع، وكذلك تطوير القطاع الصحي، كما أنه يتيح الحصول على خدمات صحية مجانية أو بأسعار رمزية في مختلف المستشفيات والوحدات الصحية التابعة للمنظومة.
مجلس الشيوخ الغرفة الثانية للبرلمان فتح خلال جلسته بالأمس مناقشات موسعة حول استيضاح سياسة الحكومة بشأن التحديات التي تواجه منظومة التأمين الصحي الشامل ومعدل انتشاره مع بدء تنفيذ المرحلة الثانية في المحافظات متوسطة الكثافة السكانية، وكانت جلسة في غاية الأهمية لارتباطها بأهم الملفات في القطاع الصحي وحق المواطن في التمتع بصحة جيدة.
ولعل أبرز التحديات التي تواجه تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل، هى التمويل بسبب ارتفاع التكلفة في ظل الزيادة السكانية مما يشكل عبئا ماليًا كبيرًا على الدولة، وكذلك عدم تأهيل البنية التحتية للمنشآت الصحية في معظم المحافظات مما سيشكل عبء حقيقي لتطوير المنظومة، هذا فضلاً عن نقص الموارد البشرية، حيث يُعاني قطاع الرعاية الصحية من نقص في الكوادر الطبية من عدد الأطباء والممرضين والفنيين، كما تُعاني بعض المناطق من نقص في عدد المستشفيات والعيادات، بالإضافة إلى مواجهة البعض صعوبات للتسجيل في منظومة التأمين الصحي الشامل والحصول على الخدمات بسبب الإجراءات المعقدة، وغيرها من التحديات.
وبات من الضروري العمل على إزالة المعوقات وإيجاد حلول لمواجهة التحديات، والعمل على تسريع وتيرة تطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل وتقليل المدة الزمنية لتدرج تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل بقدر المستطاع وتسريع التطبيق في كافة المحافظات للمراحل التالية، بجانب ضرورة تنويع مصادر التمويل حتى لا يكون هناك عائق بسبب التكلفة المالية الباهظة، مثل إشراك القطاع الخاص في تمويل بعض الخدمات الصحية، وتعزيز آليات جذب وشراكة القطاع الطبي الخاص لتقديم خدمات التأمين الصحي الشامل على نحو يضمن إحداث التوازن بين القطاعين العام والخاص، ويُتيح للمنتفعين حقهم في حرية اختيار مكان تلقى الخدمة الطبية، وإشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص في تطوير المنظومة.
وفي ظل مواجهة تحديات نقص الكوادر البشرية، يجب العمل على جذب واستقطاب أساتذة الجامعات في المستشفيات الجامعية للمشاركة في منظومة التأمين الصحي الشامل حتى لو كان ذلك إلزاميا لفترة محددة بمقابل مجزي من أجل الاستفادة من الكفاءات والخبرات، خاصة أن المرضى يثقون بهم ويبحثون عنهم، وبذلك تكتسب وجود كوادر طبية تساعد على إنجاح المنظومة، أيضاً هناك حاجة ملحة لإعداد قاعدة بيانات للمواطنين فيما يخص الملف الطبي لكل مواطن ليسمح بشمولية تلقى المواطن المصري لخدمات وتسهيلها وعلاج مشكلات طبية كثيرة تحدث في أقسام الطوارئ وغيرها نظرا لعد إلمام الجهة المعالجة بالتاريخ المرضي للمريض، كما أن ذلك سيتيح تحليل بيانات لجميع المصريين بشكل دقيق مما سيسهل في تقديم خدمات متميزة للمواطن المصري، كما يجب التوسع في إنشاء المدارس الخاصة للتمريض من خلال القطاع الخاص، مما يساهم في تعويض النقص الطبي في الكوادر الفنية.
الأمر الآخر أنه يجب إلزام شركات ومؤسسات القطاع الخاص بالتأمين الطبي على العاملين لديها ليستفيدوا من منظومة التأمين الصحي الشامل، وأن يتم مراقبة ومتابعة تطبيق ذلك، ويجب تحسين أجور ومرتبات العنصر البشري في منظومة التأمين الصحي الشامل من أطباء وتمريض وفنيين وغيرهم، وضرورة الارتقاء بالمستوى المادى والتدريبي للفريق الطبى؛ نظرا لكونهم حجر الزاوية فى هذه المنظومة، فضلاً عن أن تأهيل البنية التحتية للمستشفيات والوحدات الصحية في جميع المحافظات وتجهيزها بأحدث التقنيات الطبية، وتطوير البنية التحتية الرقمية واستخدام التكنولوجيا لتحسين إدارة النظام وتقديم الخدمات للمرضى، علاوة على الاهتمام بالطب الوقائى بما يمثله من أهمية كبيرة فى السيطرة على حجم معدل انتشار الأمراض، مما يؤدى إلى تقليل العبء الواقع على ميزانية نظام التأمين الصحي الشامل، وكذلك أهمية إضافة خدمات صحية جديدة ومنها خدمات الصحة النفسية العلاجية ضمن خدمات منظومة التأمين الصحى الشامل، وتعزيز الشفافية والمساءلة في جميع مراحل إدارة النظام لمواجهة أي خلل في المنظومة.
ويجب على الحكومة دراسة آليات جذب الكفاءات الطبية للعمل في المناطق النائية، وتبسيط الإجراءات وتسهيل عملية التسجيل والحصول على الخدمات للمرضى، وإطلاق حملات توعية لتعريف المواطنين بحقوقهم وواجباتهم فيما يتعلق بالتأمين الصحي الشامل، وأيضا دعم البحث العلمي في مجال الرعاية الصحية، والعمل على تقييم نظام التأمين الصحي الشامل بشكل دوري.
بداية حل أي مشكلة دائماً تبدأ من الوقوف على طبيعة المشكلة، وتحديد أسبابها، وإيجاد الحلول المناسبة لها، وهو ما تقوم به الدولة حالياً في ظل توجيهات القيادة السياسية بإزالة أي معوقات أمام تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل والاستجابة لتوصيات الحوار الوطني بقصر مدة تدرج تطبيق التأمين الصحي الشامل في المحافظات، لذلك أثني على توجيهات الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء خلال اجتماع عقده أمس الإثنين مع وزير الصحة وعدد من المسئولين بالإسراع في إدخال محافظات جديدة في منظومة التأمين الصحي الشامل تنفيذاً لتكليفات القيادة السياسية، ونتمنى أن نرى طفرة كبيرة في هذا الملف في أقرب وقت ممكن لنستكمل تطبيق إنجاز وحلم التأمين الصحي الشامل في كل محافظات مصر.