حازم حسين

لعبة السياسة والسلاح فى ليلة المُسيّرات.. مجلس الأمن وتداعيات دراما إيران وإسرائيل

الثلاثاء، 16 أبريل 2024 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

عقد مجلسُ الأمن الدولى جلسةً طارئة مساء الأحد، وبعدما كانت إسرائيل موضوعًا للنقد على مدى ستّة أشهر، ولو لم تُفضِ الجولاتُ الكثيفة لقرارٍ مُنتجٍ بشأن غزّة؛ حلَّت تلك المرَّة على صِفة الضحيّة وادِّعاء المظلوميّة، وبطَلبٍ من مندوبها فى الأُمَم المُتّحدة جلعاد إردان. خلفيّةُ المشهد الضربةُ التى وجهتها إيران للدولة العبرية؛ ردًّا على قَصفها القسمَ القُنصلىَّ فى سفارتها بالعاصمة السورية دمشق، ومحور الدعوة إدانة الخطوة، والسعى لاستخلاص موقفٍ دولى مُضادّ لطهران. وباستثناء الرسائل المُتوازنة نسبيًّا من بعثتى الصين وروسيا، حصل الصهاينةُ على ما أرادوا، عبر التنديد بعملية «الوعد الحق» التى أطلقها الحرسُ الثورى من عُمق الأراضى الإيرانية للمرَّة الأُولى فى تاريخ الصراع.


بعثةُ الجمهورية الإسلامية استبَقَت غريمتَها فى المسار الأُمَمىّ. بدءًا من مُخاطبة المُنظّمة اعتراضًا على الهجمة الإسرائيلية على مُنشأةٍ دبلوماسية قبل أسبوعين، وإلى الإخطار بطبيعة الردِّ منذ اللحظة الأُولى لوقوعه، وحَملِه على المادة 51 من الميثاق بشأن حقّ الدفاع المشروع، وتأكيد انتهاء عمليّتها العسكرية ليلَ السبت، وقبل وصول أيّة مُسيَّرة أو صاروخ إلى المجال الجوىّ لإسرائيل وجوارها اللصيق. والتحرُّكات كلّها تضافرت لتضعَ التصعيد الإيرانى تحت لافتة «ردّ الفعل»، وتأطيره بحدود تبادُل الرسائل السياسية، وليس السعى لافتتاح مُواجهةٍ عسكرية واسعة. وتحقَّقت الضمانةُ لذلك من جهة واشنطن؛ إذ لعبت دورًا مُركّبًا فى ترشيد الضربة وامتصاص أثرها، ثمّ كانت مُتوازنةً فى تعاطيها مع الخُلاصات الأخيرة، ما بين الإدانة غير المُتشدِّدة، والحديث عن كثافة الهجوم وهشاشته فى وقتٍ واحد؛ لإرضاء غرور المُهاجِم وتطييب خاطر المُدافِع، وأخيرًا تجديد التزامها بأمن حليفتها بينما تُطالب نتنياهو بالاحتفال بالنتائج الزهيدة وتجنب التصعيد.


المِفصلُ الأوّل فى الحدث أنه لا علاقةَ مُباشرة تربطه بما يجرى فى فلسطين. صحيح أنّ كلَّ التوترات الإقليمية ليست بعيدةً من ارتدادات «طوفان الأقصى»، وما تبعه من عدوانٍ صهيونىّ مُتوحّشٍ على قطاع غزّة؛ إلَّا أنّ الرابط يخصُّ اللوثةَ الإسرائيلية وانفلات حركتها فى كلِّ الاتجاهات، بأكثر ممّا يتّصل بالاستقامة المبدئية لدى مُحور المُمانعة، وتفعيله لدعايات «وحدة الساحات» التى تأسَّس عليها برنامجه المذهبى الميليشاوى. وإذا كان مفهومًا أن تنشط ماكينات الدعاية الشيعية لاستحصال أثر المُناكفات الدائرة فى المنطقة، وتحويل رصيدها لتصليب مَوقف التيار، وتعزيز رصيده العاطفى والشعبوىّ فى الشارع؛ فالغريب أن ينساقَ بعضُ المُختلفين أيدويولوجيًّا وثقافيًّا مع النزعات الطائفية، ومع تجيير قضايا المنطقة لحساب مراكز إقليمية «فوق عربية»، ولها طابعٌ عقائدىّ راديكالى مُتشدِّد. ولعلّ الأمرَ نابعٌ من محنة تعيشها بعضُ النُّخَب السياسية، مَرَدُّها انحسارُ الحضور، والعجز عن بناء قنوات اتصال فعّالة مع الجمهور، أو إعادة إطلاق نفسها بصيغةٍ ديناميكية تُناسب الظرف الراهن، ولا تصطدم بالتطوُّرات العميقة لبيئتها الحيوية والمجال العام العربى آخر عشر سنوات.


عوامُ المُستخدمين على المنصَّات الرقميّة يسهُل انقيادُهم وراء الشعارات التعبويّة، وفائض التجارة العاطفية الرخيصة بالقضايا الكبرى؛ لا سيّما حال مرورها بانعطافاتٍ حادّة ومراحل مأزومة. فطبيعةُ الجماهير أنها تُفكِّر وتنفعلُ بقُلوبها، ويغيبُ العقلُ دائمًا عن مُقاربتها للحوادث واستبصار مآلاتها، وتلعبُ التقنيةُ الاتصالية الحديثة دورًا فى إثراء فكرة القطيع، وتعزيز آليات الحشد والتوجيه بالرسائل المُلوَّنة وأثر كُرَة الثلج. إنّما الطليعةُ الواعية من نُخبة السياسة والثقافة يُفترَضُ أنهم يقرأون السياق بمنطقٍ مُغاير، وتنبنى استجاباتُهم على ثوابت فكرية وقيمية، لا عبر الانجراف مع الاستمالات العابرة. وهنا لا تصلحُ اعتبارات الخصومة والتشفِّى والعجز عن ردع العدو، لتبرير الحالة «القُطعانية» الرثّة، أو إضفاء منطقيّةٍ على التهليل لقفزاتٍ استعراضية، لا تخدم القضية المركزية أو تُقوِّى مركزَها؛ بل ربما تخصمُ منها وتضرُّها فى المدى البعيد.


بعضُ الليبراليين بلعوا الطُّعمَ برعونةٍ، وتوهّموا أنَّ الاشتباك بين أُصوليِّتين جارحتين يُمكن أن يُضيف لسؤال التعدُّد والبحث عن الحقوق العادلة، وكلُّ اليسار تقريبًا أظهروا فرحةً عارمة بنزاعٍ يتأسَّس على أرضيّةٍ عقائدية، ولا يبنى كلُّ طرفٍ موقفَه فى ضوء الصراع الطبقى والعدالة الاجتماعية، ولأجل الخروج من سُلطة الاحتكار؛ وهى مُتحقِّقةٌ أصلاً فى المُعمَّمين من الجانبين: حاخاماتٍ بقُلنسوات كانوا أو ملالى بعمائم سوداء. أمَّا التناقضُ الأشدّ فجاجةً فكان فى مواقف كثيرين من القوميِّين واليسار؛ لأنّ العداوة الجذرية مع الصهيونية ومُمارساتها الوقحة، لا يُمكن أن تُبرِّر على أىّ وجهٍ أن يرتمى ورثةُ عبد الناصر والقوميّة العربية، فى أحضان خصومٍ مُباشرين لفكرهم ومُعتقداتهم، ويحملون لهم عداءً مُزدوجًا: العمامة المذهبية المُضادة لفكرة المدنية والاستقلال الوطنى، والنزوع العرقىّ الفارسى المُتلطِّى وراء شعاراتٍ سياسية وأخلاقية رنّانة، بينما تسهُل مُعاينة عكسهما تمامًا بنظرةٍ عابرة على العراق وسوريا ولبنان واليمن، وعلى تجفيف ما تبقَّى من رائحة الناصرية وخطابها فى تلك البيئات، وكانت دعاية المُمانعة المُعمَّمة مِعوَلاً أصيلاً فى تسوية أطلالها بالأرض، حتى لو قِيل إنها تلقَّت ضرباتٍ قاسيةً فيما بعد «أيلول الأسود» واتفاقيات السلام وغزو بيروت وصولاً إلى أوسلو.


أمَّا فى مسألة الضربةٍ نفسها؛ فلم يعُد محلَّ شَكٍّ أنها أُدِيرَت فى إطار تفاهماتٍ مع الإدارة الأمريكية. وأكثر من مسؤولٍ إيرانى وصفوها بالمحدودة، وقالوا إنهم أخبروا الولايات المُتّحدة قبلها، بينما نقلَ مساعدو «بايدن» رسائل وتحذيراتٍ قبلها بأيّام.. ونِتاجُ الورشة المفتوحة ومُداولاتها التى لم تتوقَّف؛ أن جَرَى الاستقرارُ على نطاقٍ لا تتجاوزه العملية العسكرية، بما لا يترُكُ طهرانَ عاريةً أمام جمهورها، ولا يُحرجُ يمينَ تل أبيب داخليًّا وخارجيًّا، والأهمّ ألَّا يقودَ لانزلاقاتٍ غير محسوبة، تنتهى بصراعٍ واسع المدى لا يُريده أحدٌ سوى نتنياهو وائتلافه المُتطرِّف. وعلى هذا المعنى؛ فليس المقصود أنّ «الحرس الثورى» شارك فى دراما تمثيلية بتوافُقٍ كاملٍ مع الخصم والضامن؛ إنما أنه لعب دونَ السقف، وفى نطاق الحدود المرسومة والمسموح بها، وهو يعلم أنه يمسحُ الغُبارَ عن كرامته المُهدرَة، بأكثر ممّا يُرمِّم صورةَ الردع ويستعيدُ الهيبةَ ويُؤسِّس لمُعادلةِ اشتباكٍ جديدة.


كان «طوفان الأقصى» فى أحد معانيه تعبيرًا عن إرادةٍ مُمانعة، وربما بُنِيت خطّته على أمل انخراط بقيّة الأذرُع الشيعيّة وإشعال حربٍ شاملة. وليس خافيًا حجم روابط «حماس والجهاد» مع قلب المحور وأطرافه الفاعلة، وقد أخبروا حزب الله بالعملية قبل اندلاعها، ولم يفعلوا المِثلَ مع السلطة وبقيّة مُكوّنات المشهد الفلسطينى. لكن فى المُقابل أنكرت إيران علاقتَها بالأمر، ولامت قيادات الحركة على بعض رسائلهم الناقدة لموقفها، ثم ادّعت على لسان أحد قادتها أنّ «الطوفان» كان ثأرًا لقاسم سليمانى، وعادت لتسحب التصريحَ بعدما حقَّق أثرَه. والخُلاصة؛ أنها بين ارتباك الرغبة فى اقتسام المنافع، والخوف من تداعيات النزاع؛ رقصت على حبلٍ أوّله التجارة بالمسألة وآخره المُبالغة فى خطاب النأى بالنفس. وخلال ستّة أشهرٍ لم تدخُل على خطّ الأزمة المُشتعلة، ونُقِل عنها أنها حذّرت حسن نصر الله من التصعيد فى الجبهة اللبنانية، وعندما تحرَّكت أخيرًا كان ذلك فى سياق الردِّ على ضربة القنصلية، وهى بالرمزية والوضع القانونى أرضٌ إيرانية، والعدوان عليها ليس الحلقةَ الأُولى فى سلسلةٍ طويلة من الاعتداءات الإسرائيلية، طالت مرافقَ ومنشآتٍ نووية وعلماء وعسكريِّين فى كلِّ النطاقات الجغرافية، بما فيها عُمق الدولة.


المشهدُ الذى هندسَه البيتُ الأبيض قبل ثلاثة أيّامٍ خرج الجميعُ منه رابحون، وكانت آثاره العملية أقلَّ كثيرًا ممّا أحاطه من مُواكبةٍ إعلامية ومُبالغاتٍ دعائية. أطلقت إيران 186 طائرة مُسيّرة و34 صاروخًا مُجنّحًا و110 صواريخ باليستية، بحسب الحصيلة الأخيرة المُعلَنة، وصلت منها 5 قذائف فقط، بأضرارٍ محدودة للغاية فى ممرّ طيرانٍ بإحدى القواعد الجوية، وبدون خسائر بشرية أو مادية تُذكَر. وقالت تل أبيب إنها تصدَّت لنحو 90 % منها خارجَ مجالها الجوىّ، وتكفَّلت المُساندة الأمريكية البريطانية الفرنسية بالنسبة الباقية، أو بما هو أكبر. وهكذا مضغَ الإيرانيّون مشاعرَ القُدرة والفخر، واستشعر الصهاينةُ المَنعةَ وأنهم وراء جدارٍ حصين، وأكَّد الأمريكيون قُدرتَهم التفاوضية بترسيم حُدود الضربة، والتزامَهم الثابت تجاه الحليف؛ بإفسادها وتفريغها من المضمون.


لعلَّ رهان إيران الأساسىّ أن تُطعِم جبهتَها الداخلية ما يُعادِل المرارة التى ملأت أفواهَهم من أثر الغطرسة الإسرائيلية، وتتابُع عدوانها حتى أنها ضربت العُمقَ عشرات المرّات، ونفّذت مائة هجمةٍ وقتلت مئات العناصر على أرض سوريا خلال عدَّة شهور. لكنها فيما وراء ذلك تُواصل الاستثمار فى إرباك المنطقة، وإن بدا موقفُها مُبرّرًا الآن؛ فإنه لا يبتعدُ من تجارب عدّة سابقة كانت تتحرُّك بدون أيّة مُبرّراتٍ، والأخطر أنها تستهدفُ تعزيزَ مراكزها فى شوارع الإقليم وبين جماهيره، وتستعيرُ القضايا ذات الأولوية لدى عامّة الناس؛ لتستحوذ على عواطفهم ومساندتهم، ثم تُوظِّف تلك الفوائض الشعبوية لاحقًا لتأليب العوام وخدمة أجنداتٍ أُخرى؛ ولا نحتاج للتذكير أنه إذا كانت سوريا ولبنان من نقاط التَّمَاس مع الصهاينة؛ فاليمن والعراق بعيدان عن المُواجهة، ولم يكن اللعبُ فيهما لفائدة قضايا عروبية أو إسلامية، بقدر ما كان تقويضًا للمُجتمعات من داخلها، وغَرسًا لمشروعٍ عِرقىٍّ بظلالٍ مذهبيّة.


رغم ذلك؛ فإنّ نتنياهو أكبرُ الرابحين من العملية الأخيرة، ولو طاب للمُستلَبين عقليًّا أن يروا خلافَ هذا. لقد امتصّ ضربةً دعائيّة غير مُؤثّرة، ومن ورائها رَبِحَ فى إعادة تنشيط الدعم الغربى بعدما تآكلت بعضُ حصّته الأُوروبية، وفى وَصلِ قناته المُباشرة مع بايدن على ما كانت قبل شِقاقاتهما الأخيرة، وحَرف الأنظار عن واقع غزّة، وتحييد موجة الغضب المُندلعة فى شوارعه بأثر الإخفاق العسكرى بالقطاع والتشدُّد فى مُفاوضات الهُدنة وعودة الرهائن. وما لم يكن يحلُم به إطلاقًا؛ أن يذهبَ للمرافق الأُمَميّة مُدّعيًا لا مطلوبًا فى جريمةٍ، وبقناع المجنى عليه بدلاً من الجانى. وبعد كلِّ ذلك ما يزال يحتفظُ بحقِّ الردّ كما يُسوِّق، ويجتمع بمجلسه الحربى لدراسة الخُطوة الانتقامية، وهو مُطمئنّ إلى أن حليفَه الأمريكى إمَّا يمنعُ الإيرانيين من الردِّ على الردّ، أو يشتبكُ معهم ليُحقِّق له تطلُّعاته فى المواجهة الشاملة، وقد تكون مخرجَه لترميم جبهته الداخلية وقَصقصة أجنحة الميليشيات المُعادية، والأهمّ أن يتهرَّب من التزاماته الثقيلة على أرض فلسطين.
إيران لا تُريد الحربَ، وليست جاهزةً لها. كلُّ أملِها أن تستكملَ مشروعَها النووىَّ وبرنامجها للصواريخ الباليستية؛ للوصول إلى توازُن الرَّدع والرعب، قبل الحديث من موقع الندّية والتكافؤ. وتعلمُ يقينًا أن أىَّ انجرافٍ عاطفى تحت التوازنات القائمة مُغامرةٌ مجنونة، ومُقامرةٌ خاسرة، أو فى أفضل الظروف غير مأمونة العواقب. لكنّها من جديد تُعيدُ حَرف الأنظار فى اتجاهٍ خاطئ؛ إذ المُتوقَّع أن ينساقَ قادةُ حماس مع موجة العاطفة المشبوبة، وبفائض الإشباع المعنوىّ من صواريخ الحرس الثورى ومُسيَّراته؛ فقد ينحازون لانتظار الحرب الإقليمية الشاملة، أو ترقُّب الردّ الإسرائيلى وتعقيب طهران عليه؛ وفى ذلك ما يُقلِّص الاهتمامَ بالهُدنة ويصرفُ النظرَ عن المحنة الإنسانية للغزّيين. صحيح أنَّ إسرائيل ما زالت مُتشدِّدة؛ لكن المُتردِّد للآن من خنادق القسَّام وفنادق حماسيِّى الخارج يُرجِّح العودةَ عن بعض ما ارتضتهُ الحركةُ سابقًا، وأثمنُ ما يُمكن تقديمه لنتنياهو حاليًا التشدُّد فى مُقابل التشدد؛ لأنه يسعى لإحكام الخِناق على المشهد بما يُفسد مهامَ الوساطة، ويجرُّ الأمريكيين والمنطقة للصِّدَام.


لا خلافَ فى تبجُّح إسرائيل، وأنها تتعامل باعتبارها فوق القانون والمُساءلة. كما لا ملاحظةَ على حقّ إيران فى الردّ. الاعتراضُ الوحيد على التزيُّد فى التفسير بما لا يتّسع له المقام، وتحويل المُنازعة من إطارها البَينىّ المُغلق على طهران وتل أبيب؛ لإكسابها بُعدًا إقليميًّا يُتاجر بالقضية ويتربّح من أوجاع المنطقة.

والطرفان إذ يستفيدان من الخصومة ويستميتان فى إدامتها؛ كعادة الأُصوليّين فى محبّتهم لنزاعات القوميات والأديان، فإنهما راغبان فى الحفاظ على اللعبة ومُتوجّسان منها فى الوقت ذاته؛ لذا لا يتوقّفان عن التعبئة والتسخين، ولا يُوفّران فرصةً للتبريد وتَرك أبواب الرجوع مفتوحةً. ربما تختلف المُعادلة قليلاً اليوم برغبة نتنياهو فى التصعيد؛ لكنه الاستثناء الظرفى الذى لا يمسُّ حجّية القاعدة. كأنّ تل أبيب وطهران فى سباقٍ خشن بين مُغامراتٍ قلقة ونزواتٍ محمومة: الأُولى تطمع فى الأرض دون الناس، والثانية حِرفتُها ابتلاع البلاد بشعوبها، وكلاهما تُحفّزه النزوةُ ويُروّضه قلق المغامرة، وحدود صراعهما أن تتّزن لعبة السياسة والسلاح؛ فإذا تكلّمت البنادق تهدأ الحناجر وتنشط قنوات التنسيق، وإذا انتفخت الخطابات العدائية يكون الكلام بديلاً عن الرصاص والبارود. وفيما بينهما يخطبُ الخطباء على المنابر، ويُلوّح الجنرالات بالقبضة الغليظة، ويكون استعراض الألعاب النارية فى السماء تعويضًا عن الثأر الفعلىّ للدماء والأصول، ومجلس الأمن ترضيةً معنوية ورصيدًا سياسيًّا فى حساب الجانى الأصيل. إنها دراما ولو لم يتعاقد عليها الخصمان المُباشران، والمأخوذون بها الآن سيكتشفون بعدما تنتهى فصولُها؛ أنهم تعاطوا الوهمَ واشتروا الرخيص بالغالى على سابق عادتهم، ولهم فى حرب 2006 وسماحة السيد مثلاً وعِبرة، وتكفى نظرةٌ واحدة سريعة على حال لبنان ومحنته التى لا تنتهى.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة