إذا ما أردنا أن نستوقف مسار النهضة أو نهدم مجتمعًا بعينه، أو نعمل على توالد مشكلات متجددة تستهدف النيل من استقرار الوطن وتهديد أمنه القومي؛ فإن الطريق لذلك يكمن في تجاهل قيمتي الصدق والأمانة واستبدالهما بالغش والزيف فهما السبيل إلى الهلاك والإهلاك والفساد والإفساد بالمعني العميق؛ لذا من يُسهل أو يسمح للمتعلم أن يستخدم وسيلة ما غير مشروعة بهدف أن يتحصل على الإجابة الصحيحة في امتحان له ضوابطه ومعاييره؛ فيُعد هذا ضربًا من الإجرام، يتضمن في طياته شرعنة السرقة وتبرير الظلم والاعتراف بصحة المزيف، ناهيك عن إضاعة حقوق الآخرين، وبتر قيمة تكافؤ الفرص، وهذا مجتمعٌ لا يخرج عن حيز الخيانة في حق المجتمع، بل والوطن قاطبة، الذي يترقب بُناته من جيل يحمل على عاتقه هموم الإعمار وشرف الوعد وتحمل المسئولية.
وعندما تعقد المؤسسة التعليمية اختبارًا أو امتحانًا باعتباره أداة سلمنا من خلالها أنها تكشف عن مستوى خبراتي اكتسبه المتعلم وفق خطة منهجية أعدت ونفذت سلفًا، فإن هذا يؤكد أهمية أداة القياس؛ لنكشف من خلالها مدى تقدم المتعلم في المسار التعليمي وصلاحيته لأن يستكمل في مسار أو تخصص بعينه وفق معيارية معلومة، كما أن طرائق التطوير التعليمي تتوقف على نتائج تلكما المقاييس، وعندما يترك المتعلم كي يمارس مقيتة الغش؛ فإننا نجني سلبيات يصعب حصرها، يأتي في مقدمتها التحديد غير الصحيح لمستوى المتعلم، ومن ثم يحدث تصنيفًا مزيفًا يجعله يتأهل لمستوى دراسي أعلى غير مستحق، حتمًا سيفشل في استكماله، وهذا هدرٌ صريحٌ لمقدرات الدولة المادية والبشرية على حد سواء.
ونحن جميعًا ندرك خطورة الغش التعليمي الذي يعضد ماهية الإهمال؛ فيعزف الأبناء عن تحصيل المعارف واكتساب المهارات ومن ثم يتدنى الجانب الوجداني لديهم؛ فلا مكان لقيم نبيلة يتم غرسها من قبل معلم أو أسرة أقرت ودعمت هذه الجريمة التي تورث ضعف تحمل المسئولية في كل مناشط الحياة العلمية والعملية؛ بالإضافة إلى تنامي السلوكيات غير المرغوب فيها لدى الأجيال التي يسمح لها بممارسة الغش؛ حيث السلبية والتبلد والهروب مما يواجههم من مشكلات أو تحديات؛ فالأزمات تشكل نهاية العالم بالنسبة لفئة ارتأت سهولة الحصول على مطلبها غير المشروع؛ فيتعاظم توظيف الأساليب والحيل المبتكرة في تحقيق غاية غير حميدة، تقتل في النفس عنصر التنافسية المشروعة، وتضعف الهمة؛ فالمصلحة والمنفعة بديلًا عما سواهما من مثابرة وحب استطلاع في تحصيل واكتساب خبرات تعليمية مفيدة.
إن من يجهل فداحة جريمة الغش التعليمي عليه أن يدرك جليًا بأن نهضة الدولة ورقيها وفق خريطتها المستقبلية في شتى مجالات التنمية المستدامة والحيوية منها تعتمد على عقول بشرية مستنيرة ومهارات لسواعد تحمل الابتكار، وهذا لن يحدث بعيدًا عن مؤسسات تربوية تنتهج استراتيجياتها المتنوعة إكساب تلك الأجيال الخبرات المربية التي تعدهم لمراحل التطوير وفق تخصصات نوعية ريادية، شريطة توافر معايير التقويم التي تتمثل في امتحانات تصنف المتعلمين لفئات يسند لها تكليفات ومهام مؤهلين لها في المستقبل؛ لكن عندما نهدر هذا التصنيف باتباع أسلوب غير أخلاقي يؤكد في نفوس المتعلمين النقيض من صحيح القيم؛ فيستبدلون الصدق بالكذب، والأمانة بالخيانة، والجد والاجتهاد بالضعف والتراخي ومواجهة المشكلات والتحديات والعمل على حلها بالانهزامية والاستسلام، وهنا سوف تتلاشي ماهية المجتمع ويضعف نسيجه، وفي وقت ليس بالكثير يحدث الضعف والوهن العام لهذا المجتمع أو تلك الأمة.
ولنوقن جميعنا أمرًا ليس بالهين جراء التراخي في مواجهة تلك الجريمة في مؤسساتنا التعليمية باختلاف سلمها، يمتثل في تغلل ماهية الغش بمناحي حياتنا المختلفة؛ فتصبح الظاهرة أسلوبًا في الحياة ونهج التعامل في كافة مجالاتها؛ فيصعب أن تجد من يصلح لسوق عمل يطلب الكفاءة والتميز والمهارات المتفردة، وأن نطمئن في تعاملاتنا المادية وغير المادية مع الآخرين، ممن ليس لديهم المرجعية الصحيحة لفلسفة النسق القيمي الصحيح من رشد وأمانة وشرف ومصداقية وصدق؛ بالإضافة للطمأنينة على النفس لمن نترك لهم التعامل مع الجرح والألم لنا ولمن نُحب من الأهل والخاصة؛ إنها حقًا مهلكة ومفسدة تكسو الحياة برمتها؛ لذا بات الأمر لا يستهان به ولا ينبغي أن نتغافل عنه؛ فلنضرب بيد من حديد على كل من يروج لفكرة الغش أو يشرعنه بالقول أو الفعل، أو من يحض عليه، أو من يقوم به، أو يسهل له المناخ الداعم، أو البيئة المواتية.
إن محاربة ظاهرة الغش والعمل الجاد للقضاء على مسبباتها وأسبابها يعني أننا نتطلع لمستقبل دولة عظمي يحتل فيها الفرد المكانة المؤهل لها والتي تتناسب مع خبراته الحقيقية، كما نضمن شيوع ورسوخ القيم النبيلة التي من خلالها يعيش المجتمع في استقرار تام بمجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعقدية وغيرها من المجالات الأخرى، بما يضمن جيل محب لوطنه مخلصًا ومواليًا له، قادرًا على حماية مقدراته وأمنه القومي في شتى أبعاده.
ودعونا ندحر جهود من يشرعن لهذه الظاهرة الخطيرة، مهما تباينت الأسباب والمبررات؛ فالأسرة يقع على عاتقها المهمة السامية التي تتمثل في توجيه التوعية والنصح الصادق والمتكرر لأبنائها ليترفعوا عن هذا السلوك المشين، والمؤسسة التعليمية شريك حقيقي فاعل في تعضيد القيم والسلوك الصحيح الذي يقلل ويضعف من محاولات ممارسة هذا السلوك غير القويم لدى المتعلمين، والمؤسسات المجتمعية والإعلامية ينبغي أن تحث المجتمع بمختلف ثقافاته وتنوعها حيال عن البعد هذا السلوك المهلك للحرث والنسل.. ودي ومحبتي للجميع.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.